كتب – تامر هنداوي
التضييق والأزمات ملامح ترسم مشهد نقابات مصر في 2021. ونحن على أبواب انتخابات من المفترض أن تنعقد في يونيو/حزيران المقبل. ويشتكي قيادات النقابات المستقلة في مصر مما وصفوه بـ”التقييد والحصار” الذي يتعرضون له. وذلك بدءا من سياسات منع توفيق الأوضاع مرورا بإقصاء العديد من القيادات.
مشهد آخر تمثل في تصفية شركة “حلوان للحديد والصلب” أثار غضب القيادات العمالية. فيما اعتبروه قرارا يستهدف الصناعات الاستراتيجية ويُفقد مصر أحد عوامل أمنها القومي.
قبل انتهاء العام بأيام. أعلن المجلس القومي للأجور أن أطراف العمل الثلاثة -الحكومة وممثلي العمال وأصحاب الأعمال- وافقوا على صرف العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص بنسبة 3% من الأجر التأميني الشامل. وذلك بحد أدني 70 جنيها اعتبارا من أول يناير 2022.
وهو القرار الذي أثار غضب العمال باعتباره “مخالفا للقانون” الذي نص على علاوة 7%.
ويطالب قيادات عمالية ونقابية برفع الأجهزة الأمنية يدها عن النقابات المستقلة. وإتاحة الفرصة لها لتوفيق أوضاعها لإثراء الحركة النقابية المصرية.
إلى ذلك يأمل أصحاب المعاشات في تنفيذ الحكم الصادر من القضاء الإداري منذ عامين. والخاص بأحقيتهم في العلاوات الخمس. فيما لم تسلم النقابات المهنية من الأزمات خلال 2021. إذ اختتمت نقابة الصحفيين العام بأزمة جداول القيد. وذلك بعد تأجيل ورفض نصف عدد المتقدمين للالتحاق بالنقابة. ما أثار حفيظة الصحفيين واعتبروه دليلا على سياسة الإقصاء وسيطرة فريق واحد على العمل النقابي.
3 مطالب للنقابات المستقلة
لا يمكن النظر لما تعانيه النقابات المستقلة في مصر من خلال عام 2021 وحده. لكن الأمر بدأ منذ إصدار قانون النقابات.
النقابات المستقلة تعاني التضييق بداية من التأسيس. فكثير من القطاعات تواجه تعنتا في تأسيس النقابات العاملة المستقلة. مثل قطاع الضرائب العقارية والاتصالات.
الأمر أصبح غير محفز للعمال. فالعامل يجد نفسه مرتبطا بنقابة لا تستطيع توفيق أوضاعها لمدة5 سنوات أو أكثر. ولا تستطيع المشاركة في الانتخابات. لأن وزارة القوى العاملة رفضت إعطاء خطابات للنقابة -“الخطاب البنكي وخطاب الصفة”.
بند آخر يمثل عائقا أمام تأسيس النقابات المستقلة. يتمثل في عدم الازدواج النقابي وعدم المشاركة في نقابتين. لأن العامل يجد نفسه لا يستطيع المشاركة في النقابة المستقلة. بعد وضع اسمه دون علمه في النقابة التابعة لاتحاد العمال العام.
على سبيل المثال في قطاع النقل البري. يضطر العامل لإرفاق خطاب من النقابة العامة للحصول على الرخصة. في وقت ترفض الجهات الرسمية أي خطابات من النقابات المستقلة. ما يجعل العمال يضطرون للتوجه إلى النقابة التابعة لاتحاد العمال.
لا يمكن النظر لأوضاع النقابات المستقلة بعيدا عن المشهد العبثي الذي شاهدناه في انتخابات النقابات العمالية الأخيرة. والتي شهدت انتقادات واسعة من القيادات العمالية. وذلك على خلفية إقصاء واستبعاد عدد كبير منهم. ما جعلها انتخابات غير تنافسية أشبه بالتزكية.
لا أتوقع تحسنا في ملف النقابات المستقلة. خاصة أن الملاحقات الأمنية للقيادات العمالية مستمرة. فلدينا اثنان من قيادات النقابة المستقلة للعاملين في النقل البري في السجون.
أعتقد أن تحسن الأحوال مرتبط بأمور عدة. من بينها إلغاء بند الازدواج النقابي. وأن ترفع وزارة القوى العاملة يدها عن النقابات المستقلة. وأن تتوقف الأجهزة الأمنية عن ملاحقة القيادات العمالية.
خليل رزق قيادي عمالي بارز وأحد مؤسسي النقابة المستقلة للعاملين في النقل البري. تعرض للاحتجاز لأكثر من عام ونصف العام بعد القبض عليه في 17 نوفمبر 2019 من منزله في المرج شرق القاهرة. وذلك بعد توجيه اتهامات له بالانضمام لجماعة إرهابية.
حركة نقابات عمالية هشة
أعتقد أن تصفية شركة حلوان للحديد والصلب أسوأ ما حدث في تاريخ مصر وليس في 2021 فقط. وذلك باعتباره مصنعا استراتيجيا يغذي صناعات عديدة تقوم على إنتاجه.
ولا تتوقف أهمية مصنع الحديد والصلب على الإنتاج. فهو مصنع يدافع عن الأمن القومي المصري. وهو الأمر الذي اتضحت ملامحه في حربَي الاستنزاف وأكتوبر. وذلك في بناء حائط ومنصات الصواريخ والدُّشم على جبهة القتال.
كان هدف ثورة 23 يوليو من بناء شركة الحديد والصلب هو التعبير عن الاستقلال المصري. فهي صناعة لم تقم فقط على الحديد لكنها ارتبطت بمحاجر الواحات وصناعة الكوك. فضلا عن صناعات معدنية أخرى.
إغلاق هذه الشركات مثّل ضربة للعمال المدربة في مصر. فبعد إغلاق الحديد والصلب والقومية للأسمنت باتت هذه العمالة في الشارع. ما زاد جيش البطالة في مصر. ووضع العديد منهم دون معاش بسبب قانون التأمينات الاجتماعية الذي وضع شروطا صعبة للخروج “معاش مبكر”.
أثبتت واقعة إغلاق مصنع الحديد والصلب هشاشة الحركة النقابية والعمالية في مصر. فمقاومة العمال لتصفية شركة الحديد والصلب اقتصرت على إصدار البيانات واللجوء للقضاء.
قانون النقابات المستقلة
ينضم إلى هذه المشاهد قانون النقابات المستقلة. وهو الذي شهد اعتراضات واسعة من قبل العمال. وتم إجراء الانتخابات الأخيرة –الأسوأ في مصر- على أساسه. باعتبارها شهدت إقصاء كبيرا لعدد من القيادات دون منحهم حق التظلم.
قانون النقابات المستقلة أرسى قاعدة “من يخرج على المعاش من حقه الاستمرار في عضوية النقابة”. ما أسفر عن وجود قيادات نقابية ليست لها صلة عضوية بالعمل ويجرى تعيينها صوريا في أحد الأماكن.
ما سبق وذكرته ينبئ بمستقبل نقابي هش وغير فاعل في القضايا العمالية.
وفيما يخص الأجور. هناك ملاحظات على قرار المجلس القومى للأجور بشأن العلاوة الدورية.
فقد طالعتنا الصحف بقرار المجلس القومى للأجور صرف علاوة دورية بنسبة 3% من الأجر التأمينى الشامل للعاملين بالقطاع الخاص بحد أدنى 70 جنيها من أول يناير 2022.
فأولا: طبقا للمادة 34 من قانون العمل 12 لسنة 2003 وهو القانون السارى حتى الآن. يختص المجلس القومي للأجور بوضع حد أدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7% من الأجر الأساسي. ويتم حسابها على أساس اشتراكات التأمينات الاجتماعية.
مخالفة علاوة الـ3%
إذا القانون حدد مهمة المجلس وصلاحياته. بينما المجلس قد خالف المادة 34 من القانون بإقراره علاوة بنسبة 3% من الأجر التأمينى الشامل للعاملين بالقطاع الخاص. فالعاملون بالقطاع الخاص جزء من المخاطبين بأحكام القانون وليس كل المخاطبين. بل إن قانون العمل هو القانون الذي يحكم علاقات العمل في مصر. أي إن قانون العمل هو التقنين الجامع للقواعد المنظمة لعلاقات العمل. ومشكلتنا في الصياغات التشريعية في قانون الخدمة المدنية فإن العلاوة 7% من الأجر الوظيفى وتلاحظ أنها دون حد أدنى. وذلك لأسباب تتعلق بعدم المفاوضة الجماعية للعاملين بالخدمة المدنية -وهذه قضية أخرى. فقانون العمل يخضع له العمل التابع أيا كان القطاع الذي يمارس فيه العمل أمرا ضروريا. عدا ما استثني بنص المادة الرابعة. وأهمية ذلك تحقيق الشرط الأفضل الذي يقره قانون العمل على ما عداه من تشريعات عمالية أو خاصة أخرى.
علاوة دورية لا تقل عن 7% أي يمكن أن تزيد عن حدها الأدنى بالمفاوضة الجماعية. وبشكل عام فإن المزايا الواردة في قانون العمل تمثل الحد الأدنى الذي يمكن التفاوض على أساسه والاتفاق على زيادته.
لن نتعرض لقضية التهرب التأميني ولا التأمين على العاملين بالقطاع الخاص. وعدم حقيقية أجورهم. بل ومشكلات العاملين دون عقود عمل أصلا ولا عن مشكلات القطاع الخاص غير المنظم. ولكن نسبة الـ3% على الأجر التأميني الشامل هي نسبة لا يمكن زيادتها حتى حدها الأدنى بـ70 جنيها. وطبعا مع غلاء الأسعار تصبح قيمة هزيلة.
صلاح الأنصاري وهو المعروف بلقب “المؤرخ العمالي لشركة الحديد والصلب” من مواليد حي مصر القديمة في 3 مارس 1948، حصل على دبلوم التلمذة الصناعية عام 1967. وعمل عقب حصوله على الشهادة في شركة الحديد والصلب منذ عام 1968. واستمر في العمل بالشركة أربعين عاما حتى خرج إلى المعاش عام 2008. كما ارتبط تاريخه بتاريخ الحركة العمالية والنقابية في “الحديد والصلب”. في بداية عمله بالشركة تم استدعاؤه للخدمة بالقوات المسلحة عقب نكسة 1967 وقضي في الخدمة سبع سنوات كاملة.
ظواهر دالة ومستقبل غامض
هناك عدد من الظواهر شهدها عام 2021. تشكل رؤية لوضع العمل النقابي في مصر. أولها أن عددا قليلا من النقابات تمكن من توفيق أوضاعه بإجراء انتخابات وتشكيل مجالس إدارات.
الظاهرة الثانية أن كثيرا من النقابات لم تتمكن من توفيق أوضاعها بسبب “لعبة القط والفأر” بين النقابات المستقلة ووزارة القوى العاملة.
ففي الوقت الذي تطالب فيه الوزارات النقابات بتقديم أوراقها في مديريات القوى العاملة. تقول المديريات إن التقديم في الوزارة وهكذا. رغم أن القانون ينص على أن تأسيس النقابات في المديريات.
وفيما يخص قانون العمل المتوقع صدوره قريبا. فإن ما به من شؤون أصحاب الأعمال جرى تمريره. أنا ما يخص العمال فيتعثر.
وفي النهاية المقدمات تؤول إلى النهايات. ويبدو المشهد بلا تغير خلال العام المقبل. ودعنا نذكّر بالقرار الذي أصدره وزير القوى العاملة. وذلك بشأن تحديث البيانات الخاصة بالتنظيم النقابي كل عام. فعندما ذهبت النقابات لإجراء الإحصاء فوجئوا بعدد من أعضاء النقابة تم قيدهم كأعضاء في النقابات التابعة للاتحاد العام للعمال. وحتى الآن لا يوجد ما يطمئن بأن الانتخابات المقبلة ستشهد تغيرا عن سابقتها.
طلال شكر نائب رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات ومنظم ومدرب نقابي وعمالي. وعضو المجلس الاستشاري لاتحاد عمال مصر الديمقراطي. له باع طويل في العمل النقابي والعمالي منذ أوائل الثمانينيات. كان الأمين العام لنقابة العاملين بشركة النصر للتليفزيون من عام 1979 حتى 2006. ثم عضوا بمجلس إدارة عن العمال. ورفض خصخصة الشركات في عهد مبارك ووقف ضد “المعاش المبكر”.
اتحاد المعاشات ينتظر تنفيذ حكم العلاوات الخمس
رغم إصدار المحكمة الإدارية العليا حكما تاريخيا في الدعوي التي أقامها الاتحاد العام لأصحاب المعاشات في فبراير 2019. بأحقية أصحاب المعاشات في 80% من العلاوات الخاصة. للذين كانوا يحصلون على علاوات خاصة من العاملين في الدولة والهيئات العامة والقطاع العام وبعض شركات القطاع الخاص. التي كانت تعطي علاوات خاصة. إلا أن الدولة لم تنفذ الحكم حتى الآن.
وكان عدد من أصحاب المعاشات أقام دعوى تفسير لهذا الحكم. وانضم إليها الراحل البدري فرغلي ومن بعده الرئيس الحالي للاتحاد عبدالله أبوالفتوح. وفي يونيو 2021 أكدت المحكمة أن الحكم مفسر لنفسه ويحتاج إلى التنفيذ. ولكن للأسف الجهة التي تدير الأموال الخاصة بالمعاشات لا تزال متعنتة في التنفيذ.
وأصحاب المعاشات مع بداية عام جديد يطلبون سرعة تنفيذ الحكم وصرف مستحقاتهم من أموالهم التي تعينهم حتى على الوفاء بجزء من احتياجاتهم. كما يطالب أصحاب المعاشات برفع الحد الأدني للمعاشات في كل مستوياته إلى 2000 مع زيادته دوريا لمواجهة أعباء المعيشة.
عبدالغفار مغاوري المستشار القانوني لاتحاد أصحاب المعاشات. ومحام متخصص في القضايا العمالية. أقام دعاوى قضائية رفضا لبيع قطاع الأعمال العام. منها دعوى استرداد شركة المراجل البخارية وإعادتها للدولة. ودعوى ضد تصفية شركة النصر للسيارات وإعادة تشغيله.