في ظل الاهتمام المتزايد بالاستثمار العقاري في مصر خلال الفترة الأخيرة، برزت عدة تحديات، بعضها يتعلق بالتسويق. والبعض الآخر يتمثل في أزمة التمويل، للقدرة على المنافسة في سوق أصبحت محط أنظار مستثمرين مصريين وأجانب.
هنا قفزت إلى الواجهة فكرة إحياء صناديق الاستثمار العقاري، التي ظلت بعيدة تمامًا عن اهتمامات الحكومة المصرية. رغم اعتبارها أحد المحركات الأساسية لنمو قطاع العقار عالميًا، قبل التوسع الكبير في حركة البناء وتضخم عدد شركات التطوير بالسوق المحلية التي فرضت وجودها.
لكن كيف يجرى تفعيل هذا التوجه في ظل شكاوى المطورين العقاريين مما يصفونها بـ”الحزمة المروعة”. تلك المتعلقة بالأتعاب والرسوم والضرائب الموجودة حاليًا، والتي بدورها لن حقق عائدًا موجبًا لصاحب الوثيقة على استثماره بالصناديق.
لذلك، عقد مجلس الوزراء مؤخرًا اجتماعا لمناقشة عدد من التعديلات المقترحة على القواعد المنظمة للصناديق العقارية. ومن هنا ظهرت النية الحكومية للاعتماد على الصناديق في توفير مصادر تمويل الأنشطة المرتبطة بالقطاع العقاري. ومن ثم تبني تيسيرات لزيادة عددها، وتنشيط دورها.
مشكلة التمويل العقاري
صناديق الاستثمار العقارية قد تكون حلاً مناسباً لمشكلة التمويل العقاري التي يعاني منها المطورون العقاريون. وذلك لمرونة دورها في شراء وحدات عقارية، وبيعها في وقت لاحق أو إمكانية تأجيرها للراغبين.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2021، حصلت 8 شركات على قروض بقيمة 22.5 مليار جنيه. منها 6.3 مليار جنيه، من أجل تسريع وتيرة العمل بمشروعاتها.
وفي ديسمبر الماضي، بدأت 6 شركات عقارية كبرى مفاوضات للحصول على قروض من البنوك بقيمة تتجاوز 13 مليار جنيه. كما من المتوقع إنهاء الاتفاق في عدد منها خلال العام الحالي.
أمام نقص السيولة، زادت بعض الشركات من المدى الزمني للتقسيط حتى أوصلته لنحو 13 عامًا. وهي مشكلة تقوِّض قدرتها على التوسع في ظل نشاطها مرتكزًا على جمع الأقساط من العميل من أجل شراء أو بناء عقار جديد.
في المؤتمرات العقارية الأخيرة، قال أحد المطورين الكبار إن السوق العقارية المصرية تحتاج إلى أكثر من 80 بنكًا متخصصًا في تمويل العقارات، وحاليًا العدد الكلي للبنوك لا يتجاوز 40 بنكًا، بينها اثنان فقط متخصصين في الجانب العقاري.
الصناديق الاستثمارية هي الحل
في تلك الأجواء تبدو صناديق الاستثمار العقاري الحل الأمثل. إذ تعتمد على تخصيص جزء كبير من استثماراتها في أصول عقارية، تدر إيرادات مثل التأجير وحق الاستغلال والإعلان. مما يمكنها من إجراء توزيعات سنوية لأرباحها على حملة وثائقها.
.. لكن لماذا صناديق الاستثمار؟
الصناديق تتسم بمرونة أعلى من الشركات العقارية التي تبيع وحداتها بالتقسيط. فهي لا تمر بدورات بناء وبيع المشروعات العقارية التي تستغرق سنوات من شراء الأرض والتراخيص والبناء والتشطيب. وبالتالي تتعامل مع العقار في صورته النهائية.
كما تتسم باستدامة العائد عبر تنامي قيمة الوثائق الناتجة عن ارتفاع القيمة السوقية للأصول العقارية المستثمر فيها على مدى السنوات. وذلك على اعتبار أنها تؤجِّر الأصول، ولا تبيعها على عكس الشركات التي تبيع فيصبح المكسب المستقبلي للمشتري صاحب الوحدة.
وتجذب صناديق الاستثمار العقاري عددًا أكبر من المستثمرين لاتسامها بمزايا، من بينها تخفيف المخاطر الناشئة عن الاستثمار في عقار واحد. وذلك عندما تستثمر في مجموعة من العقارات عبر الصناديق.
وتناسب تلك الصناديق جميع فئات المستثمرين، الذين قد لا يستطيع بعضهم تحمل تكلفة استثمار مباشر في أحد الأصول الكبيرة مثل المكاتب أو مراكز التسوق. ويمكنهم تحقيق ذلك عبر استثمار مبالغ محددة مع آخرين في مركز تسوق واحد.
المرونة تعتبر أحد أهم الوسائل التي تجنب المستثمرين مشكلات الاستثمار العقاري، أو ما يعرف بالشقق المحروقة. فبعضهم قد يحتاج إلى بيع عقار بصورة مفاجئة، فيعاني من العجز عن إيجاد زبون والدخول في متاهات التسويق والسماسرة. لكن عبر الصناديق يمكنهم البيع في أي وقت عبر البورصة.
تجارب دولية
نحو 40 دولة توجد بها صناعة صناديق الاستثمار العقاري، تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة. وتضم القائمة دولا في أفريقيا والشرق الأوسط مثل جنوب إفريقيا والسعودية وكينيا والبحرين.
تدفقت نحو 14 مليار دولار خلال عام 2021 فقط لصناديق الاستثمار العقاري العالمية. ويتوقع محللون أن يكون الأداء أفضل في 2022، فمعظم صناديق الاستثمار العقاري ستشهد قيم عقارات أعلى مع تنامي الإيجارات وإشغال الوحدات.
يقول محللون إن تصنيفهم لصناديق الاستثمار العقارية بشكل عام ينقسم إلى “تصنيف مناسب للشقة ومنزل الأسرة الواحدة والتخزين الذاتي والبنية التحتية وصناديق الاستثمار العقارية الصناعية”. وتصنيفًا غير ملائم للمكاتب والرعاية الصحية والإقامة.
إذن.. كيف تنجح الصناديق العقارية؟
نجاح الصناديق العقارية في تحقيق أهدافها مرهون بحوافز حكومية واضحة، فالتشريعات الضريبية لا تفرق بين الشركة العقارية والصندوق. وهو ما يجعلها تخضع لضريبة الأرباح الرأسمالية بجانب الضريبة على نتائج أعمال الصندوق ذاته.
تمثل الصناديق حلاً لمشاكل البنوك المصرية في التعامل مع الأصول العقارية التي تؤول إليها لتسوية مديونيات بالقطاع المصرفي غير مسموح له الاحتفاظ بتلك الوحدات. وعليها طرحها في مزاد علني.
قبل خمس سنوات، حاولت شركة النعيم إطلاق صندوق عقاري بحجم مستهدف مليار جنيه، ولم يتم تدشينه. وكررت الأمر شركة “القومية لإدارة الأصول والاستثمار”، التي تراجعت نهائيًا عن إنشاء صندوقها العقاري.
ولادة متعثرة لجنين واحد في مصر
تملك مصر، حاليًا، صندوقًا عقاريًا واحدًا هو “المصريين للاستثمار العقاري” مر بولادة متعثرة. فالهيئة العامة للرقابة المالية اعتمدت نشرة الاكتتاب الخاصة به عام 2017، وتم قيد وثائقه بالبورصة المصرية.
كما سعت المجموعة المالية “هيرميس”، أخيرًا، للتعاون مع عدة بنوك ومؤسسات مالية للاكتتاب في صندوق التعمير والإسكان للاستثمار العقاري “نمو” برأسمال 500 مليون جنيه.
وجمعت صناديق الاستثمار المتخصصة في البنية التحتية ما يقرب من 800 مليار دولار من التمويل الخاص خلال العقد الماضي. وذلك في دليل على قوة تلك الصناديق حاليًا.
صناديق الاستثمار والمطورون الجدد
يقول خبراء إن وجود صناديق استثمار يتماشى مع ظهور جيل مطورين جديد يعتمد على الدراسات المالية والسوقية لأي منتج جديد. ووجود الصناديق يتماشي مع أفكارهم خاصة أن إدارتها تتم عبر فرق متخصصة شديدة الكفاءة.
يوضح الخبير المالي نادي عزام أنّ صناديق الاستثمار العقارية تستثمر بشكل غير مباشر عن طريق شراء في أسهم العقارات. ما يمثل موردًا للأخيرة في التوسع من خلال الاكتتابات والحصول على تمويل غير مكلف عبر زيادة رؤوس الأموال.
ويضيف أن السوق العقارية في حاجة لها لدعم التطوير العقار حتى تستطيع التوسع في أنشطتها ومجاراة خطة التنمية لزيادة المساحة الرقعة المعمورة من 7 إلى 14%. والعائق الأساسي للمطورسن حالًيا في مشروعاتهم هو التمويل الرخيص.