مع قرب انتهاء البرلمان، من تعديلات قانون الاجراءات الجنائية، الذي يناقشه خلال دورة الانعقاد الحالي، يضع مراقبون كثيرا من الآمال على هذه التعديلات كجزء من إنهاء أزمة المحبوسين احتياطا، من المتهمين على ذمة قضايا، قضوا فترات طويلة في الاحتجاز.
sss
وفقا لنواب بالبرلمان، تشكل التعديلات المرتقبة علي قانون الإجراءات الجنائية، واحدة من أهم وأكبر التعديلات التي جرت على القانون منذ وضعه، حيث تقوم على كيفية تحقيق العدالة الناجزة في أسرع وقت، مع وجود جميع ضمانات المحاكمة العادلة، واختصار إجراءات التقاضي، وشملت التعديلات أيضا أحكام الحبس الاحتياطي وحماية الشهود وإجراءات الحبس وغيرها من المواد القانونية المهمة.
التعديلات المرتقبة علي القانون واحدة من أهم وأكبر التعديلات التي جرت على القانون منذ وضعه
وتمثلت أبرز ملامح التعديلات المرتقبة، في استحداث نظام لإجراء التحقيق والمحاكمة عن بعد، أسوة بالتشريعات المقارنة، ووضع بدائل للحبس الاحتياطي، تبيح لعضو النيابة العامة في الجرائم المعاقب عليها بالحبس أن يصدر أمرا مسببا بإلزام المتهم بعدم مبارحة -أي مغادرة- مسكنه أو موطنه، وإلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، وحظر ارتياد المتهم أماكن محددة، ومنع المتهم من مزاولة أنشطة معينة، وذلك بدلا من الحبس الاحتياطي المطبق منذ عقود من الزمن، واعتماد نظام التقاضي على درجتين في الجنايات مع إتاحة الطعن على أحكام محاكم الدرجة الثانية عن طريق محكمة النقض أو إعادة النظر.
“والحبس الاحتياطى هو أحد الإجراءات التحفظية تجاه المتهم، والتي تدخل ضمن سلطات النيابة أو قاضي التحقيق الجنائي، وعلى هذا يصبح “الحبس الاحتياطي” إجراءً من إجراءات التحقيق، وليس تنفيذًا لحكمة محكمة، ولا يوجد تعريف محدد لما يعرف بـ”الحبس الاحتياطي” في قانون الإجراءات الجنائية المصري.
عفو رئاسي
التقريرالوطني الذي تقدمت به الحكومة خلال آلية المراجعة الدورية الشاملة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى اجتماعه الأخير، أفاد فيما يتعلق بالتوصيات الخاصة بالاحتجاز وضمانات المحاكمة العادلة، بأن (المادتين 54 و55 ) من الدستور أكدتا على عدم المساس بالحرية الشخصية وعدم جواز تقييد حرية أي شخص إلا بأمر قضائي مسبب، عدا حالات التلبس، مع كفالة جميع ضمانات احترام حقوق الإنسان لمن يتهم بتقيد حريته.
كما تنص المواد (55 و95 و96 و97 و186 و189) على اختصاص القضاء بالفصل في كل المنازعات والجرائم، وأن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء تتولى التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، ويتمتع أعضاؤها بالاستقلال والحيادية في مباشرة إجراءات التحقيق والإحالة، كما أكدت أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، مشددة على مبدأ افتراض البراءة حتى تثبت إدانة المتهم في محاكمة قانونية تُكفل له فيها ضمانات الدفاع، وأن تصدر الأحكام عن محاكم مختصة وتكون جلساتها علنية.
التقرير لم يتضمن أعداد المحبوسين احتياطيا ولكنه أشار إلى أنه يتم تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي، ومنها إلزام المتهم بعدم مغادرة مسكنه أو تقديم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة أو حظر ارتياده أماكن محددة، ولكنه ذكر أن رئيس الجمهورية استخدم حقه المقرر بمقتضي المادة 155 من الدستور في العفو عن بعض العقوبات السالبة للحرية في المناسبات والأعياد القومية، فأطلق سراح 56 ألف سجين بموجب عفو رئاسي منذ 2015.
أطُلق سراح 56 ألف سجين بموجب عفو رئاسي منذ 2015
تضارب
هناك تضارب فى الأرقام بشأن العدد الحقيقي للمحبوسين احتياطيا، فى الوقت الذي تقدره منظمات حقوقية دولية بأنه يتجاوز أكثر من 100 ألف، إلا أنه بحسب تصريحات للنائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان عام 2018، فإن عدد المساجين فى مصر 65 ألفاً بينهم من 25 إلى 30 ألفاً محبوسين احتياطياً، بينما بلغ عدد المحبوسين فى قضايا أحكام نهائية من 35 إلى 40 ألفاً.
وفقا لمنظمة العفو الدولية، “تفرض قرارات الإخضاع لمراقبة الشرطة في مصر، على السجناء والمحبوسين احتياطياً الذين يخلى سبيلهم، قضاء عدد من الساعات في قسم للشرطة يومياً أو كل أسبوع. ويستخدم هذا التدبير كبديل للحبس الاحتياطي، أو يمكن أن يفرض كعقوبة تكميلية إلى جانب الحكم القضائي بالسجن”.
جدل “المشروعات القومية”
فى المقابل، أثار مشروع قانون العقوبات البديلة للحبس والتدابير البديلة للحبس الاحتياطي والذي تقدم به النائب علاء عابد رئيس لجنة حقوق الانسان بمجلس النواب، حالة من الجدل، بعد إعلانه التقدم به إلى مجلس النواب قبل فترة، إذ رفضه البعض معتبرا أنه “قانون للسخرة وليس للعمل فى المشروعات القومية” .
مشروع القانون المكون من 15 مادة، حددت العقوبات ومنها: العمل فى مشروعات قومية تقدم خدمات للمجتمع دون مقابل لمدة مساوية لمدة العقوبة، كما تتضمن العقوبات البديلة الالتزام بجبر الضرر والتعويض الناتج عن الجريمة والإقامة الجبرية، وإلزام المحكوم عليه بعدم مغادرة محل إقامة محدد أو نطاق مكانى معين.
مشروع قانون العقوبات البديلة للحبس في العمل بالمشروعات القومية يثير أزمة
واقترح المشروع إلزام المحبوس المستفيد من التدابير البديلة بالحضور لمركز الشرطة فى أوقات محددة، ويحظر عليه ارتياد مكان أو أماكن محددة، وذلك بحظر ارتياد نطاق جغرافى معين ذات صلة بالجريمة، كما يعطي مشروع القانون الحق لمصلحة السجون، وبناء على طلب المسجون، أن تطلب استبدال العقوبة الأصلية بإحدى العقوبات البديلة .
مطالب بتحديد النطاق
حقوقيون طالبوا بوضع حد للحبس الاحتياطي، واقترحوا عددا من الاقتراحات يمكن العمل بها قبل الانتهاء من التعديلات المرتقبة على قانون التعديلات الجنائية، من أبرزها الاكتفاء في العقوبة على قضايا الإرهاب والمخدرات والسلاح فقط، على أن يتم اتخاذ إجراءات بديلة فى باقى القضايا.
وفرق مشروع القانون ما بين المحبوس احتياطيا على ذمة إحدى القضايا التي تنظرها جهات التحقيق سواء النيابة العامة أو المحكمة المختصة، وبين المسجون الصادر في حقه حكم قضائي سالب للحرية .
وحرص المشرع على توثيق حقوق المحتجز احتياطيا ونص عليها صراحة في القانون رقم 396 لسنة 1956 الخاص بتنظيم السجون المصرية.
مطالب بالاكتفاء في العقوبة على قضايا الإرهاب والمخدرات والسلاح فقط
ومن بين هذه الحقوق: يتم احتجاز المحبوسين احتياطيا في أماكن منفصلة عن غيرهم من المساجين الصادر ضدهم أحكام، ويجوز إقامة المحبوسين احتياطيا في غرف مؤثثة مقابل مصاريف محددة، ولهم أيضا الحق في ارتداء ملابسهم العادية، ومن حقهم أيضا إحضار ما يناسبهم من طعام من خارج السجن أو شرائه من داخله بحرية، ولا يجوز تشغيل المحبوس احتياطيا في أي أعمال داخل مقر الاحتجاز إلا إذا طلب هو ذلك، وبالنسبة للزيارات فإن القانون منح المحبوسين احتياطيا الحق في زيارة واحدة أسبوعيا، ومدتها تختلف باختلاف السجن المحتجز به، فمدة الزيارة العادية في السجون العمومية 15 دقيقة.
أما الزيارة الخاصة فتصل مدتها إلى 30 دقيقة ويجوز إطالتها بتصريح من مأمور السجن، وفي السجون المركزية تكون مدة الزيارة في جميع الأحوال نصف ساعة.
وقال مصدر نيابي لـ “مصر 360″، طالبا عدم ذكر اسمه، إن المحتجزين في السجون العمومية يمكن لأي عدد من ذويهم زيارتهم وفقا لتصريح النيابة في هذا الشأن، أما المحتجزين في السجون “المركزية” فمسموح فقط باثنين ويجوز زيادة العدد إلى 4 بقرار من مأمور السجن.
اشتراطات دستورية
اشترطت المادة 41 من الدستور المصرى أنه في جميع أحوال الحبس الاحتياطي لابد من توافر ضرورة التحقيق كمبرر لهذا الإجراء، بينما نصت المادة 387 من التعليمات العامة للنيابات على أنه، لأعضاء النيابة مراعاة ظروف ما يعرض عليهم من القضايا، والنظر فى تقدير مدى لزوم حبس المتهم احتياطيًا، ومراعاة الظروف الاجتماعية والارتباطات العائلية والمالية ومدى خطورة الجريمة.
المبدأ العام في الحبس الاحتياطي أنه لا يصح التجريم إلا لضرورة مجتمعية وأن تكون العقوبات مبالغا فيها وتتناسب مع مقدار الجريمة
وللحبس الاحتياطي قواعد تبدأ من 4 أيام فقط هي حق النيابة العامة ثم بعدها مباشرة يتم عرض المتهم أو الشخص على قاضي المعارضات الذي يباشر عملية في تجديد الحبس بناء على طلب من النيابة العامة، ثم تأتى بعد ذلك مرحلة أن تكون قرارات أمر الحبس من اختصاص محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة لمدد ما بعد الخمسة والأربعين يوما وحتى صدور قرار الإحالة أو استنفاد مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها قانونا بالنسبة للجنح والجنايات أمام محاكمها المختصة.
قانونيون يرون أن المبدأ العام في الحبس الاحتياطي أنه لا يصح التجريم إلا لضرورة مجتمعية، ولا يجب أن تكون العقوبات مبالغا فيها، وأن تتناسب مع مقدار الجريمة، وأن يتم التعامل مع الحبس الاحتياطي بحذر شديد، حتى لا يتعارض مع نصوص الدستور.