تُلقي قرارات لجنة تسعير المنتجات البترولية بزيادة أسعار المحروقات بظلال ثقيلة على القطاع العقاري المحلي، وأسعار الوحدات السكنية، بعدما تزامن ارتفاع أعباء التنفيذ التي سيقوم المطورون العقاريون بنقلها إلى العملاء، مع قرارات البنك المركزي الأخيرة برفع سعر الفائدة على قطاع، يعتمد على الاقتراض في التوسع.
رفعت اللجنة أسعار المازوت، الذي يمثل عصب صناعات قمائن الطوب والأسمنت بقيمة 1500 جنيه للطن؛ ليبلغ 7500 جنيه تسليم مستودعات التوزيع، كما تم رفع سعر السولار، الذي يمثل عصب النقل الثقيل بواقع 175 قرِشًا للتر الواحد.
يُساهم المازوت بنسبة، تعادل نصف تكلفة مدخلات صناعة الطوب، بينما يعتمد عليه 30% من مصانع الأسمنت كمصدر طاقة رخيص، فيما تفضل النسبة المتبقية الاعتماد على الغاز الطبيعي والفحم.
بحسب شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، فإن زيادة سعر المحروقات سيرفع من أسعار الطوب الأحمر خلال الفترة المقبلة، على جانبي تكاليف الإنتاج، وتكلفة نولون النقل الذي سيرتفع أيضًا على عملية النقل للمستهلك النهائي، وعلى المصانع أيضًا.
يبلغ سعر الألف طوبة حاليًا ما بين ألف و2.3 ألف جنيه حسب الأبعاد، وتكلفته تناهز 5% من التكاليف الكلية لأي عقار تحت الإنشاء، وهي ذات النسبة التي يساهم بها الأسمنت، بينما ارتفعت أسعار حديد التسليح في تكلفة الوحدة السكنية من 6٪ إلى 10٪.
يتكامل مع ارتفاع المازوت زيادة السولار الذي تتراوح مساهمته ما بين 2 و25٪ من تكلفة المنتجات بوجه عام، وترتفع بنسب أعلى في الطوب والمواسير، بينما يرتبط تأثيره على الأسمنت بمدى امتلاك الشركات شبكات توزيع، وفروع إنتاجية بالمحافظات تحد من أعباء النقل.
100 جنيه.. زيادة متوقعة بتكاليف إنتاج الأسمنت
يقول الدكتور أحمد شيرين كريم، رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات، إن بعض مصانع الأسمنت لا تزال تستخدم المازوت والسولار في عملية الإنتاج، ما سيرفع من تكلفة الإنتاج على المصنع، وينتقل بالتبعية على السعر النهائي للسلعة، خاصة مع زيادة تكلفة نولون النقل.
يبلغ عدد المصانع المنتجة للأسمنت في مصر 21 مصنعًا، بإجمالي 42 خطًا إنتاجيًا، بطاقة مُرخصة تصل إلى 74 مليون طن سنوي، ووصل إنتاج المصانع العام الماضي 51.2 مليون طن للسوق المحلية، و9.6 ملايين طن للتصدير.
يضيف شيرين، إن المصانع المعتمدة على المازوت لا يمكنها التغيير بسهولة؛ للاعتماد على أنواع أخرى؛ نتيجة التكلفة المرتفعة في تحويل خطوط إنتاج المصانع التي تأسست منذ البداية، مرجحًا ارتفاع تكلفة إنتاج طن الأسمنت، بما لا يقل عن 100 جنيه للمصانع التي تعتمد على المازوت كوقود ثانوي في العملية الإنتاجية.
بحسب وزارة الإسكان، فإن مصر تحتاج من 500 إلى 600 ألف وحدة سكنية سنويًا؛ لمجابهة الزيادة السكانية السنوية التي تتراوح بين 2 و2.5 مليوني نسمة.
ارتفاع أسعار العقارات.. زيادات ضخمة
تبارى كبار المطورون العقاريون في توقع نسبة الزيادة التي ستشهدها مشروعاتهم في ظل تغير التكاليف المستمر بالسوق العقارية، إذ رفع البنك المركزي المصري، في 6 مارس الحالي، أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، ما يعادل 6%؛ ليسجل 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض.
وبينما رجح عبد الله سلام، العضو المنتدب لشركة مدينة مصر، زيادة 20% في أسعار العقارات؛ بسبب الطلب المتزايد، ورفع أسعار الفائدة، أكد أحمد مسعود، رئيس شركة منصات للتطوير العقاري، أن هيئة المجتمعات العمرانية تبيع الأراضي بالتقسيط وفقًا لفائدة البنك المركزي التي وصلت إلى 30%، وهي نسبة لم تتضمنها دراسات الجدوى الخاصة بالمطورين، أو الهيئة نفسها التي باعت الأراضي بفائدة نحو 10% في السابق، ما قد يؤدي؛ لتعثر بعض المطورين.
لم يذهب أحمد صبور، رئيس مجلس إدارة شركة الأهلي صبور للتطوير العقاري بعيدًا، إذ قال إن قرار البنك المركزي بزيادة سعر الفائدة 600 نقطة أساس، له تأثير مباشر على منظومة التشييد والبناء بشكل عام والتكلفة الإنشائية للمشروعات، مؤكداً أن القرار سيدفع أسعار العقارات للارتفاع العام الحالي.
كان ياسين منصور، رئيس مجلس إدارة شركة بالم هيلز للتطوير والتنمية العمرانية الأكثر تحديدًا، حينما رجح أن تشهد أسعار العقارات في المدينة ارتفاعًا ما بين 50% و60% خلال عام 2024 الحالي؛ نتيجة التغيرات الاقتصادية المستمرة التي تشهدها البلاد حاليًا.
” الحق في السكن” يتخطى الطبقة فوق المتوسطة
وفيما يعتبر الحق في السكن من الحقوق الأساسية للمواطن، فإن المواطن أحمد ناجي، يقول إن السوق العقارية تشهد حاليا إخراج كل الطبقة المتوسطة، وفوق المتوسطة من القدرة علي شراء عقار، واقتصار البيع فقط على طبقة الأغنياء، فمن لديه القدرة على دفع قسط شهري ٨٠ ألف جنيه؛ لشراء شقة قيمتها ٥ ملايين جنيه علي عشر سنوات. وبالطبع فإن فقراء المصريين قد غادرهم وغدر بهم “الحق في السكن” منذ سنوات طويلة والآن جاء الدور على الباقين.
فيما يسخر أحمد حسني من الأسعار التي تبيع بها الشركات حاليًا، بعدما طرح شقق بـ ٥.٥ ملايين مقدم، و٣ ملايين أقساط: نحتاج لقائمة بوظائف المشترين، حتى نعرف نوعية الوظيفة التي تتيح للمواطن القدرة على شراء الشقق بتلك الأسعار.
بحسب لجنة العقارات بجمعية رجال الأعمال المصريين، فإن معدل الزيادة بأسعار بيع حديد التسليح تجاوزت 70٪ العام الماضي، وتسببت تلك الزيادات بأسعار مواد البناء، خاصة أسعار الحديد، برفع تكلفة الإنشاءات بجميع المشروعات العقارية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات بنحو 80٪ في المتوسط.
مطالب بحلول للتوفيق بين دخل الموطن والأسعار
يقول داكر عبد اللاه، عضو شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية، إن حل إشكاليات السوق يتطلب بيع الدولة الأراضي للمطورين العقاريين بأقساط 10 سنوات، ومقدم 5٪ فقط، ما يقلل من تكاليف بيع الوحدات السكنية، خاصة أن سعر الأرض يمثل 50% من تكلفة المشروع.
يطالب داكر أيضًا بمنح تسهيلات ائتمانية للمشروعات العقارية تحت الإنشاء مثل: إقراض البنوك لشركات التطوير العقاري، مقابل الشيكات الآجلة من العملاء مع تحمل المطور فائدة البنك نظير قيمة الإقراض.
وترفض البنوك، حاليًا، تمويل الوحدات السكنية قيد التنفيذ، وتصمم على تنفيذ الوحدات الكاملة المسجلة، ما يقلص من دور التمويل العقاري كوسيلة تحقق التوازن بين ارتفاع أسعار الوحدات السكنية المستمر، وتراجع القوى الشرائية للعملاء، خاصة أن الغالبية العظمى من الوحدات “نصف تشطيب”.
طالب داكر بإنشاء أدوار إضافية على الأدوار المسموح بها للمشروعات السكنية، والتجارية والإدارية التي باعت نسبة كبيرة من المشروع على “الأوف بلان” (البيع على الخريطة) بأسعار أقل من أسعار سعر التكلفة الحالية، وكذلك النظر في ضرورة زيادة النسبة البنائية والنسب الإدارية والتجارية، لضمان حدوث استقرار نسبي للقطاع والعاملين به.