يتحدث مطورو العقار ووزارة الإسكان المصرية عن خطة لتصدير العقار المصري للخارج (بيعه للأجانب) منذ قرابة العقد، لكن لا تزال المعدلات المحققة على أرض الواقع بعيدة تماما عن المستهدفات، أو معدلات استثمار الفرص الدولية التي لا تتكرر كثيرا والتي تُحسن الأسواق المنافسة التعامل معها.
بحسب الدراسات، فإن السوق العقارية المصرية قادرة على جذب ما بين 18 و20 مليار دولار سنويًا من تصدير العقار مقابل نصف مليار فقط حاليًا، وهو رقم ضئيل حال مقارنته بالنسبة التي تسجلها دول الشرق الأوسط وتصل إلى 70 مليار دولار من أصل 300 مليار دولار تمثل حجم السوق العالمية.
اقرأ أيضا.. في رصد تغيّر طرق دعم الخليج لمصر.. السياق والتأثير المحتمل
الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عدم استغلال قطاع العقار المصري الفرص المتاحة، أو حتى تسويق نفسه رغم بناء أكثر من 40 مدينة جديدة، من بينها مدن فاخرة كالجلالة والعلمين الجديدة ورأس الحكمة، علاوة على عشرات المجتمعات المغلقة “كومباوند”، إذ تشير الإحصاءات إلى أن المواطنين الروس احتلوا المركز الأول في شراء العقارات بتركيا خلال 2022، بعدما اشتروا 16312 عقارا، بحسب هيئة الإحصاء التركية.
الأمر ذاته تكرر في دبي، التي تصدر فيها الروس المبيعات أيضًا في العام الماضي بحسب تقرير صادر عن شركة العقارات “بيتر هومز”، لتصبح دبي الملاذ الآمن الأول لهم، وسط حالة عدم اليقين الجيو سياسي والاقتصادي في أماكن أخرى من العالم، لتسجل دبي أكثر من 86 ألف صفقة بيع العام الماضي بقيمة 56.6 مليار دولار.
الروس ليسوا وحدهم
بحسب البيانات الرسمية التركية، لم يكن الروس فقط الزبائن الذين أغرتهم عقارات البلاد، إذ احتل الإيرانيون المرتبة الثانية بمشتريات العقار بنحو 8223 عقار، تبعهم العراقيون في المرتبة الثالثة بنحو 6241 عقارا، لتبلغ إجمالي مشتريات الأجانب 67 ألفا و490 عقارًا.
دبي كانت مفضلة أكثر للأغنياء الأوروبيين الفارين من أزمة الطاقة والتضخم المرتفع، فبعد الروس جاء البريطانيون والإيطاليون والفرنسيون كأكثر الجنسيات شراء للعقار الإماراتي، مع توقعات بانضمام الصينيين للمراتب الست الأولى في شراء العقار في الإمارات بعد تخلي البلاد عن سياسة صفر كورونا واستعادتهم السفر للخارج.
رغم حديث رؤساء الشركات العقارية المصرية عن إمكانية استقطاب قدر كبير من الأوروبيين الذين لا تحتاج أعمالهم للتواجد في أوطانهم الأم، أو المتقاعدين الذين لا يستطيعون تحمل الشتاء البارد بالبلاد بعد أزمة الغاز الروسي وارتفاع الأسعار، تشير المؤشرات إلى توجههم نحو أسواق دبي وتركيا في المقام الأول.
تمتلك دبي العديد من العوامل التي تجتذب المستثمر الأجنبي أهمها قوانين حماية العقار والمحافظة على ملكيته، كما تتفرد دبي بمزايا من بينها عدم فرض ضريبة عقارية وسهولة إعادة البيع “الريسيل” والترويج الجيد لنظام التأشيرات ومنح الإقامات التي تصل مدتها 10 سنوات مقابل شراء العقارات.
وتمنح أنقرة الجنسية للأجانب مقابل امتلاك عقار لا تقل قيمته عن 500 ألف دولار، كما يُكفل حق الجنسية لسائر أفراد عائلة المشتري، مع سرعة في إجراءات الحصول على الجنسية التي تتم خلال 120 يوما من تاريخ تقديم الطلب بدون أي عقبات.
وتروّج تركيا مزايا أخرى مع العقار من بينها إمكانية الدخول إلى نحو 110 دول بينها اليابان وسنغافورة بدون تأشيرة مسبقة أو بتأشيرة تُمنح فور الوصول إلى تلك الدول بجانب إمكانية الحصول على تأشيرة مستثمر للولايات المتحدة قابلة للتجديد كل خمس سنوات.
مصر.. العقار للمصريين في الخارج
تنظم الشركات المصرية معارض في الخارج باستمرار لكنها لا تصدر عقارا بالمعنى الحقيقي، إذ تستهدف الخليج في المقام الأول والمناطق التي تضم المصريين بالخارج من أجل تحقيق خطة الحكومة الرامية إلى تصدير عقارات بمبلغ يتراوح بين 2 و3 مليار دولار سنويا، ما يعني أن المعارض العقارية تستهدف المصريين وليس الأجانب.
المهندس فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال وصاحب شركة عقارات، يقول إن السوق العقارية تضم مشروعات عقارية متميزة تم تطويرها خلال السنوات الماضية يجب استغلالها لتكون أحد موارد العملة الصعبة، لكن هناك معوقات يجب التغلب عليها.
بحسب المطورين، تعاني مصر من عقبات مزمنة في طريق تصدير العقار أولها صعوبة تسجيل الوحدات السكنية، والاعتماد على العقود الابتدائية غير الموثقة في البيع التي لا يقبل بها أي مشتري أجنبي، وتثير لديه مخاوف من إمكانية تعرضه للنصب.
يقول “فوزي” إن 90% من الوحدات المباعة بالسوق العقارية المحلية “نصف تشطيب” وهو أمر لا يرضى به المستثمر الأجنبي، علاوة على غياب شركات إدارة المشروعات التي تتولى إجراء الصيانة والإدارة للوحدات السكنية المباعة على مدى العام، خاصة أن قطاع من الأجانب يشتري الوحدة للإقامة المؤقتة فقط وليس الاستقرار الكامل.
حاولت الحكومة منح تصدير العقار دفعة بصدور قانون منح الجنسية مقابل شراء عقار لا تقل قيمته عن نصف مليون دولار، والذي كان يستهدف المقيمين العرب والأفارقة بمصر الذين تعاني دولهم من مشكلات أمنية وتحديدا سوريا والعراق وليبيا والسودان لكن ملف الجنسية لايزال غير مفعل، حتى الآن بحسب مطورين عقاريين.
دراسات لا تدخل حيز التنفيذ
تؤكد غرفة التطوير العقاري أن من بين 12 مليون مغترب يعيشون في مصر، فإن نحو 500 ألف مقيم بمصر لديه القدرة المالية على شراء وحدة سكنية مقابل 5 ملايين جنيه، ما يستدعي توفير المنتج العقاري الجيد لتلك الفئة خاصة أن لديها القدرة على الدفع بالعملة الصعبة.
تطالب الغرفة باستهداف السوق الصينية، باعتبارها أكثر الجنسيات التي تشتري عقارات في الخارج مع ارتفاع حجم الطبقة المتوسطة في البلاد التي يتراوح عددها بين 300 و400 مليون نسمة، واشتروا ممتلكات سكنية بما يقدر بـ30.4 مليار دولار، في الولايات المتحدة في 2018، بمتوسط 439.1 ألف دولار للعقار الواحد.
دعا مطورون إلى تقليص المبلغ اللازم لمنح الجنسية إلى 300 ألف دولار بدلاً من 500 ألف، وأن نسبة من هؤلاء موزعة داخل مدن الرحاب وأكتوبر والشيخ زايد. ومن الطبيعي أن يبحث مثل هؤلاء عن امتلاك سكن والحصول على الجنسية المصرية لامتلاكهم استثمارات داخل مصر.
يعاني العقار المصري أيضًا من عدم دراسة الجمهور المستهدف وطبيعته وتفضيلاته في الوحدات التي يستهدف تصديرها فلكل شعب تفضيلات في تصميم الوحدات وطبيعة التشطيب التي يتضمنها، وهو أمر لا يتم مراعاته في مصر حاليا، مع تبني نماذج تتكرر شبيهة بالموضة يتبناها الجميع.
تنظيم السوق العقارية
يطالب مطورون عقاريون بوجود هيئة مستقلة رسمية مهمتهما تنظيم السوق، ولديها سجل ببيانات جميع الوحدات العقارية بمصر، بحيث تكون مرجعية لكل من المطور أو العميل، فـ95% من العقار المصري غير مُسجل ولا توجد هيئة عامة لتنظيم العقارات كما هو الحال في باقي الدول.
تخلق العقارات غير المسجلة أزمة ثقة لدى العميل، خاصة مع ارتفاع سعر الوحدة وتعامله مع شركة تطوير حديثة العهد، فمن غير المنطقي أن يذهب العميل لشراء عقار يبلغ ثمنه نصف مليون دولار، وكل ما يحصل عليه من المطور أو كل ما يثبت حقه مجرد ورقة ملونة.
تظل مشكلة “تسويق” العقار المصري مزمنة، فالبحث على شبكة الإنترنت عن الدول التي تمنح الجنسية مقابل شراء عقارات لا يظهر فيه مصر رغم أن لديها قانون لذلك الأمر، ما يعني ضعف الترويج خاصة أن أسعار الوحدات العقارية في مصر أرخص مقارنة بالدول المنافسة في تصدير العقار.
يقول المهندس داكر عبد اللاه، عضو شعبة الاستثمار العقاري بالغرف التجارية، إن ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يجعل العقار المصري أرخص أسعار المنطقة لكن التصدير يحتاج لإقامة معارض بأوروبا وتقديم أنماط مختلفة من العقار المصري سواء سياحي أو إداري أو سكني، ما يعمل على خلق تواصل مباشر بين المستثمرين والشركات وخلق جو من الثقة بين الطرفين.
يطالب “داكر” بمنصة رسمية خاصة بالعقارات تابعة لوزارة الإسكان تتضمن جميع البيانات الخاصة بالثروة العقارية سواء جميع المدن الجديدة والمشروعات التي تم تنفيذها ومواعيد التسليم وسعر العقار وطرق السداد بجانب عقد موحد لبيع العقار المصري للأجانب من ناحية البنود القانونية الخاصة بكيفية تملك العقار أو الوحدة السكنية.