شهد السودان اليوم تصاعدا في أعمال العنف المتبادل، بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات التدخل السريع، التي أسسها محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”، والذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الذي يدير السودان منذ أن أطاح الجيش بالرئيس السابق عمر البشير في إبريل/ نيسان 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات.
فمن هو حميدتي؟
هو أحد أقوى رأسين في البلاد، والذي قال عنه القيادي في الحزب الاتحادي غالب طيفور إنه “شخصية نبعت من عدم، وتحول من مجرد راعي غنم ثم تاجر إبل وأقمشة مغمور إلى رتبة عسكرية رفيعة”.
ينحدر حميدتي من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان. اعتاد التنقل في بداية حياته، انقطع عن الدراسة في عمر الـ 15 وبدأ بممارسة تجارة الإبل والقماش. وعمل في العشرينيات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي. لكن العمل الذي صار مفتاحه الذهبي للسلطة فيما بعد، كان حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في المناطق التي تخضع لسيطرة قبيلته.
هكذا، ذاع صيته وجنى ثروة كبيرة في التسعينيات من القرن الماضي، مما مكنه من تشكيل ميليشيا خاصة به، تنافست مع ميليشيات قبائل أخرى. وعند اكتشاف الذهب في جبل عامر، سيطرت ميليشياته على مناجمه. كان هذا الذهب هو المفتاح الذي فتح له أبواب الكرملين فيما بعد.
عندما قرر نظام الرئيس عمر البشير تجنيد ميليشيات من العرب، لمحاربة المتمردين الأفارقة في دارفور. كانت نواة هذه القوات، التي عرفت لاحقا باسم “الجنجويد”، مؤلفة من رجال عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد.
وخلال الحرب الضارية، كان قائد الجنجويد الأكثر شهرة، والأسوأ سمعة في دارفور، هو موسى هلال زعيم عشيرة المحاميد. والذي برز إلى جواره حميدتي، وكان بدوره يتمكن من توسيع الميليشيا التي يقودها من الماهرية وضم إليها قبائل أخرى، لينافس زعيمه السابق هلال، وليستعين به البشير نفسه لاحقا، إثر خلاف مع هلال.
ولم تقتصر أعمال عصابات الجنجويد على مواجهة الحركات المتمردة، بل طالت أعمال قمع المعارضين عموما من صحفيين وقيادات حزبية، بجانب الصراعات العرقية.
كما أضفى البشير الشرعية على هذه الميليشيات، عبر تسميتها “قوات الدعم السريع”، وفق مرسوم رئاسي أصدره في عام 2013. وكان قوامها الأساسي مكونا من 5000 عنصر. حيث جرت هيكلة الميليشيات وإعادة تشكيلها بوساطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، وذلك بقيادة حميدتي، بعد أن رفض رئيس الأركان السوداني -آنذاك- نقل تبعيتها من جهاز الأمن إلى هياكل القوات المسلحة، ليجري اعتبارها قوة نظامية منفصلة تتبع الرئيس البشير مباشرة. فضلا عن توسيع نشاطها؛ ليتعدى ولايات دارفور ويمتد إلى النيل الأزرق وجنوب كردفان، ولاحقًا إلى جميع ربوع السودان.
ووفق ويلو بيردج، أستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل البريطانية، ومؤلفة كتاب “الانتفاضات المدنية في السودان الحديث”، أنّ “قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي ارتكبت فظاعات في دارفور. وأنّ تحركها بعد إطاحة البشير أثار ريبة الكثيرين، وخصوصاً المتمردين في دارفور”.
رجل الذهب
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اعتقلت قوات حميدتي زعيمه السابق موسى هلال. أعقب ذلك استيلاء قوات الدعم السريع على مناجم الذهب الأكثر ربحية في البلاد.
هنا، إلى جوار نفوذه السياسي والعسكري، أصبح حميدتي أكبر تجار الذهب في السودان. ساعدته على ذلك قدرته على السيطرة على الحدود مع تشاد وليبيا. كما أصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، “مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب.
وكشف تقرير صادر عن مؤسسة “جلوبال ويتنس” أن شركة “كالوتي”، الإماراتية حصلت على أكثر من 117 طن ذهب سوداني خلال الفترة 2012-2019 عبر شركة الجنيد. كما نشرت المؤسسة نفسها تقريرًا سابقًا مدعومًا بوثائق رسمية تكشف شبكة الشركات، التي تعمل واجهةً لقوات الدعم السريع والبنوك الداعمة لها. والتي تحتفظ بحسابات مصرفية في الإمارات. ويؤكد التقرير أن هذه الحسابات غير خاضعة لسيطرة الجيش السوداني أو الحكومة السودانية.
ويقول أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية، بجامعة تافتس في الولايات المتحدة في مقال نشرته بي بي سي/BBC، إن “حميدتي، من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح يتحكم بأكبر ميزانية سياسية للسودان. وهي أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط آخر، دون أي مساءلة”.
التحولات
بات حميدتي الرقم الصعب في المعادلة السودانية، حيث يرى البعض أنه كسر شوكة النظام قبل سقوطه بنحو 100 يوم، حين أعلن عصيانه للرئيس البشير بالانحياز للمتظاهرين. بعد أن تمكن من قراءة مشهد نهاية عهد البشير بسرعة، فأصبح جزءاً من آليات التغيير في محيط دائرة كبار الجنرالات.
وفي صباح الثورة تمكن من إعادة فرز مواقفه بالتقرب إلى مركز القوة الجديد، المتمثل في الشارع الغاضب عبر تبني مطالب تقليل الفترة الانتقالية. وهذا التقدير هو وضع على كتفه نجمة إضافية مع موقع الرجل الثاني.
وجاءت المفارقة التاريخية في مسيرة “تاجر الإبل” – كما يطلق عليه كثيرون في الشارع السوداني- أنّ أعداءه الذين حاربوه طيلة 15 عاماً، وحاولوا نزع زيه العسكري، طالبوه بالانضمام للمجلس الانتقالي، في محاولة لإضفاء شرعية على الحرس القديم المتمثل في وزير الدفاع عوض بن عوف، ورئيس الأركان كمال معروف، ومدير المخابرات السابق صلاح قوش. لكنّ حميدتي غير المعروف بالتسامح، أعلن رفضه.
وبعدما ترأس الفريق عبد الفتاح البرهان المجلس الانتقالي بديلاً عن بن عوف، أصبح حميدتي، الذي كانت تجمعه بالبرهان صداقة قديمة، نائب رئيس المجلس بدلاً عن كمال معروف، ثم أصبح بعدها الوسيط بين النظام والولايات المتحدة، وهو الدور القديم الذي صنع نفوذ سلفه قوش.
ووفق مبعوثين غربيين وشخصيات معارضة، تحدثوا إلى رويترز/ Ruters سابقا، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، فإن حميدتي متعطش لمزيد من السلطة، وأنه ساعد على الإطاحة بالبشير بعد 30 عاما في السلطة لأنه يضع الرئاسة نصب عينيه.
وقالت شخصية معارضة طلبت عدم الكشف عن اسمها خشية التعرض للانتقام “حميدتي خطط ليصبح الرجل الأول في السودان، لديه طموح بلا حدود”.