تظهر نتائج “استطلاع أصداء بي سي دبليو السنوي لرأي الشباب العربي” الأخير، أن أغلب الشباب في الفئة العمرية من 18 إلى 24 عامًا يشعرون بقلق بالغ تجاه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة حاليًا، بما فيها تراجع سُبل العيش وجودة التعليم وعدم توفر الوظائف. وهم يدركون الاضطرابات السياسة والاقتصادية، وينتظرون تحسن الخدمات التعلمية والصحية وتوفير فرص العمل وإقرار المساواة ومحاربة الفساد والمحسوبية.
منهجية التقرير:
الاستطلاع يصدر في سبتمبر/ أيلول من كل عام، عن شركة “أصداء بي سي دبليو” ومركزها دبي في الإمارات العربية المتحدة. ويركز على استبيان رأي الشباب العربي حول عدد من المؤشرات المرتبطة بسبل المعيشة والقضايا الدولية والهوية والتوجهات نحو القضايا السياسة.
وقد اعتمد في منهجيته على المقابلة الشخصية، وتضمن 3,400 مقابلة. وكان إطاره الزمني الفترة من 13 مايو/ آيار – 16 يونيو/ حزيران 2022، بينما إطاره المكاني 17 دولة عربية، ويغطي خمس دول في مجلس التعاون الخليجي (البحرين، والكويت، وعمان، والسعودية، والإمارات)، وخمس دول في شمال إفريقيا (الجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب، وتونس) بالإضافة إلى السودان، وخمس دول في شرق المتوسط (الأردن، والعراق، ولبنان، والأراضي الفلسطينية، وسوريا)، بالإضافة إلى اليمن.
يستهدف الاستطلاع تقديم صورة حول مواقف وآراء الشباب العربي، مستخدمًا مجموعة من الأسئلة خلال المقابلات، يتم تجمعيها للخروج بمؤشرات كيفية وكمية، لتظهر اتجاهات رأي ومواقف بشأن قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية. كما يقدم مقارنات بين بيانات الاستطلاع هذا العام ونتائج السنوات السابقة لبيان معدلات التغيير في المواقف والمؤشرات.
الاقتصاد أولًا
تحتل قضية ارتفاع تكاليف المعيشة المرتبة الأولى من الاهتمام لدى الشباب العربي، وتعد ضمن عوامل القلق لدى أغلبية العينة التي شاركت في الاستطلاع.
وقد أظهر التقرير أن 35% من العينة المستطلعة آرائها تعتبر غلاء تكاليف المعيشة التحدي الأول. وقد جاءت البطالة في المرتبة الثانية، بنسبة 32 %. وكانت القضايا الإقليمية والقومية في مراتب تالية على القضايا الاقتصادية. كما كان الصراع العربي الإسرائيلي في المرتبة الثالثة، بنسبة 29% ضمن القضايا المقلقة للشباب العربي. بينما جاءت مشكلة غياب التعاون بين الدول العربية ضمن المرتبة السابعة، وفي المرتبة الثامنة جاءت القضايا الأمنية ومخاطر الإرهاب.
يتضح من مؤشرات استطلاع الشباب العربي، أن أهم القضايا التي تشغل الشباب العربي تتعلق بالجوانب الاقتصادية. وعلى رأسها تصاعد الغلاء، وصعوبة سُبل المعيشة، والخوف من شبح البطالة.
وقد ظلت هذه القضايا محل الاهتمام الأساسي للشباب العربي على مدار 12 عامًا، أجري فيها الاستطلاع حسب ما توضح نتائج السنوات الماضية.
ويتفق ذلك مع مؤشرات مماثلة، إذ أظهر الباروميتر العربي ضمن نتائجه، أن الوضع الاقتصادي أهم تحدٍ يواجه المنطقة، مع انتشار التشاؤم الاقتصادي حول الأوضاع الحالية والمستقبل القريب.
وكان ضمن مخرجات الباروميتر 2022 أن نصف المواطنين العرب يعتقدون بأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتسع باستمرار.
وسبق وتناول تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2022 مشكلة البطالة كأحد أبرز التحديات، مشيرًا إلى ارتفاع معدل البطالة من 9.10 إلى 12.05% في الفترة من 2019 إلى 2021.
عجز توفير النفقات
يترتب على تراجع فرص العمل صعوبات في تغطية نفقات وتكاليف المعيشة.
هنا تظهر نتائج مؤشر “استطلاع أصداء بي سي دبليو”، أن ثلثي الشباب العربي في بلاد شرق المتوسط وشمال إفريقيا يكافحون لتغطية نفقاتهم، وترتفع النسبة بالمقارنة مع شباب دول الخليج.
يظهر الاستطلاع أن 41% من الشباب العربي يجدون صعوبة في دفع كامل نفقاتهم. في حين يعاني 15% عجزًا في دفع كامل نفقاتهم الشخصية. وهذا بدوره يؤدي إلى صعوبة سُبل المعيشة، ولجوء هذه الفئات إلى الاستدانة والاقتراض والاعتماد على العائلة.
الاعتماد على العائلة
يتفاوت الشباب العربي فى درجة الاعتماد على العائلة في توفير متطلبات المعيشة والنفقات الشخصية. وترتفع نسبهم في دول الخليج، إذ تظهر مؤشرات الاستطلاع أن شباب عُمان والسعودية والكويت ضمن المراتب الثلاث الأولى في الاعتماد على العائلة. وترتفع نسبهم (ما بين 69% و75%) قياسًا بباقي شباب المنطقة. ويعتبر شباب سوريا الأقل اعتمادًا على أسرهم. إذ كانوا في المرتبة الأخيرة، بنسبة بلغت 13%.
وعمومًا، يظهر الاستطلاع ارتفاعًا في نسب الشباب الباحثين عن دعم مالي من عائلاتهم. وربما يشير ذلك إلى نمط تربوي اعتمادي وعائلي.
ويتعلق جانب من هذه الظاهرة بالأزمة الاقتصادية التي يعاني من تبعاتها الشباب. بينما في جانب آخر يمكن ربطها بدور الروابط الأسرية التقليدية فيما يتعلق بمسألة توفير احتياجات الشباب؛ سواء في حالات الفقر أو الغني. على سبيل المثال، ترتفع نسب المساعدات التي تقدمها الأسر الخليجية إلى أبنائها. ولعل ذلك يرتبط في جزء منه بالفوائض المالية.
ويرتبط المحدد الأخير لهذه الظاهرة بالفئة العمرية التي أجري عليها الاستطلاع، ووقوع أغلبها في فترة التحصيل العلمي أو بين الخريجين الجدد. غير ما يمكن أن يكشفه هذا المؤشر من غياب ثقافة العمل، بالتزامن مع المراحل الدراسية، وانخفاض فرص العمل الملائمة لتلك المرحلة.
المساهمة في نفقات الأسرة
تتراوح نسب الشباب الذين يساعدون أسرهم في تغطية نفقات المعيشة ما بين 3% إلى 19%.
هناك علاقات ترابط بين تلقي الشباب مساعدات من أسرهم، ومساعدة الشباب أسرهم. للإيضاح؛ تبلغ نسبة من يساعدون أسرهم في مصر 16%، بينما الشباب الذين يتلقون دعم من الأسرة 32%. وفي سوريا تقل نسب الشباب الذين يساعدون أسرهم، حيث لا تتجاوز 3%، وشباب سوريا هم الأقل اعتمادًا على أسرهم. ويتشابه الأمر في كل من اليمن والأردن.
الديون
ما يقارب ربع الشباب العربي (24%) يستدين، وينتمى أغلبهم لدول شمال إفريقيا وشرق المتوسط. مع الأخذ في الاعتبار اختلاف نوعية الديون وأسبابها.
تتركز ديون شباب الخليج في شكل قروض شراء السيارات وبطاقات الائتمان والتسوق. دول الاقتصاد الريعي بالأساس تنتج نزعات استهلاكية.
أما ديون الشباب في شمال إفريقيا وشرق المتوسط، فيتعلق أغلبها بمصروفات التعليم والصحة والعلاج. وهو ما يرتبط بأزمات اقتصادية.
المحسوبية
وفق الاستطلاع، يعتقد نصف الشباب العربي أن توفر فرص العمل في بلدانهم أمر صعب. وتزداد نسب المؤمنين بذلك في دول شمال إفريقيا وتصل إلى 55%، وفي شرق المتوسط النسبة 73%.
وقد ربط حوالي ثلث الشباب المستطلعة آرائهم (29%) بين نقص الوظائف ومشكلات الواسطة والمحسوبية. وبينما رأى 24% منهم أن ضمن أسباب البطالة غياب إصلاح التعليم، وعدم توفر معلومات حول الوظائف، وطالبوا الحكومات بتعزيز فرص العمل من خلال الاستثمار في التكنولوجيا وتعزيز البنية التحتية وتشجيع الاستثمار، وبلغت نسبة هذا الاتجاه 20%.
وتظهر نتائج الباروميتر العربي للعام 2022 أن المواطنين ينظرون للحكومات العربية أنها لا تعمل من أجل مصالح الفقراء. وتدلل استطلاعات الباروميتر العربي في 2021 على معاناة المواطنين العرب من البؤس الاقتصادي. على سبيل المثال، قال 64% من التونسيين إن صافي دخل أسرهم لا يغطي نفقاتهم.
وفي السياق، تشير بيانات البنك الدولي أن معدل نمو التوظيف في شركات القطاع الخاص لم يتجاوز 1% وهو ما يقل كثيرا عن المتوسط البالغ 5% بين البلدان النظيرة. هذا إلى جانب ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، والذي يقدر بنحو 26%.
يظهر الاستطلاع تراجع نسبة الشباب الراغب في العمل الحكومي. حيث بلغت نسبتهم 39% بينما ارتفعت نسبة من يفضلون العمل المستقل والعائلي من 16% إلى 28% في الفترة من 2019 إلى 2022.
ورغم التراجع في نسب الراغبين في العمل الحكومي، إلا أنهم يمثلون الشريحة الأكبر من الشباب. ويرجع ذلك لجملة من العوامل بينها الضمانات التي يوفرها القطاع الحكومي، وعنصر الأمان الوظيفي.