لم تمض أيام على مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني بعد أن ألقت شرطة الأخلاق الإيرانية القبض عليها واقتادتها إلى مركز شرطة، بزعم ارتدائها الحجاب بصورةٍ خاطئة أثناء وجودها في العاصمة طهران، حتى وقع زلزال سياسي عنيف، بعد اندلاع الاحتجاجات بمختلف المحافظات، سرعان ما تحولت من الطابع الديني والاجتماعي، إلى الطابع السياسي والمطالبة بسقوط النظام.
وبدا واضحا خلال الأيام الأخيرة أن الزلازل الذي أحدثته وفاة الشابة العشرينية، لن تقتصر تداعياته على الداخل الإيراني فقط، وإنما قد يكون له ارتدادات على المحيط الإقليمي، وفي القلب منه منطقة الخليج، والدول الأربع التي تنشط فيها الأذرع الإيرانية في المنطقة سوريا واليمن والعراق ولبنان.
اقرأ أيضا.. تحليل إسرائيلي: إيران قد تعود لنظام “الأسرة الحاكمة” عن طريق “الفقيه”
ولاقت الاحتجاجات الدعم من أطراف في الخارج من بينهم ولي عهد إيران السابق رضا بهلوي والعديد من الأحزاب الكردية الإيرانية، وأيضًا العديد من النشطاء المدنيين والسياسيين بإعلانهم الحداد والإضراب العام. كذلك أعلنت العديد من الأحزاب السياسية المعارضة بالخارج دعمها للاحتجاجات، مثل حزب فرشكرد، ومنتدى الاتحاد من أجل بدايةٍ جديدة، والحزب العلماني الديمقراطي الإيراني، وحزب المشروطة الليبرالي، والحزب القومي الإيراني. كما دعت رموز وأقطاب المعارضة بالخارج والكثير منها يحظى بدعم أطراف إقليمية، إلى إيصال صوت الاحتجاجات للمجتمع الدولي.
موعد مع المستقبل
ورغم أن التوقعات تشير إلى أن هذه الموجة من الغضب من الممكن أن تهدأ في أية لحظة ولأي سبب كان، إلا إن هناك اتفاقا على أنها أفرزت واقعا جديدا قد يكون بداية لتغيرات قد تشهدها إيران والمنطقة وإن كانت على مدى زمني غير قريب، خاصة وأن الحديث عن الحالة الاحتجاجية في إيران بموجتها الأخيرة أو الموجات التي سبقتها لا يعني بأي حال من الأحوال تحليلها كحالة تسعى لإسقاط أو حالة قادرة على إسقاط النظام بقدر ما هي حالة ملازمة للمجتمع الإيراني، للدرجة التي جعلته يوصف بأنه مجتمع احتجاجي.
في هذا الإطار يرى الأكاديمي الإماراتي البارز عبد الخالق عبد الله، أن الشعب الإيراني شعب حي بطبعه ويثبت من وقت لآخر أن هناك حدودا لما يمكن أن يتحمله من قمع، موضحا وجهة نظره بالقول أنه “في السابق أطاح بالشاه، وأتى بزعيم بدلا منه، وقبلها في العشرينيات أطاح بنظام سياسي حاكم أيضا، فالمتابع للمشهد الإيراني سيدرك أن كل 40 سنة يطيح الشعب الإيراني بنظام حاكم، وهو ما يجعلنا على موعد مع حدث تاريخي ضخم، ومن ثم فمن المهم متابعة ما يحدث بشكل دقيق”.
وحول الاهتمام الخليجي بما يجري في الداخل الإيراني، يقول الأكاديمي الذي ظل لفترة طويلة مقربا من دوائر صناعة القرار في بلاده في حديث لـ”مصر360″، إن دول الخليج هي الأقرب لإيران فلا تبعد عنها سوى بمسافة نحو مائتي كيلو متر فقط، كما أنها الأقرب متابعة لما يجري على الساحة الإيرانية، وكذلك تعرف التحولات الإيرانية وسلوكيات طهران في المنطقة، مشددا على أن ما يحدث في الداخل الإيراني وارتداداته الخارجية ستكون دول الخليج اقرب الدول وأكثرها تأثرا.
تشققات بالشرعية
مظاهرات في العاصمة طهرانولم يستبعد الأكاديمي الإماراتي، تأثر شرعية النظام الحالي في إيران بما يجري من احتجاجات عارمة، قائلا: “أغلب الظن أن هذه الاحتجاجات ستوثر على شرعية الحكم في إيران، وتضعفها من الداخل”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل سيمتد تأثيره إلى أتباع إيران، بقوله: “بالطبع سينعكس ما يحدث بالداخل على الخارج واتوقع أن أتباع إيران ومليشياتها في العراق واليمن وسوريا يتحسسون جميعا ما يجري، وستكون المحصلة النهائية أن الضعف الداخلي سينعكس على إضعاف أتباع إيران الخارجيين”.
ويشير عبد الله إلى بعد مهم آخر بشأن الاهتمام الدولي وليس الإقليمي فقط لما يجري في إيران، وهو بعد من وجهة نظره متعلق بالتداعيات التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، بعد انقطاع إمدادات الطاقة والغاز الروسي، ما زاد من أهمية الحفاظ على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي.
ويتابع عبد الله، أن كل ذلك يحدث في وقت تحاول فيه دول الخليج أن تمد يدها لإيران بالمصافحة، وجادة في الحديث مع طهران لتخفيف التوتر في المنطقة. موضحا أن تلك السياسة ساهمت مؤخرا في تراجع فرص التوتر بشكل كبير، وباتت فرص اندلاع حرب قليلة للغاية.
وحول ما إذا كان على دول الخليج القيام بدور فيما تشهده إيران حاليا، في إطار خدمة مصالحها، أم الاكتفاء بالمتابعة الدقيقة فقط، يقول الأكاديمي الإماراتي، إن دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والمملكة العربية السعودية تحتكم لمبدأ مرتبط بعدم التدخل في الشئون الداخلية، وهذا ينطبق على تعاملهم مع إيران، وحتى وإن كانت الأخيرة لا تكن الاحترام، لدول جوارها وتتصرف باستعلاء تجاهها وتطلق التهديدات من وقت لآخر لأمن الخليج العربي، موضحا أن “دول الخليج في هذا الصدد لا تبادل إيران التهديد بالتهديد ولا تبادلها أيضا النهج الخاص بالتدخل في شؤونها كما تفعل هي”، مؤكدا أنه ليس من الضروري وليس من الحكمة أن يكون لدول الخليج دور فيما يحدث في إيران أو تعمل على توظيفه، والاكتفاء بالتعامل معه على أنه شأن إيراني بحت، مستدركا في الوقت ذاته أن هذا لا يمنع أن إيران ستظل التهديد الأكبر لأمن الخليج.
كما شدد عبد الله على أن قضايا المنطقة وعلى رأسها الأزمة اليمنية وما يجري في لبنان ، وكذلك ما يحدث في العراق وسوريا ، سيتأثر حتما بنتائج ما يحدث في الداخل الإيراني.
ما بين واقع وآمال
في مقابل الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، لا يعول المحلل السعودي نعيم الحربي على الاحتجاجات الراهنة في التأثير على قوة النظام الحالي في إيران ومن ثم الإطاحة به.
ويقول الحربي الذي تحدث لـ” مصر 360″، إن الحديث عن مقارنة ما يحدث حاليا، بما حدث في السابق واسقط نظام الشاه، غير دقيق، لافتا إلى اختلافات جوهرية في هذا الصدد.
ويوضح الحربي أن أول تلك الاختلافات تتمثل في أن الجيش إبان الاحتجاجات التي أطاحت بالشاه، كان محايدا، على عكس ما يحدث حاليا فالجيش منخرط في مواجهة المحتجين، وليس الجيش وحده بل أيضا الحرس الثوري، مؤكدا ان النظام أصبح متمرسا في قمع التظاهرات.
الاختلاف الثاني بين الاحتجاجات التي اسقطت الشاه، والاحتجاجات الحالية من وجهة نظر الحربي، يتمثل في توحد المعارضة من يسارها إلى يمينها وهو غير متحقق بدرجة كبيرة حاليا.
كما يرى الحربي أن الدور الخارجي الضاغط في الفترة الراهنة، غير كاف، مشيرا إلى أن الدور الغربي في الوقت الراهن أصبح ظاهرة صوتية فقط، ولم يعد معني سوى بالاتفاق باتمام الاتفاق النووي فقط.
ويؤكد المحلل السياسي السعودي أن الخطر الأكبر الذي يهدد منطقة الخليج، لن يكون نتاج ما يحدث في إيران في الوقت الحالي، وإنما توصلها لاتفاق نووي مع الإدارة الأمريكية يسمح لها بالوصول إلى أموال ضخمة يجعلها تدعم أذرعها في المنطقة وتزيد من قوتها.
كما لفت الحربي إلى أن التأثير الخارجي لما يحدث في إيران، حاليا سيكون بدرجة أكبر في الدول التي تنشط فيها أذرعه، مؤكدا أنه كلما ضعف النظام على المستوى الداخلي سيتغول على المستوى الخارجي، وسيكون أكثر شراسة، وهو ما بدا واضحا في الضربات العسكرية العنيفة، التي شنها الحرس الثوري على كردستان العراق، التي قصفها بـ73 قذيفة.
قضايا المنطقة
من جانبه يتفق مدير المركز الوطني للدراسات، المصري هاني الأعصر، مع الحربي بشأن التداعيات التي سيخلفها تجاوز النظام الإيراني لأزمته الراهنة، بالقول خلال حديث لـ “مصر360″، “إن النظام الإيراني حال تجاوز تلك الأزمة سيخرج منها أكثر حدة تجاه الأطراف المعادية والمخالفة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي”، مؤكدا أنه سيكون على دول الخليج احتواء طهران، عبر مواصلة الإجراءات التي بدأتها، قبل تلك الاحتجاجات، والتي كان منها بينها عودة السفير الإماراتي إلى طهران، وكذلك مواصلة السعودية لقاءات بغداد التي جاءت بواسطة عراقية.
ويؤكد الأعصر أن قضايا المنطقة سيتصبح أوراق ضغط متبادلة، فعلى سبيل المثال، الأزمة اليمينة، قائلا: “إذا صعد الغرب سواء في مفاوضات الاتفاق النووي أو في دعم المعارضين، وقتها قد تصعد إيران على صعيد الأزمة اليمنية وقد تعوق استمرار الهدنة”.
تأثيرات ممتدة
الحديث عن تأثيرات الاحتجاجات التي تشهدها إيران حاليا، سيكون ممتدا، حتى إذا نجحت السلطات هناك في قمع التظاهرات، وإنهائها قريبا، وهو مايراه، مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية “في لندن” على نوري زادة، مؤكدا أنه “ربما سينجح النظام في قمع الاحتجاجات كما حدث في الاحتجاجات السابقة”، لكنه شدد على أن تلك الاحتجاجات ستعود بعد فترة وجيزة”.
ويرى زاده في حديث لـ”مصر360″ أنه “من المبكر الحديث عن أن هذه الاحتجاجات قد تؤدي لسقوط النظام”،مشيرا في الوقت ذاته إلى أن النظام الإيراني يعيش أسوأ أيامه، خاصة أن على خامنئي مريض وموضوع خلافته يمثل مشكلة وأزمة عميقة في إيران”.