تمثل هدنة الشهرين وإعادة تشكيل السلطات التنفيذية في حكومة اليمن المعترف بها دولياً فرصة. إن لم يكن من أجل السلام فعلى الأقل لإجراء مفاوضات تهدف إلى تحقيقه. إلا أن الوصول إلى المفاوضات سيتطلب التغلب على عقبة يرى كثيرون ألا سبيل إلى تذليلها. وهي الحوار مع المتمردين الحوثيين.
هكذا ذكر تقرير لمجموعة الأزمات الدولية تم نشره على موقعها في 29 أبريل المنصرم. وأضاف التقرير أن الحوثيين يبقون لغزاً للكثير من غير اليمنيين. لكنهم أساسيون في التوصل إلى حل تفاوضي.
فحتى الآن لم يظهروا علامات تذكر على أنهم سيقدمون التنازلات الضرورية لإنهاء الحرب في اليمن. لكن فرص نجاح الجهود الرامية إلى الحوار معهم أكبر من فرص فرض المزيد من العزلة عليهم لإقناعهم بتقديم تلك التنازلات.
وركز التقرير على أن الدبلوماسيين سيحتاجون إلى “العصا والجزرة” معاً لإقناع الحوثيين بالانخراط في الحوار. وينبغي على الجهات المعنية الدولية تشكيل مجموعة عمل للتواصل مع صنعاء والتحضير لمفاوضات يمنية-يمنية شاملة لرسم مسار الخروج من الصراع.
نافذة صغيرة على الأزمة اليمنية
وقال التقرير إنه عاصفة من الأحداث فتحت نافذة لفرصة صغيرة إن لم يكن من أجل تحقيق السلام فللتحول من التنافس العنيف إلى المفاوضات السياسية في اليمن.
وتشكل اللحظة الراهنة اختباراً لفرضيتين بشأن المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية منذ عام 2014.
الفرضية الأولى التي قدمها خصومهم تقول إن الجماعة عبارة عن تنظيم متطرف تابع لإيران وغير قادر على الانخراط بنيّة طيبة. ناهيك بتقديم التنازلات المطلوبة لإنهاء الحرب.
أما الفرضية الثانية فتقول إن الحوثيين (الذين يُعرفون أيضاً بأنصار الله) سيتوجهون إلى طاولة المفاوضات إذا قُدم لهم المزيج المناسب من الحوافز والمقترحات الواقعية لتحقيق السلام. على الأقل لمنح أنفسهم استراحة من القتال والحرمان الاقتصادي.
في كل الأحوال فإن الحقيقة هي أن الحرب لن تنتهي دون موافقة الحوثيين. وبوجود هدنة تشمل البلاد بأسرها ينبغي على الدبلوماسيين التواصل مع الحوثيين للحصول على موافقتهم على تمديد الهدنة والمشاركة في مفاوضات يمنية-يمنية شاملة تهدف لوضع حدٍ للصراع المريع المستمر منذ سبع سنوات.
وقد أعلنت الأمم المتحدة أنها كانت قد توسطت للتوصل إلى الهدنة في 1 نيسان/أبريل بعد أن أوصلت التحولات الجارية على الأرض المواجهة العسكرية إلى ما يشبه التوازن للمرة الأولى منذ سنوات.
إزاحة هادي عن اليمن
وبعد أقل من أسبوع رتبت المملكة العربية السعودية تنحية الرئيس اليمني المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي. الذي كان قد تحول على مدى مسار الصراع من حاضن لشرعية الدولة إلى عقبة تحول في الوقت نفسه دون متابعة الحرب وأيضاً دون إيجاد السبل المفضية إلى السلام.
استبدال هادي بمجلس رئاسي يتكون جزئياً من قادة بارزين ضالعين في محاربة الحوثيين. إضافة إلى نخب سياسية مقربة من الرياض وأبو ظبي. قدم للحوثيين تأكيداً للنفوذ السعودي على الحكومة. وأيضاً نظيراً تفاوضياً أكثر مصداقية. مع سعي الأمم المتحدة لترجمة الهدنة إلى حوار بشأن إنهاء الحرب.
بعد أيام من تعيين المجلس زار مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبيرغ صنعاء في محاولة لتمديد الهدنة وتحضير الأرضية للمفاوضات السياسية.
في وقت سابق من 2022 كان الحوثيون قد احتلوا عناوين الأخبار بإعلان مسؤوليتهم عن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات العربية المتحدة رداً على المكاسب التي حققتها القوات المعادية للحوثيين والمدعومة إماراتياً في ميدان المعركة.
وشكلت الضربات تذكيراً بأنه، وبعد سقوط أكثر من 100,000 قتيل، فإن الحرب ما تزال تشكل تهديداً لحياة ملايين الناس داخل اليمن وأيضاً لاستقرار منطقة الخليج.
كما أنها أعادت إثارة نقاش بشأن طبيعة التيار الحوثي.
فخصوم الحوثيين -بحسب التقرير- يقولون إن التيار وكيل لإيران يقوده رجال الدين ويحكم من خلال الخوف وإن لديه تطلعات توسعية.
أما الحوثيون فيصورون أنفسهم على أنهم ثوريين ومستضعفين شجعان يقاومون حرباً عدوانية سعودية. ويدّعون أنهم صادقون في جهودهم لإنهاء الحرب وأنهم طرحوا شروطهم بوضوح. لكن المقترحات المقابلة التي يتقدم بها خصومهم غير واقعية.
أين يقف الحوثيون بالضبط في أزمة اليمن؟
لا تقدم أي من السرديتين صورة كاملة للحوثيين أو للحياة في المناطق التي يسيطرون عليها.
يروي الحوثيون قصة لثورة ذات نوايا ديمقراطية أحبطتها الضربات الجوية التي تقودها السعودية والحرب القائمة على الحصار.
لكن حرب اليمن حرب أهلية أولاً وقبل كل شيء. فالحوثيون لا يذكرون أن الكثير من اليمنيين ليسوا إلى جانبهم. وأن أولئك الذين يقاتلون ضدهم على الأرض يقاومون حكمهم وليسوا مجرد بنادق مستأجرة.
خصوم الحوثيين، من جهتهم، يقولون إن الجماعة عازمة على تأسيس نظام سياسي طبقي يحكمه رجال الدين. ويشيرون إلى هجمات الحوثيين على المناطق المأهولة بالسكان وإلى تكتيكات الدولة البوليسية التي يستخدمونها كأمثلة على تطرفهم.
لكنهم يقللون من شأن الخسائر البشرية للحرب في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وتجاوزات القادة المحليين في المناطق الخاضعة للسيطرة الاسمية للحكومة.
أما داعموهم المتمثلون في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فيركزون على هجمات الحوثيين العابرة للحدود. ويطالبون بأن تساعدهم الولايات المتحدة على وضع حد للتهديد الحوثي (والإيراني، كما يقولون) لأمن الخليج.
لكنهم يسعون أيضاً للحصول على تبرئة من المذابح التي تسبب فيها قصفهم.
مكاسب الحوثيين الأخيرة –وخسائرهم– على الأرض، وهجماتهم الأخيرة على الإمارات والسعودية، والهدنة، والاندفاع نحو التوصل إلى تسوية سياسية شحنت الأسئلة المتعلقة بهوية الحوثيين وما يريدونه وكيفية إحضارهم إلى طاولة المفاوضات بدرجة متجددة من الإلحاح.
بالنسبة للبعض يتمثل الجواب في عزلهم والضغط عليهم عسكرياً واقتصادياً.
أما بالنسبة لآخرين فيتمثل في إيجاد الحوافز المناسبة لإخراجهم من عزلتهم. على سبيل المثال بتلبية مطالب الحوثيين القديمة برفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر وإعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية.
روشتة علاج أزمة اليمن
ينبغي على الجهود الرامية لإنهاء الحرب -بحسب التقرير- أن تعالج أربعة اعتبارات رئيسية ترتبط بالحوثيين.
الأول يتمثل في حقيقة أنهم يكسبون في الحرب الرامية إلى السيطرة على المرتفعات الشمالية في اليمن وأنهم ما يزالون القوة المهيمنة في المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد. بما في ذلك صنعاء.
والاعتبار الثاني هو أن المخاطرة في حدوث المزيد من الضربات الحوثية للسعودية والإمارات. والتهديد الذي تتعرض له التجارة البحرية حول اليمن. ستبقى ماثلة طالما ظلت الحرب مستمرة.
والاعتبار الثالث هو أنه حتى لو كانت الحرب صراعاً متعدد الأطراف يمكن إنهاؤه من خلال عملية سلام أوسع وحسب. فإنه لا يمكن إنهاء الحرب دون التوصل إلى تفاهم بين السعودية والحوثيين. حيث إن السعودية لا تقبل بتسوية تترك للتنظيم السيطرة المطلقة. وأن يظل متحالفاً على نحو وثيق مع إيران ومسلحاً بأسلحة متوسطة وطويلة المدى.
العامل الرابع والأخير هو أن خصوم الحوثيين المحليين يرفضون فكرة العيش في دولة يهيمن عليها الحوثيون. وفي كثير من الحالات تعهدوا بالاستمرار في القتال حال لم تعالج التسوية هواجسهم.
حتى أكثر اليمنيين تشدداً في معاداة الحوثيين يدركون أنه قريباً قد لا يكون أمامهم خيار سوى التوصل إلى نوع من التسوية معهم تحافظ على الوضع القائم. بالنظر إلى أنه من المفهوم على نطاق واسع أن الرياض عازمة على إيجاد مخرج من الصراع.
لكن في غياب تحول في التكتيكات العسكرية والسياسية للحوثيين فإن كثيرين في هذا المعسكر يتوقعون أنه بدلاً من أن يفضي التوصل إلى نوع من التسوية المؤقتة إلى عملية سلام فإنه لن يتعدى كونه مقدمة إلى مرحلة جديدة من الحرب.
ويختم التقرير بنتيجة مفادها أن “نهاية المرحلة الراهنة من الحرب قد تكون في المتناول. لكن ليس بالضرورة نهاية الحرب الأهلية في اليمن”.