وضع صندوق مصر السيادي الرتوش الأخيرة على بيع حصة لأول شركتين مملوكتين لجهاز الخدمة الوطنية (صافي -الوطنية للبترول). وذلك من أصل خمس شركات، يتوقع طرحها في البورصة خلال العام المقبل. ما يمكن الاستثمار الأجنبي والمحلي من تملك حصة حاكمة من رأسمال هذه الشركات، والمساهمة في إدارتها.
أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، قال -في تصريحات سابقة- إن الصندوق قرر اختيار بنك الاستثمار “هيرمس” كمستشار مالي. وذلك فيما يخص إعداد شركات جهاز الخدمة الوطنية للطرح على المستثمرين.
يأتي ذلك بعد وعود أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال افتتاح عدد من المشروعات في محافظة الفيوم قبل عام. حيث أعرب عن استعداد الحكومة للسماح للقطاع الخاص بالدخول شريكًا في الشركات الناجحة التي تم تأسيسها. حينها قال نصًا: “شركات القوات المسلحة هاتنزل البورصة.. يبقى كده أتحنا الفرصة لكل القطاعات”.
الدولة تلقي الكرة في ملعب المستثمرين
تسهم تلك الخطوة في جذب الاستثمار الأجنبي للداخل؛ فالمستثمرون لطالما عبروا عن قلق مستمر من مزاحمة الدولة في الاقتصاد بوجه عام. وذلك بما تضمه من شركات حكومية أو مملوكة للقوات المسلحة. وهو أمر حسمته خطوة بيع حصص بعض شركات الخدمة الوطنية، بما يضع جميع الشركات على قاعدة واحدة.
ومن المقرر طرح ما يصل إلى 100% من أسهم “صافي” للمياه المعدنية، و”الوطنية للبترول” أمام المستثمرين. ما يفتح فرصًا متنوعة ما بين اقتناص حصة المساهم الرئيسي الذي يملك 10% فأكثر من أسهم رأسمال الشركة المطروحة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال المجموعات والأطراف المرتبطة. أو رفع النسبة إلى (51%) لتكون حاكمة، ما يمنح فرصة لاعتلاء منصب كرسي مجلس الإدارة.
ولم يتضح إلى الآن حجم الأسهم التي ستكون حرة التداول في تلك الشركات. وهي الأسهم المتاحة للتعامل عليها شراءً أو بيعًا دون قيود. ويتم حسابها بعد أن يستبعد من أسهم الشركة المقيدة في جداول البورصة الأسهم المملوكة لشركات قطاع الأعمال القابضة بشركاتها التابعة، والأسهم المملوكة للمساهمين الرئيسيين، وأسهم الخزينة.
اقرأ أيضًا: “ورقة سياسات”: 15 هدفا وراء إنشاء “صندوق مصر السيادي”
يرجع تأخر خطوة طرح الشركات منذ وعد الرئيس المصري إلى عدة أمور، منها: حساسية ملف طرحها. وكذلك اشتراطات البورصة المصرية فيما يتعلق بالشفافية والكشف عن أعضاء مجالس الإدارات، ورأسا المال المصدر والمدفوع. وأيضًا المراجعة الدورية لها فيما يتعلق بالأرباح الفصلية والسنوية، سواء بالإجمالي أو صافي الربح. والإعلان بالتفصيل عن أي نشاط جديد لها أو مشروع تشارك فيه.
مع تأسيس صندوق مصر السيادي، تم حل تلك المشكلات؛ فالشركات المطروحة أصبحت مملوكة له. وبالتالي سيتولى الصندوق تأهيلها لاشتراطات سوق المال، بما يعزز مبدأ الشفافية في الاقتصاد. إلى جانب وضع جدول الطروحات، بما يتناسب مع متطلبات السوق والتوقيت المناسب.
تأسس الصندوق السيادي وفق القانون الصادر من رئيس الجمهورية رقم 177 لسنة 2018. وهو مملوك بالكامل للدولة، لكنه يتمتع باستقلال مالي وإداري وذمة مالية مستقلة عن الدولة. ويبلغ رأسماله المدفوع 200 مليار جنيه، ترتفع إلى تريليون جنيه خلال 3 سنوات. فضلاً عن رأسمال مدفوع 5 مليارات جنيه؛ مليار منها تدفعها الحكومة، والمتبقي يتم سحبه وفق الحاجة.
الإمارات تتأهب لتلقف كرة “الوطنية للبترول”
تثير “الوطنية للبترول” -على وجه التحديد- اهتمام المستثمرين، لما تمثله من فرصة واعدة بامتلاكها نحو 200 محطة على مستوى الجمهورية. تخدم عدد مركبات يفوق 12 مليون سيارة وشاحنة وحافلة السكان في مصر التي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة.
وقد ذكرت وكالة “بلومبرج”، في تقرير حول أهمية طرح “الوطنية للبترول” في البورصة، إن شركتي بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) و”طاقة عربية -القلعة” المصرية، أبرز الساعين للحصول على حصة حاكمة في “الوطنية للبترول”. لكن مصدر بوزارة التخطيط -التي ترأس وزيرتها هالة السعيد مجلس إدارة الصندوق- يقول إن عدد المستثمرين الذين أبدوا اهتمامًا يتزايد باستمرار.
حجم الاستثمار الإماراتي في مصر
تحتل الإمارات الأولى عربيًا من بين الدول المستثمرة في مصر. وذلك بإجمالي يقترب من 7 مليارات دولار. إذ يبلغ عدد شركاتها العاملة بمصر نحو 1165 شركة، غالبيتها تعمل في قطاعات العقارات والطاقة وتجارة الجملة والاتصالات. وذلك وفق بيانات الهيئة العامة للاستعلامات.
ويمثل قطاع النفط بالذات، أهمية كبرى لدى الإمارات، التي تمتلك 22 شركة حكومية وخاصة، تستثمر في مجال الخدمات البترولية بمصر. وذلك بإجمالي 180 مليون جنيه مصري في 2014، وفقًا لصحيفة البيان الإماراتية.
وقال مصدر، لـ”مصر 360″، إن الهدف من الطروحات هو تعزيز الملكية الشعبية ومنح فرص الاستثمار أمام الجميع. علاوة على أن الطرح بسوق المال يفيد الشركات، التي تزيد أسعار أسهمها بزيادة الطلب على الشراء، ما يزيد من مكاسبها. وبالتالي ستكون نسبة الأسهم حرة التداول بالشركات المطروحة كبيرة.
مخاوف من سيطرة إماراتية
تحدث البعض أن “أدنوك” يمكنها اقتناص “وطنية” من بوابة التعاون مع الصندوق السيادي المصري. لكن قانون تأسيس الصندوق يجعل من حقه التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة أو أي منها في سبيل تنفيذ الهدف منه. وذلك على أسس تجارية لتحقيق العائد الاستثماري المحدد. وذلك بموجب سياسة الاستثمار الخاصة بالصندوق. و”أدنوك” لا تملك صناديق، لكنها تشارك في رأسمال صندوق أبو ظبي للتقاعد.
الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية رئيس مجلس إدارة الصندوق، أشارت -من جانبها- على أن طرح “الوطنية للبترول” تحول تاريخي في كيفية هيكلة الاقتصاد المصري. وأول فرصة للمستثمرين المحليين والأجانب لامتلاك الشركات التابعة للقوات المسلحة بالكامل.
ولاقى طرح شركات جهاز الخدمة الوطنية للبورصة ترحيبًا كبيرًا من صندوق النقد الدولي، الذي تلقى نهاية العام الماضي مطالبات من “هيومن رايتس ووتش” و”مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” و”مبادرة الحرية” بالكشف عن المعلومات المالية حول الشركات المملوكة للجيش. وذلك كجزء من التقارير المطلوبة عن الشركات التي تملكها الدولة. قبل صرف الشطر التالي من التمويل، بموجب برنامج الإقراض الحالي.
حياد تنافسي أم بعد سياسي
ظل حجم شركات الجيش المصري مثار اهتمام مراكز بحثية كمعهد “كارنيجي“، الذي أنتج نحو 4 تقارير حول تأثيراتها على الاقتصاد الكلي وحجمها. وذكر أنها تؤثر سلبًا على ديناميكية السوق ومضاهاة القطاع الخاص في القطاعات الإنتاجية المهمة، وتغيير مسار مصر نحو النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والانتقال السياسي، حسبما جاء نصًا في تقرير منشور على موقع “كارنيجي” بشبكة الإنترنت في 18 ديسمبر من العام الماضي.
وتزايدت التكهنات منذ الإعلان عن هذه الخطوة الحكومية، ففريق ربطها باشتراطات صندوق النقد الدولي التي من بينها دعم الحياد التنافسي وتمكين “جهاز حماية المنافسة” من تنظيم عمليات الدمج والاستحواذ والتدخل حسب الحاجة لكبح السلوك الاقتصادي غير التنافسي. بينما منح فريق آخر هذه الخطوة بعدًا سياسيًا إقليميًا في ظل مساعي السودان هو الآخر لتقليل مساهمة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد.
وكان مجلس النواب الأمريكي قد أجاز قبل أيام بأغلبية ثلثي الأعضاء تشريع يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان. ما من شأنه إنهاء سيطرة الجيش السوداني على شركاته الاقتصادية وإجباره على تسليمها إلى الحكومة. وينتظر أن يتم التصويت على القانون في مجلس الشيوخ ليوقع عليه الرئيس الأمريكي.
لكن مصدرا بالمالية أكد عدم وجود ارتباط بين التحركين. فمصر استهدفت طرح شركات جهاز الخدمة الوطنية منذ ديسمبر 2019. وذلك من منطلق وطني خالص لخدمة الاقتصاد والاستثمار.
ويقول المصدر ، لـ”مصر 360″، إنه لا توجد أي علاقة بين تأخر برنامج الطروحات الحكومية منذ 3 سنوات وطرح شركات الخدمة الوطنية. فالشركات الحكومية لا تزال في دور التأهيل، والجاهز منها ينتظر التوقيت المناسب للطرح. كما أضاف أن عام 2020 شهد هبوط البورصة وخروج الاستثمارات الأجنبية، ولم يكن مناسبًا لأي طرح حكومي.
خطوة كاشفة للقطاع الخاص
ولا تقل الشركات المقرر طرحها في البورصة، البالغ عددها 20 شركة، في الجاذبية عن شركات الخدمة الوطنية. فالقائمة تتضمن: بنك القاهرة، والشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية “إنبي”. كما تضم أيضًا شركة الحفر المصرية، والشرق الأوسط لتكرير البترول “ميدور”، وأسيوط لتكرير البترول. وتشمل كذلك الإسكندرية للزيوت المعدنية “أموك”، وسيدي كرير للبتروكيماويات، وأبوقير للأسمدة.
ويقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد والتمويل، إن تلك الخطوة كاشفة للقطاع الخاص بمصر. والذي ظل يطالب بدور أقل للشركات الحكومية بالسوق. وهو أمر بات واقعًا ويصب في صالح الاقتصاد الكلي، على اعتبار أن الصندوق السيادي هدفه تنمية موارد الدولة.
وكان رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، أبرز المعترضين على تلك النقطة بوضوح. إذ قال في حوار مع روسيا اليوم، في مايو من العام الماضي، إن “الجيش المصري لديه مميزات تصعب على رجال الأعمال المنافسة معه”. وذلك فيما يتعلق بالاقتصاد، وتكلفة المنتج والمعاملة الضريبية، على حد قوله.
أكثر من عصفور بحجر واحد
وهنا، يوضح أستاذ الاقتصاد رشاد عبده أن طرح شركات الخدمة الوطنية يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو ينشط سوق الاستثمار، وينعش البورصة التي تعتبر مرآة للاقتصاد، وتعاني من شح السيولة بسبب غياب الطروحات القوية. كما يجذب كثير من المستثمرين على عكس شركات قطاع الأعمال العام التي تعاني من مشكلات في التقييم وفي الأداء.
وخسر رأسمال البورصة المصرية خلال عام 2020، نحو 62.6 مليار جنيه. بينما هبط مؤشر “إيجي إكس 30” الذي يقيس أنشط 30 شركة في السوق بنحو 3893.88 نقطة ليبلغ مستوى 10844 نقطة مقابل 14737.88 نقطة بنهاية العام السابق.
ويقول عبده إن طرح شركات الخدمة الوطنية يخلق مناخ استثماري محفز ويحسن ترتيب مصر في العديد من المؤشرات الاقتصادية الدولية.
لكن لا يزال قطاع من الخبراء متحفظين على طرح المزيد من الشركات. فجهاز الخدمة الوطنية معروف بخدمته الاقتصاد المحلي بقوة ومرونة، ووقوفه إلى جانب اقتصاد الدولة في أوقات الأزمات، كالفترة الانتقالية التي شهدت خروج استثمارات محلية للخارج أو رفضها ضخ استثمارات لتنشيط الاقتصاد.
ويدور التخوف كثيرًا بين أنصار الاقتصاد الاشتراكي المؤمنين بدور الدولة في الاقتصاد. وهم فئة تطالب بأن يكون طرح الشركات للاستثمار مقتصر فقط على الخاسر منها. وليس كيانات ناجحة مثل شركات جهاز الخدمة الوطنية. خاصة وأن “الوطنية للبترول” تقدم خدماتها للمواطنين في 200 موقع.
ويزيد من التخوف لدى هذا الفريق أن تستحوذ شركات إماراتية على “الوطنية للبترول”، ما شهدته بعض الخدمات في قطاع الصحة والمعامل الذي اجتذب استثمارات ضخمة من الخليج. وكان أول قرارات المستثمرين الجدد رفع أسعار الخدمة.