قبل ساعات قليلة، أعلن البنك المركزي الروسي، إدراج الجنيه المصري ضمن العملات الرئيسية التي يُحددها ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل الروسي. وبحسب بيان صادر عن البنك المركزي الروسي، فإنه حدد سعر الروبل أمام الجنيه بقيمة 43 قرشًا.
وذكر البنك في بيانه، إن قائمة العملات الأجنبية التي يحدد سعرها رسميا مقابل الروبل تضمنت الآن 9 عملات جديدة، من بينها الجنيه المصري والدرهم الإماراتي والبات التايلاندي والروبية الإندونيسية.
اقرأ أيضا.. كيف تتأثر واردات مصر من القمح بالأزمة “الروسية-الأوكرانية”؟
كان سبق هذا القرار، اعتماد البنك المركزي المصري، للعملة الروسية الروبل في المعاملات التجارية والاقتصادية والسياحية مع روسيا بدلاً الدولار. وذلك في إطار ما أسمته وزارة المالية باستخدام عدد من البدائل لتيسير التعاملات الاقتصادية مع روسيا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة بما يساعد على التقليل من حدة الأزمة على الاقتصاد المصري.
نظام نقدي متعدد الأطراف
إلى ذلك، يشرح الدكتور إبراهيم نوار، المستشار السياسي السابق في الأمم المتحدة، القرار، بأنه تحول نوعي من روسيا باتجاهها نحو إقامة نظام نقدي مُتعدد الأطراف يستند على احتياطي قوي من الذهب لدى كل من روسيا والصين على وجه الخصوص.
وأضاف في تحليل، نشره عبر صفحته على موقع فيس بوك، أن إضافة إلى قوة ثلاث عملات رئيسية إلى نظام الصرف الروسي الجديد وهي الريال القطري، والدونج الفيتنامي والدولار النيوزيلندي سيكون له تأثير على سعر صرف الروبل.
وتابع نوار، أن نظام المدفوعات الروسي الجديد يضم عملات أخرى مثل الدرهم الإماراتي والروبية الإندونيسية، وتتم كذلك مبادلات مباشرة بين الروبل الروسي والروبية الهندية والتومان الإيراني، ومن المرجح توسيع النظام ليضم عملات دول مجموعة “بريكس”.
ورأي نوار، أن قرار البنك المركزي يُمثل خطوة جريئة في اتجاه خلق نظام نقدي جديد متعدد الأطراف مستقبلا، خاصة أن هذه الدول تستطيع استخدام اليوان الصيني في المعاملات متعددة الأطراف التي تضم كلا منها مع روسيا والصين.
كما عملت روسيا خلال السنوات الأخيرة، في إطار برنامج لبناء القدرة على تحمل العقوبات والضغوط الامريكية، على إسناد قوة الروبل بالذهب وتعزيز احتياطي العملات الأجنبية مع استبعاد الدولار، وبيع معظم ما كانت تحوزه من سندات الخزانة الأمريكية، وقد وصل احتياطي النقد الأجنبي والذهب إلى قيمة قياسية في نهاية العام الأخير، وفقًا للمستشار السياسي السابق بالأمم المتحدة.
تقليل الضغط على الدولار
وأوضح، أنه بالنسبة لمصر، يُمثل القرار إنفراجة فيما يخص عمليات الاستيراد المكدسة في الموانئ، كما سيُسهم في توفير الكثير من السلع الاستراتيجية التي تستوردها مصر وفي مقدمتها القمح، دون الضغط على الدولار وتقليل الحاجه إليه.
وأكمل نوار، أنه لايوجد منطق في أن تدفع مصر لروسيا مقابل القمح بالدولار، في حين أن البنك المركزي الأمريكي يفرض عقوبات على التجارة مع روسيا، وأنها لن تستطيع استخدام عائدات صادراتها إلا بعملات أخرى غير الدولار، حيث أنه تم إخراج روسيا من نظام سويفت للتحويلات المالية.
وقال المستشار السياسي بالأمم المتحدة السابق، إن القرار يُساعد على تسوية مدفوعات السياحة الروسية في مصر، ويُزيد من التجاره البينية وزيادة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن إمكانية تنشيط المعاملات بين قطاعات الأعمال والصناعة في الدول المُستفيدة من توسيع نظام الصرف الروسي، الذي قرر البنك المركزي الروسي توسيعه ليشمل عملات مصر وقطر وفيتنام وجورجيا وصربيا ونيوزيلندا.
روسيا تربح أكثر
إلى ذلك، أوضح الدكتور إبراهيم نوار، أن وجود عجز تجاري كبير جدًا ومستمر في التبادل التجاري بين مصر وسيا، يُضعف الجنيه، ويجعله عالة على النظام النقدي الجديد الذي تسعى روسيا لإقامته، لكن الميزة الوحيدة التي تبقى لمصر بعد سياسات إعادة إنتاج الفشل هي الميزة “الجيوستراتيجية” إقليميًا وعالميًا.
ولفت نوار، إلى أن مصر تُعاني من عجز مزمن في تجارتها مع روسيا، فهي تستورد منها 10 أمثال ما تصدره، مدللاً على ذلك أنه في الشهر الجاري وحتى الآن، صدّرت روسيا إلى مصر ما قيمته نحو 309 مليون دولار، منها قمح بقيمة 83.6 مليون دولار، وزيت صويا بقيمة 40.8 مليون دولار.
فيما بلغت صادرات مصر لروسيا ما قيمته 44.5 مليون دولار فقط، وكانت أهم الواردات البرتقال بقيمة 18.7 مليون دولار، والخضروات المجمدة بقيمة 5.5 مليون دولار، وفواكه بقيمة 3.1 مليون دولار، وطماطم بقيمة 1.7 مليون دولار، وفقًا للمستشار السياسي السابق بالأمم المتحدة.
وبحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة، صدّرت بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2021 إلى نحو 4.7 مليار دولار مقابل 4.5 مليار دولار خلال عام 2020. وبلغت قيمة الصادرات الروسية في عام 2021، نحو 4 مليار و178 مليون دولار مقارنة بنحو 4 مليار و19 مليون دولار خلال عام 2020.
بينما بلغت صادرات مصر إلى روسيا ما قيمته 591.7 مليون دولار، مقارنة بنحو 515.6 مليون دولار خلال عام 2020، محققة ارتفاع 14.7%.
وأبرز الصادرات المصرية إلى روسيا البرتقال الذي بلغت نسبته من إجمالي الصادرات 33.7%، تليه البطاطس بنسبة 13.3%، ثم البصل بنسبة 7.8%، ويليه العنب بنسبة 5.1%، وفقًا لبيانات وزارة التجارة والصناعة.
القمح.. سلعة روسيا الرئيسية
خلال الفترة بين 2019 إلى 2022 استوردت هيئة السلع التموينية نحو 8 مليون و465 ألف طن من القمح الروسي، حيث بلغ حجم الاستيراد من في العام 2021/ 2022 من روسيا حوالي مليون و370 ألف طن من القمح الروسي، وفقًا لبيانات صادرة عن معهد التجارة العالمي. وذلك مقابل 3 مليون و805 ألف طن قمح في العام المالي 2020/ 2021. بينما بلغ حجم الاستيراد في العام 2019/ 2020 نحو 3 مليون و290 ألف طن من القمح الروسي.
أما إجمالي ما استوردته مصر “قطاع حكومي وخاص” من القمح الروسي، خلال الفترة بين 2019 إلى 2022 بلغ نحو 18.1 مليون طنًا من القمح الروسي بنسبة 50% من إجمالي القمح الذي استوردته مصر خلال تلك الفترة والبالغ حوالي 36.4 مليون طنًا، وفقًا لبيانات معهد التجارة العالمي.
إلى ذلك، يقول الدكتور مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد والتمويل، إنه من المهم جداً أن يترافق نظام قبول الجنيه المصري في الاستيراد من روسيا، وغيرها مستقبلاً من دول بريكس مع ضبط آلية طباعة النقد.
وأضاف في تحليل له عبر صفحته على فيس بوك، أن عدم توافر العملة الصعبة، مع استمرار وربما تزايد النهم على الاستيراد بالجنيه المصري يغري بالسلطة النقدية أن تبالغ في طباعة النقود ومن ثم المزيد من تراجع قيمة العملة وقوتها الشرائية محلياً.
فضلاً عن انسحاق الجنيه أمام عملات التجارة الرئيسة وفي مقدمتها الدولار الذي مازلت مصر وستظل تعتمد عليه طويلاً في تدبير وارداتها مع شركائها التجاريين الأهم والأكبر، وفقًا لنافع.
وأشار أستاذ الاقتصاد والتمويل إلى أن أي نظام جديد للمدفوعات سيفرض على المُشتركين فيه هذا النوع من الضوابط، وربما تعين على مصر وهي عادة تحقق عجزًا في ميزانها التجاري مع أغلب بلدان العالم أن تُعيد شراء فائض الجنيه لدى تلك الدول وذلك بعملاتهم أو بالعملة الصعبة.
ويختم نافع حديثه، بأنه ولما كانت عملات تلك الدول يعتمد توافرها على حجم واردات مصر والذي هو قليل نسبيًا، لذا بالضرورة ستجد مصر في نهاية العام أو بدايته في مأزق تخفيذ كبير لقيمة سعر الصرف وحرق الاحتياطي الدولاري، وهذه قط تذكرة بأن كافة الحلول النقدية لن تجدي في حل الأزمة، حتى وإن خففت من أثرها مرحلياً.