للمرة الأولى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، يستعد زعماء العالم للاجتماع يوم 19 سبتمبر/ أيلول الجاري في نيويورك للمشاركة في الدورة السنوية رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة. الحرب سيطرت على الدبلوماسية طوال العام. أمام أكبر تحد لمبادئ المنظمة الدولية، منذ غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.
حتى قبل فبراير/ شباط الماضي، كانت الأمم المتحدة تكافح وسط المنافسة المتزايدة بين القوى العظمى، وتطور التهديدات للسلام والأمن، فقط ضاعفت الحرب في أوكرانيا العديد من التحديات التي تواجهها. لذلك، قد تكون أوكرانيا على رأس جدول الأعمال خلال أسبوع الجمعية العامة. لكن العمل على مسائل أخرى يتطلب الاهتمام أيضًا من الفاعلين الدوليين.
تشير إحاطة خاصة، قدمها خبراء مجموعة الأزمات/ Crises Group. تتناول عشرة تحديات أمام المنظمة الدولية خلال الدورة الجديدة. إلى أنه على الرغم من أن نظام الأمم المتحدة “ربما أظهر مرونة غير متوقعة في عام 2022، إلا أنه أظهر أيضًا نقاط ضعف شديدة ومتفاقمة”.
يقول الخبراء: “بينما ركز الدبلوماسيون في نيويورك على أوكرانيا. كافحت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، للتعامل مع العنف المتصاعد وتدهور السياسة. تتعرض الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لضغوط هائلة، وتحاول الاستجابة لحالات الطوارئ، مثل الانهيار الاقتصادي في أفغانستان. بينما تتعامل أيضًا مع التحديات طويلة الأمد، مثل مساعدة المدنيين في شمال غرب سوريا بالمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة.
اقرأ أيضا: كيف استفاد أردوغان من فشل روسيا في أوكرانيا؟
وأضافوا: من المرجح أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي العالمي، والتخفيضات المحتملة في مخصصات المساعدات الغربية في ضوء حرب أوكرانيا. على ميزانيات الأمم المتحدة في السنوات المقبلة، وربما يدفع أيضًا الدول الفقيرة إلى ركود عميق.
وبدلاً من التطلع إلى إصلاحات جذرية غير قابلة للتحقيق، يجب على الأمم المتحدة -والدول الأعضاء فيها- التركيز على كل من تطبيق نقاط قوة المنظمة على الأزمات المعقدة. ودراسة قدراتها الخاصة للنظر في كيفية تحسينها. في ضوء التهديدات الناشئة.
دعوات غير مثمرة
يرى خبراء مجموعة الأزمات أنه مع تشتت الانتباه والانقسام بين أعضاء المنظمة الدولية، قد يبدو ذلك مهمة صعبة. ولكن، على الرغم من أوجه القصور فيها “فإن الأمم المتحدة، غالبًا، الفاعل الوحيد الذي يمتلك المال والتفويض والملف السياسي الذي يحظى بفرصة للنجاح. سواء كان ذلك من خلال المساعي الحميدة لوكالاتها، أو من خلال تنسيق جهود الدول الأعضاء. لتبديد فكرة التكتل، على غرار الحرب الباردة.
على ذكر الحرب الباردة، يجب الإشارة إلى أن الأزمة الدولية الأشد تعقيدا هذه الأيام، الغزو الروسي لأوكرانيا. طرفها البادئ هو أحد أعضاء مجلس الأمن الذين يتمتعون بحق النقض -الفيتو- ولهذا، لم تكن الأمم المتحدة قادرة على اتخاذ رد قوي على العدوان الروسي الجديد.
ففي الأسابيع الأولى من الغزو، كانت معظم الدول الأعضاء على استعداد للتنديد -رغم أن البعض مثل الصين والهند تراجعوا- ولكن كانت هناك حدود لما يمكنهم فعله. منعت روسيا اتخاذ إجراء ذي مغزى في مجلس الأمن، وبينما أصدرت الجمعية العامة سلسلة من قرارات الإدانة، لم يكن لهذه القرارات سوى عواقب متواضعة في العالم الحقيقي.
توضح مجموعة الأزمات أن “الدعوات للتغيير مفهومة، ولكن من غير المرجح أن تكون مثمرة”. حيث تتطلب أنواع الإصلاحات المطلوبة مواءمة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وهو أمر غير واقعي، ويفشل في إعطاء وزن كافٍ لما أظهره الصراع حول نقاط القوة الدائمة للأمم المتحدة”.
لكن، يبدو أنه لا زالت هناك مراعاة لوجود كيان عالمي مشترك. فقد برز الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش. كواحد من الدبلوماسيين القادرين على التحاور بشكل بناء مع موسكو وكييف، للسماح لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود. كما أشارت كل من روسيا والولايات المتحدة ودول أخرى في مجلس الأمن، إلى أنه على الرغم من الانقسام العميق حول أوكرانيا، إلا أنهم لا يزالون على استعداد للعمل من خلال المنظمة بشأن بعض الأزمات الأخرى على الأقل.
تحديات للأمم المتحدة
بعد أن زار الأمين العام موسكو وكييف في إبريل/ نيسان. شرع في رحلة مؤجلة إلى منطقة الساحل، لتسليط الضوء على تدهور الوضع الأمني في المنطقة. رأى الخبراء أن خط سير رحلته، يعكس محاولة مواجهة معضلة أساسية للأمم المتحدة: كيفية إيلاء الاهتمام المناسب للأزمات خارج أوروبا وسط التركيز الساحق على أوكرانيا.
على الرغم من أن مجلس الأمن لم يتوقف عن العمل منذ 24 فبراير/ شباط (بدء الحرب الأوكرانية)، إلا أن الدبلوماسيين يعترفون بأنهم لم يتجاهلوا الأمور الملحة الأخرى. ترى مجموعة الأزمات أن هذا “أمر مؤسف بشكل خاص، لأنه في حين أن الأمم المتحدة لا تستطيع سوى إحراز تقدم محدود في التخفيف من أزمة أوكرانيا. فإن أدواتها – قوات حفظ السلام، والمساعدات الإنسانية، والمبعوثين- لديها إمكانات أكبر للتأثير في العديد من الأماكن الأخرى.
لذلك، تضم قائمة الأمم المتحدة في الأشهر المقبلة بعض المخاطر والفرص المستقبلية. من حيث إدارة الأزمات الإقليمية، وزيادة مجموعة أدوات المنظمة، ومعالجة القضايا المدرجة -أو التي ينبغي أن تكون- على جدول أعمال مجلس الأمن. وفق ما رأى خبراء مجموعة الأزمات.
اقرأ أيضا: محاولات سحب البساط.. صراع النفوذ “القطري-الإماراتي” في أفغانستان
الاستقرار في مالي
من بين جميع الأزمات المدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة -باستثناء أوكرانيا- فإن الوضع في مالي قد يجسد مجموعة المشاكل التي تعصف بالمنظمة. من المناورة الجيوسياسية إلى حدود حفظ السلام. شهدت البلاد خلال الأشهر الـ 24 الماضية انقلابين، وانتهاء عملية فرنسية طويلة الأمد لمكافحة الإرهاب، وسط ضربات جهادية تقترب من العاصمة باماكو.
تقول الإحاطة: بعد الانقلاب الأخير، أصبحت باماكو معادية، بشكل متزايد، تجاه الجهات الفاعلة الأوروبية، وغيرها من الجهات الغربية. وكذلك بعض جيرانها في غرب إفريقيا، الذين فرضوا عقوبات تتعلق بالانقلاب. كما رحبوا بالقوات الروسية والمدربين العسكريين.
أدت هذه التطورات معًا إلى مغادرة عملية برخان -عملية فرنسية لمكافحة التمرد في الساحل الأفريقي- المتسارعة، وتعليق برنامجين بقيادة الاتحاد الأوروبي لتدريب قوات الأمن المالية. هذه التطورات بدورها كان لها عواقب وخيمة على بعثة الأمم المتحدة.
في ظل هذه الخلفية، وجدت مينوسما -بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي- والتي كانت تكافح بالفعل منذ سنوات، وعانت من وفيات أكثر من أي بعثة أخرى تابعة للأمم المتحدة. صعوبة متزايدة في تنفيذ المهام الموكلة إليها.
إنعاش أفغانستان
يرى الخبراء أن المنظمات الدولية، الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمانحون الرئيسيون لأفغانستان. يجب عليهم التشاور مع طالبان، لتطوير خطة أكثر وضوحًا للتنمية الاقتصادية تحظى بقبول سلطات الأمر الواقع.
يقولون: هذه المهمة ملحة، لأن التبرعات الإنسانية ليست مستدامة ولا كافية لمواجهة تحديات البلاد. ويحذر عمال الإغاثة من أن انعدام الأمن الغذائي والوفيات بسبب الجوع، سترتفع مرة أخرى مع حلول فصل الشتاء. لذلك، مطلوب خطة للاكتفاء الذاتي الأفغاني، وبناء المشاريع غير المكتملة التي تم التخلي عنها في عام 2021.
وأضافوا: يجب أن تركز الخطة، في البداية، على استئناف جهود التنمية التي تم تصورها وتمويلها قبل استيلاء طالبان على السلطة. وإضافة عناصرها الأخرى بحذر، مع الاهتمام بمبادئ المساواة والإدماج. حتى تحصل النساء والأقليات والفئات المحرومة الأخرى على نصيبها العادل.
وأكدوا أن الدول المانحة لا تحتاج إلى الحصول على موافقة طالبان على هذه الخطة “لكنها ستحتاج إلى تنحية الاعتراضات جانبًا على المشاريع التي من شأنها مساعدة الدولة -التي تسيطر عليها طالبان- في تقديم الخدمات للأفغان الذين يعانون”.
اقرأ أيضا: مساعدة بلينكن للشرق الأدنى: قلقون من الأوضاع الأمنية بالضفة.. لا نقدم أي توجيه أو رأي بشأن قائد بعينه في العراق
ترسيخ الهدنة في اليمن
مع انتهاء التمديد الحالي للهدنة في 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، يحاول كلا الجانبين المتصارعين في اليمن أن يضع شروطًا مسبقة لأي تجديد آخر. حيث يتوقع أن يكافح هانز جروندبرج، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن منذ عام 2021، للحفاظ على توقف الأعمال العدائية. وقد أصبحت وظيفته أكثر صعوبة بسبب عاملين إضافيين. وفق تقدير مجموعة الأزمات.
الأول، هو تحول ميزان القوى بين الفصائل المناهضة للحوثيين.
بعد وقت قصير من بدء الهدنة في إبريل/ نيسان، هندست الرياض الإطاحة بعبد ربه منصور هادي -الرئيس المعترف به دوليًا في ذلك الوقت- ورتبت لمجلس رئاسي اختاره مسئولون سعوديون وإماراتيون ليحل محله.
قام المجلس بسلسلة من التعيينات العسكرية والمدنية، التي أثارت التوترات بين الخصوم في المعسكر المناهض للحوثيين. ولم تتمكن من منع القتال بين القوات المتحالفة -اسميا- وقد أدى الاقتتال الداخلي في المعسكر المناهض للحوثيين، إلى تحويل انتباه المجلس الرئاسي عن المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في لحظة حاسمة.
العامل الثاني، هو اعتماد الأمم المتحدة على قناة خلفية سعودية-حوثية، ليس لها تأثير يذكر عليها، للحفاظ على الهدنة وتوسيعها.
كانت المحادثات الحوثية السعودية -والضغط الأمريكي على الرياض للخروج من الحرب- عاملاً حاسماً في وقف إطلاق النار. الهدف الأساسي للرياض في هذه المرحلة هو انتزاع ضمانات من الحوثيين بأنهم لن يشنوا المزيد من الهجمات في المملكة أو على طول حدودها الجنوبية. “ونظرًا لأن الرياض تتمتع بنفوذ كبير في المجلس الرئاسي، فهي في وضع يمكنها من فرض توسيع هدنة من النوع الذي يسعى إليه جروندبرج وربما حتى تسوية سياسية، إذا كان يعتقد أن هذه الضمانات وشيكة”.
لكن “أي محاولة لفرض صفقة حوثية- سعودية مسبقة الصنع على فصائل يمنية أخرى، دون أن تعكس مدخلاتهم ومصالحهم. يمكن أن تقوض الجهود المبذولة لإنهاء الحرب بدلاً من دفعها، حيث أن العديد من هذه الجماعات لديها أجنداتها الخاصة. التي من المحتمل ألا تؤدي إلى مثل هذا الاتفاق.
استعادة الثقة في الكونغو
تواجه بعثة منظمة الأمم المتحدة لحفظ السلام وتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، منذ عقدين من الزمن. حالة من انعدام الأمن المتزايد، والتي تفاقمت بسبب المناورات السياسية الوطنية والإقليمية.
في يونيو/ حزيران، أبلغت رئيسة البعثة بينتو كيتا، مجلس الأمن، أن قوات حفظ السلام لا يمكنها الصمود أمام حركة 23 مارس (M23) -وهي جماعة مسلحة معادية للحكومة الكونغولية- وقدمت تقريرا سريا للأمم المتحدة، تم تسريبه في أغسطس/ آب، دليلًا على أن رواندا “ساعدت بهدوء في إعادة تنشيط حركة 23 مارس”. وهناك ايضا مؤشرات على أن أوغندا بدورها ربما تدعم الفصائل في التمرد.
في غضون ذلك، يتزايد استياء الشعب الكونغولي من عدم قدرة الأمم المتحدة على وقف القتال في الشرق. في أواخر يوليو/ تموز، تفاقم الإحباط مفضيا إلى أعمال شغب في المدن الرئيسية الثلاث في شمال منطقة كيفو. والتي خلفت ما لا يقل عن 33 قتيلاً -بما في ذلك أربعة من جنود حفظ السلام- مع نهب السكان المحليين مكاتب الأمم المتحدة وقواعد الإمداد.
أيضا، قام أفراد بعثة الأمم المتحدة العائدون من الإجازة بفتح النار على الأشخاص الذين كانوا ينتظرون في مركز كاسيندي على الحدود بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا في 31 يوليو/ تموز، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين.
في أعقاب أعمال الشغب، طلب الرئيس فيليكس تشيسكيدي عقد اجتماع مع البعثة لإعادة تقييم جدول الانسحاب. على الرغم من عدم اتخاذ قرار لتسريع ذلك. كما طردت السلطات المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة، قائلة إن تعليقاته على القدرة المحدودة للبعثة على محاربة حركة 23 مارس أدت إلى تصاعد العنف.