مما لا شك فيه أن أزمتي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية كشفتا عن هشاشة وضعف وضع الطاقة ومواردها على مستوى العالم. ورغم أن منطقة الشرق الأوسط تعتبر موردا رئيسيا لاحتياجات أوروبا من الطاقة وتلعب دورًا حيويًا في السوق العالمية فإنها لم تكن منعزلة عن الأزمة الراهنة. وذلك لأسباب تتعلق بترهل الأنظمة السياسية وسوء مستوى الحوكمة وإدارة الموارد وغياب مرونة أنظمة الطاقة.
لقد تزايد الاهتمام بهذا الملف اليوم وصارت سبل توفير الطاقة شاغلا أساسيا للدول. وانعكس ذلك على خارطة السياسة الخارجية أيضا .
المفارقة
مع ارتفاع أسعار الديزل إلى مستويات قياسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا فإن تحقيق أمن الطاقة في دول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن يتطلب جهودا مضاعفة. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية قد تصبح تكلفة الديزل سببًا للاضطرابات السياسية والاجتماعية.
وفي حين شكلت منطقة الشرق الأوسط المقصد الأول أمام دول أوروبا والولايات المتحدة في تغطية العجز الناجم عن سياسة الغاز الروسية فى ظل حالة من تبادل الضغوط بين روسيا والغرب فإن أغلب دول الشرق الأوسط تعاني من هذه الأزمة.
حسب البنك الدولى لا تزال أفريقيا أقل مناطق العالم حصولاً على خدمات الكهرباء، يفتقر 568 مليون شخص إلى الكهرباء. في حين شهدت معظم مناطق العالم الأخرى انخفاضاً في نسبتها من العجز في إمكانية الحصول على الكهرباء.
أسباب الأزمة
يمكن تشريح أزمة الطاقة في الشرق الأوسط في الدول الأكثر تضررا بشرح أسباب أمنية وسياسية تقف وراءها. بالإضافة إلى نظم الطاقة ومواردها المحدودة في بعض البلدان.
السياسة والأمن
لبنان:
ترجع أزمة الطاقة بشكل رئيسي في لبنان إلى أنه يعتمد بصورة كلية على واردات الوقود. بجانب عجز الدولة عن سداد ديونها. إذ بلغت ديون قطاع الكهرباء اللبناني نحو 40 مليار دولار. وذلك من إجمالي الدين العام للدولة في 2020. إلى جانب البنية التحتية القديمة.
كما تعتبر البدائل ذات تكلفة عالية. حيث اتجه اللبنانيون إلى اعتماد أنظمة الطاقة الشمسية على نطاق واسع عن طريق تركيب نظام الألواح الشمسية. وتبلغ تكلفة الوحدة 3 آلاف دولار.
ويشهد لبنان انقطاع الكهرباء أكثر من 20 ساعة يوميًا. حيث جرت الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار الماضي على أضواء الهاتف المحمول.
وتمثل لبنان الدولة الأكثر تعرضا لأزمة الطاقة في المنطقة. كما يعمقها الوضع الداخلي. من مشكلات النظام السياسي المبنى على الطائفية وما ينتجه من تناحر الأحزاب السياسية على السلطة.
وتفاقمت الأزمة مع تدهور الوضع الاقتصادي بعد انهيار الليرة. فيما يعاني اللبنانيون حاليًا ارتفاع أسعار الكهرباء مع تجاوز المعدلات الشهرية متوسط الراتب لكثير من اللبنانيين.
العراق:
يعتبر شهر الصيف موعد خروج الاحتجاجات المناهضة للحكومة بسبب نقص الطاقة منذ عام 2015 في العراق. وشهد أغسطس/آب الماضي اقتحام متظاهرين لمحطات الكهرباء في العاصمة بغداد بسبب انقطاع الكهرباء باستمرار لساعات طويلة يوميا.
وتحمل أزمة الطاقة تعقيدات كبيرة في العراق باعتبارها دولة غنية بالنفط.
ومن بين أسباب الأزمة قطع إيران الإمدادات من الغاز وأيضا تقليص إمدادات الغاز الوطني بنسبة 50% بسبب التدهور المناخي.
وعلى مدار الأشهر الماضية تعرضت محطات كهرباء في العراق (70 برجا لخطوط الضغط العالي) لهجمات تخريبية. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أكدت لجنة برلمانية مكلفة بالتحقيق في أزمة قطاع الكهرباء أنه تم إنفاق 81 مليار دولار على القطاع منذ 2005. إلا أنه لم يطرأ أي تحسن بسبب الفساد. كما فقدت شبكة نقل الكهرباء ما بين 40 إلى 50% من طاقتها لأسباب تقنية. منها تلف المعدات أو ضعف أدائها أو قِدمها.
ويشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية لعام 2019 إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميجاوات. ولكنه غير قادر على توليد سوى النصف رغم أنه خامس أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم ويبلغ 140 مليار برميل.
ليبيا:
شهدت ليبيا مظاهرات في الأول من يوليو/تموز الماضي. احتجاجا على أزمة الكهرباء. حيث تتعرض حقول النفط إلى إغلاق نتاج الصراع المسلح. وبالتالي فقدت البلاد 550 ألف برميل نفط يوميا.
ويبلغ عجز الطاقة الكهربائية خلال الشتاء 1000 ميجاوات. فيما يصل إلى 2500 ميجاوات خلال الصيف. حيث تنتج الشركة الوطنية 5500 ميجاوات. بينما حاجة البلاد تقدر بـ6500 ميجاوات تصل إلى 8000 ميجاوات خلال شهور الصيف.
وكشف ديوان المحاسبة عن عام 2020، أن الشركة العامة للكهرباء أنفقت نحو 3.8 مليار دينار ليبي على مشروعات الإنتاج خلال السنوات السابقة. وذلك دون دخول أي إضافة على وحدات الإنتاج.
وترتبط مشكلات شركة الكهرباء بالصراع السياسي على السلطة بين معسكرين في الشرق والغرب. فضلا عن تداعيات الحروب التي شهدتها البلاد منذ 2011 وضعف الاستثمارات في الطاقات المتجددة. وفرار الشركات الأجنبية بسبب الوضع الأمني وسرقة محولات كهربائية. وهو ما يبرر مشكلات التوليد في المنطقة الغربية.
يشار إلى أن البلاد قادرة على الوصول بالإنتاجية إلى 3 ملايين برميل يوميا. كما تعد ليبيا ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في أفريقيا بإجمالي احتياطي يقدر بأكثر من 48 مليار برميل واحتياطات غاز طبيعي 55 تريليون قدم مكعب.
التغير المناخي
في 2021 تجاوزت درجات الحرارة في العديد من دول الشرق الأوسط في فصل الصيف 122 درجة فهرنهايت -50 درجة مئوية. ففي العراق بلغت الحرارة 125.2 درجة. وأدت عقود من إهمال أهداف المناخ والضغط على الموارد الطبيعية إلى زيادة حدة التغير المناخي. كما تبين في موجات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة. ما يضع أعباء مضاعفة أمام الحكومات التي تعاني التدهور الاقتصادي لأجل شراء الوقود اللازم لتوليد الطاقة.
الخليج: عوامل أخرى
تمتلك منطقة الخليج ما يقرب من 30% من إجمالي احتياطات النفط في العالم ونحو 20% من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي. ويعتبر الاقتصاد الخليجي رقم 13 عالميا بناتج 1.64 تريليون دولار.
وظلت المنطقة تعتمد على الاقتصاد النفطي لفترات طويلة. أي جزء كبير من ميزانية الدولة يحكمه عدم اليقين بسبب اضطرابات سوق الطاقة. حيث واجهت دول مجلس التعاون الخليجي أزمات متتالية كما في الفترة بين يوليو/تموز 2014 وفبراير/شباط 2016. كذلك هوى سعر نفط برنت إلى 50.5 دولار في أوقات الجائحة.
مع التعافي الاقتصادي شهدت أسعار الطاقة ارتفاعا قياسيا منذ أواخر سبتمبر/أيلول العام الماضي. وبفعل الحرب الروسية الأوكرانية. شهد العالم تسارع إنتاج الطاقة. ما أوقع مجموعة أوبك في ضغوط جيوسياسية بين المعسكرين الشرقي والغربي. حيث شهدت المنظمة ضغوطا لزيادة الإنتاج بما لا يتناسب مع التزاماتها في أوبك بلس “دول الأوبك زائد روسيا”. وارتفعت أسعار النفط إلى ما يزيد على 120 دولارا للبرميل. ولكن حاليا هبطت الأسعار إلى 91 دولارا لبرميل خام برنت.
وإلى جانب الجائحة والحرب الروسية تواجه الدول النفطية أزمة نتيجة تزايد الطلب المحلي بفعل التوسع الصناعي والتجاري. وعدم الاهتمام الكافي بحجم إمكانات الطاقة المتجددة. واضطراب سوق الطاقة والتهديدات الإرهابية والسيبرانية لمصافي النفط.
وبحكم الأهداف المناخية والتحول إلى الاقتصاد الأخضر تقع منطقة الخليج أمام عائق ضرورة تخفيف إنتاج الوقود الأحفوري لتقليل انبعاثات الكربون. في ظل التوصيات الدولية بضرورة وقف الاستثمار في الطاقة التقليدية. وقد انخفض الاستثمار في نشاط التنقيب عن النفط من نحو 400 مليار دولار في عام 2020 إلى النصف في عام 2021.
مصر
تحتل مصر المركز رقم 14 عالميا والخامس إقليميا والثاني إفريقيا في إنتاج الغاز.
وبلغ حجم الإنتاج في عام 2020/2021 إلى 66.2 مليار متر مكعب. وذلك بفضل حقل ظهر الذي يقدر باحتياطي نحو 30 تريليون قدم مكعب غاز.
وتضع مصر هدفا أن تكون مركزا إقليميا للطاقة. فيما تعزز البنية التحتية للطاقة في مصر مكانتها كمركز للطاقة من خلال محطتي تسييل الغاز في إدكو ودمياط. وتشمل البنية التحتية الإضافية 19 محطة بترولية على طول البحر الأبيض المتوسط وخليج السويس.
كما تولي مصر اهتماما كبيرا بمصادر الطاقة المتجددة عملا بأهداف المناخ. وستستضيف قمة المناخ “كوب 27” في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتستهدف مصر الحصول على 20% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بنهاية العام. و42% بحلول عام 2035.
ومن أهم المشاريع المصرية في مجال الطاقة مجمع بنبان للطاقة الشمسية ومحطة كوم أمبو وتوليد طاقة الرياح من خلال مزارع الرياح في الزعفرانة وجبل الزيت والغردقة.
بالمقابل تواجه مصر تحديات في قطاع الطاقة. فلا تزال شبكات النقل والتوزيع القديمة تسبب الانقطاعات. ما دفع الحكومة إلى استثمار 25 مليار جنيه مصري (1.6 مليار دولار أمريكي) بين عامي 2019 و2020 لتحديث الشبكة الوطنية عبر زيادة خطوط النقل واستبدال الكابلات الأرضية بالخطوط الهوائية ومد الخطوط إلى مناطق جديدة.
المستقبل
وفي ظل أهداف التنمية المستدامة وما كشفته أزمة الحرب الروسية من خطورة الاعتماد على مصادر محددة في تحقيق أمن الطاقة. بجانب المخاوف بشأن التغير المناخي. فمن المتوقع أن تتوسع المنطقة في استثمارات الطاقة المتجددة. حيث تتوقع شركة سيمنس أن تصبح منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا مركزًا عالميًا للطاقة المستدامة -مع ضرورة التوسع في التشريعات الخاصة بها وزيادة الاستثمارات الموجهة للقطاع. حيث تسجل منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا 26% على مؤشر جاهزية تطور هذا القطاع.
كما تمهد وفرة احتياطيات الغاز الطبيعي الطريق أمام دول الشرق الأوسط لقيادة مشاريع الهيدروجين. على غرار مشروع نيوم للهيدروجين في السعودية. وتحالف أبوظبي للهيدروجين واتفاقية الهيدروجين بين السعودية وألمانيا والاتفاقية الإماراتية اليابانية.
ويشير البنك الدولى إلى ارتفاع نسبة سكان العالم الذين يحصلون على الكهرباء من 83% في عام 2010 إلى 91% في عام 2020. وانخفض عدد من لا يستطيعون الحصول على الكهرباء من 1.2 مليار شخص في عام 2010 إلى 733 مليون شخص في عام 2020.