ضمن أزمات عديدة شهدها العالم تأتي أزمة الغذاء في المقدمة وتظهر بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط فيما تكثر التوقعات بتفاقمها أكثر.
وترتبط الأزمة الغذائية العالمية بأزمات الاقتصاد والتوترات السياسية على مدار العقد الماضي. فضلا عن فراغ السلطة في بعض الدول وهشاشة الوضع الأمني. حيث شكلت المنطقة مقصدا رئيسيا للحركات الإرهابية. وتوالت عمليات التهريب لموارد بعض الدول.
وبالنسبة للأبعاد الاقتصادية فهناك ضغط هائل على الموارد الطبيعية. إضافة إلى سوء استغلال المواد الخام وزيادة عدد السكان فى دول أخرى قياسا بالموارد المتاحة بها.
لقد صار الغذاء أزمة لعالم اليوم. وسيناريوهات المستقبل لا تنبئ بأن القادم أفضل. وذلك بناء على قراءة محاور الأزمة وملامحها عبر رصد تقارير دولية.
ملامح الأزمة
تعتبر أزمة الغذاء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي ذروة التدهور الاقتصادي في المنطقة والمدخل الرئيسي لقياس الأوضاع الاقتصادية المتردية. فرغم أن المنطقة تضم 6٪ فقط من سكان العالم فإن بها 20٪ من إجمالي عدد الأفراد الذين يفتقرون للأمن الغذائي.
وعلى مدار السنوات الأخيرة ظهرت الأزمة بوضوح مع دخول متغير جائحة كورونا. بحيث أصبحت المنطقة شديدة الحساسية لأي تغير طفيف في معادلة الغذاء. وهو ما تبين في خضم آثار الحرب الروسية-الأوكرانية خلال العام الجاري. وفي منطقة تفتقر إلى استقلال الغذاء. حيث تستورد نحو 50% من غذائها. ما ينبئ بآفاق غير مبشرة إذا لم يتم وضع برامج معالجة لانعدام الأمن الغذائي بصورة عاجلة.
ارتفع عدد الأفراد المهددين بالحرمان المزمن من الطعام عالميا عام 2014 من 775 مليون شخص إلى 815 مليونا في 2016. وكشفت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” أنه خلال عام 2020 كان هناك 69 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط يواجهون انعدام الأمن الغذائي. بجانب نحو 101.4 مليون في المنطقة عند حد الفقر.
وحسب البنك الدولي فقد أدت الحرب الأوكرانية إلى تغيير أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك العالمية. ما أبقى أسعار المواد الغذائية عند مستويات عالية.
ففي 19 مايو/أيار ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية بنسبة 42%. وصعدت أسعار القمح والذرة بنسبة 91% و55% على التوالي مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني 2021.
وتعتبر لبنان وسوريا واليمن أكثر البلدان التي تعاني انعدام الأمن الغذائي في المنطقة.
ففي لبنان ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 400٪. وبلغت أسعار الوقود في يونيو/حزيران الماضي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في سبتمبر/أيلول الماضي.
تقف خلف تفاقم أزمة الغذاء أسباب متعددة. منها النزاعات والصدامات الاقتصادية. كما ترك التغيير المناخي آثاره على الأزمة. إضافة إلى تباطؤ حركة التجارة العالمية وما أسفرت عنه الحرب الأوكرانية من أزمات كبرى في سلاسل التوريد العالمية.
كل ذلك بالإضافة إلى أسباب هيكلية تتعلق بأنماط النشاط الزراعي. ودور الشركات الأجنبية وندرة المياه في الوطن العربي. والسياسات الزراعية في كل دولة.
العرب الأكثر تضررا
تعتبر النزاعات المحرك الرئيسي الذي دفع 139 مليون شخص في 24 دولة/إقليم إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد. ارتفاعًا من 99 مليونًا في عام 2020.
ووفق نتائج هذا المؤشر عام 2020 نجد أن هناك 5 دول هي الأقل أداء في توفر الغذاء على الصعيد العربي. وهي: اليمن 27.5% والسودان 30.8% وسوريا 41.3%. كما يشكل المهاجرون تحديًا إقليميًا. حيث يوجد 35 مليون مهاجر في دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ولبنان.
ومؤخرا عملت الحرب الروسية الأوكرانية على تفاقم أزمة الغذاء من مختلف الجوانب. حيث قدرت الأمم المتحدة أن نحو 30% من الأراضي الزراعية الأوكرانية تقع في منطقة حرب. كما غادر ملايين الأوكرانيين البلاد وبعضهم انضم إلى الخطوط الأمامية للحرب. ما قلل من القوى العاملة المتاحة للعمل في المزارع.
تعاني المنطقة تدهور الأوضاع الاقتصادية. وهو ما تضاعف خلال جائحة كورونا. حيث بلغ معدل التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 14.8٪ عام 2021. وهو أعلى بكثير من متوسط التضخم 7.3٪ بين عامي 2000 و2018. مع وجود عدد من البلدان التي شهدت تضخمًا مرتفعًا بشكل مثير للقلق مثل لبنان (154٪) واليمن (30٪).
وفي ظل اعتماد أغلب دول المنطقة على استيراد المواد الغذائية مع تناقص احتياطي النقد الأجنبي شكلت أسعار المواد الغذائية نحو 60% من الزيادة المسجلة العام الماضي في التضخم العام في المنطقة. ثم من بعدها الحرب الروسية-الأوكرانية التي سببت خلخلة في سوق النقد نتيجة تسليح العملة.
القيود والسلاسل
تتعدد أوجه القيود التي تضعها الدول على السلع الغذائية. لا سيما في وقت الأزمات. ما يعوق تدفق السلع.
وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا تفاقمت أزمة الغذاء العالمية جزئيًا بسبب العدد المتزايد من قيود التجارة الغذائية. التي وضعتها البلدان اعتبارًا من 11 أغسطس/آب. فقد نفذت 23 دولة 33 حظرًا لتصدير المواد الغذائية. كما نفذت سبع دول على الأقل 11 إجراءً للحد من الصادرات. فعلى سبيل المثال حظرت الحكومة الأوكرانية تصدير القمح.
وبرزت هذه المشكلة خلال الجائحة نتيجة الإجراءات الاحترازية فيما يتعلق بتنقل الأفراد والشحنات التجارية. وتعطلت المواني وضاقت سعة التخزين. لذلك ارتفعت أسعار الغذاء على نحو ملحوظ بنحو 35% خلال عام 2021.
كما عرقلت الحرب الروسية-الأوكرانية وصول القمح. حيث حاصر الجيش الروسي مرافق تخزين الحبوب في أوكرانيا والبنية التحتية البحرية والمواني. وبالتالي توقفت سلاسل التوريد العالمية لهذه المحاصيل.
تبعية الغذاء
يشار إلى روسيا وأوكرانيا على أنهما “سلة الخبز” في العالم. حيث يشكلان معا أكثر من 25% من صادرات القمح في جميع أنحاء العالم.
وتعتمد قرابة 50 دولة على أوكرانيا وروسيا في ما لا يقل عن 30٪ من واردات القمح. لذا تواجه العديد من الدول العربية التي ظلت لسنوات مستوردًا رئيسيًا للقمح الروسي والأوكراني مخاطر جسيمة. إذ يتجه أكثر من ثلث القمح المُصدّر عالميا ونحو 20٪ من صادرات الذرة و80٪ من زيت عباد الشمس إلى منطقة الشرق الأوسط.
كما يضاف للأزمة الغذائية عامل شركات متعددة الجنسيات ودورها في الاقتصاد العالمي. حيث تسيطر على أسواق الدول النامية وتحتكر إنتاج وتسويق وتوزيع المواد الغذائية.
وقد ارتفع عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 100 إلى 500 مليون نسمة في فترة نصف قرن (1965-2015). في حين تدهورت الأوضاع الاقتصادية وزاد الضغط على الموارد الطبيعة وارتفعت حدة انعدام الأمن المائي. ما يضع قطاع الزراعة في أزمة متجذرة في ظل عدم تناسب الطلب المتزايد مع العرض المحدود.
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغير المناخ.
وعلى سبيل المثال من عام 2006 حتى عام 2011 شهدت سوريا واحدة من أسوأ فترات الجفاف في تاريخها. ما يعني أن هناك نقصًا في المياه.
وتعتبر الزراعة هي أكبر قطاع مستهلك للمياه في الشرق الأوسط. لذلك من المتوقع أن يؤدي التصحر إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة. بالإضافة إلى ما يتعلق باستخدام الطاقة التقليدية. فهناك ما يقرب من 2.5 مليار إنسان يفتقرون إلى الوصول إلى الطهي النظيف. أي إن ثلث سكان العالم يعتمد على الحطب والفحم في الطهي. الأمر الذي يتعارض مع الأهداف البيئية والمناخية.
كما يفتقر 770 مليون شخص في العالم إلى الكهرباء -حسب إحصائية عام 2021.
وقد ارتفعت تكاليف الكهرباء والنقل بسبب ارتفاع أسعار الوقود. الذي يحمل تأثيرا مباشرا على صغار المزارعين والرعاة الذين يعتمدون على الزراعة باستخدام محركات الديزل. إضافة إلى ارتفاع تكلفة النقل وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
المتوقع غذاء أقل
وفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة فإن معظم الأشخاص الذين يعانون حالة التأهب القصوى للجوع من سكان إثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان واليمن وأفغانستان والصومال.
وتوقع التقرير أن يرتفع العدد الحالي البالغ 276 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد عالميا إلى 323 مليون شخص بحلول نهاية 2022.
وفي تقرير صدر في 17 أغسطس/آب الماضي توقعت شركة ماكينزي الاستشارية انخفاضًا حادًا في الحصاد. وقدّرت أن إنتاج أوكرانيا من الحبوب -كالقمح- سينخفض بنسبة من 35٪ إلى 45٪ في موسم الحصاد المقبل. كما تتوقع شركة ماكينزي أن تكون أزمة الغذاء التالية أسوأ من تلك التي حدثت في عامي 2007 و 2008.
وبوضع التغيرات المناخية في الاعتبار فإن من المقرر أن يرتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي 30-122 سم بحلول نهاية القرن. وستتعرض مدن الجزائر وبنغازي والإسكندرية إلى زيادة في مستوى سطح البحر بحلول 2050. مما يؤدي إلى تقلص الأراضي الصالحة للزراعة. فضلا عن تراكم الغبار الصحراوي الذي يخلق مزيدا من العواصف الرملية خاصة في العراق والسعودية وسوريا.
كذلك من المتوقع أن يبلغ إجمالي إنتاج الحبوب في أفريقيا 209.5 مليون طن بنهاية 2022. أي أقل 1٪ من متوسط الخمس سنوات الماضية.
ويشير بنك التنمية الأفريقي أنه قد يكون هناك انخفاض بنسبة 20٪ في إنتاج الغذاء الأفريقي العام المقبل. وذلك بسبب نقص الأسمدة. كما سيظل التضخم مرتفعًا في المنطقة في عام 2022 عند 13.9%.