لم يكن اسم “عبد الفتاح البرهان” حاضرا في مقدمة المشهد السياسي السوداني، في الفترة التي هيمّن فيها الرئيس السابق عمر البشير. فقط، عرف بأنه رجل عسكري مُنضبط، تدرج في مختلف المراتب العسكرية منذ أن خدم في الجيش السوداني ضابطا في سلاح المشاة، حتى أصبح قائدا للقوات البرية.
وفي فبراير/شباط 2019، أعلن الرئيس السوداني السابق عمر البشير عن تعديلات في قيادات الجيش، شملت ترقية البرهان من رتبة فريق ركن إلى فريق أول، وتوليه منصب المفتش العام للقوات المسلحة.
وبعدها بشهرين، في إبريل/نيسان، تولى البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي خلفا لوزير الدفاع.
والآن، بعد فترة من الاضطرابات في المشهد السوداني، يتصدر البرهان. ليس كرئيس مؤقت للبلاد، بل كأحد حجري الرحى اللذين احتكا فأشعلا شوارع الخرطوم.
فمن هو البرهان؟
ترجع جذور البرهان إلى ولاية نهر النيل الواقعة إلى الشمال من العاصمة الخرطوم. ولد في قرية قندتو لأسرة دينية تتبع الطريقة الختمية -إحدى الطرق الصوفية الكبرى في السودان- والتي كان لها دور في الحياة السياسية السودانية، ممثلة بالحزب الاتحادي الديمقراطي، المنافس التقليدي لحزب الأمة.
تخرج البرهان في الدفعة 31 من الكلية الحربية، وعمل ضابطا في قوات المشاة، وغيرها من وحدات الجيش. وشارك في حرب دارفور، وكذلك المعارك التي سبقت انفصال جنوب السودان عن شماله. كما انتُدب للعمل في مصر والأردن ملتحقا بعدد من الدورات التدريبية.
كما تولى البرهان العديد من المناصب، من بينها ملحقا عسكريا في الصين، وقائدا لقوات حرس الحدود، ورئيس أركان عمليات القوات البرية، ثم رئيس أركان القوات البرية. كما كان يتنقل ما بين اليمن والإمارات، في الفترة التي سبقت عزل البشير.
ووفق ضابط في الجيش طلب عدم الكشف عن هويته تحدث في وقت سابق إلى وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير نشرته يورونيوز/ euronews، فإن البرهان “رغم كونه ضابطا رفيع المستوى في القوات المسلحة السودانية. لكنه لم يكن يوما تحت الأضواء كما هي الحال بالنسبة إلى عوض محمد أحمد بن عوف -الذي كان وزيرا للدفاع- والفريق أول ركن كمال عبد المعروف، الذي كان رئيس أركان الجيش”.
وأضاف: “إنه ضابط كبير يعرف كيف يقود قواته. ليست لديه ميول سياسية، إنه عسكري”.
طموح
رغم أن البرهان كان على تحالف وثيق مع البشير. ولكن، عندما تمت الإطاحة بالرئيس عبر تظاهرات شعبية رافقها توافق بين قادة الجيش، بدا أن الضابط السوداني، الذي خدم وقتا تحت إمرة البرهان، لم يكن يعرف قائده جيدا.
مع إعلان عزل البشير، كان البرهان أول قيادات الجيش وصولا إلى مقر الإذاعة والتلفزيون السوداني، قبل وصول بن عوف لقراءة بيان القوات المسلحة. كما ذكرت مصادر لبي بي سي/ BBC، أنه كان من بين القيادات التي أبلغت البشير بعزله من الرئاسة.
ثم ظهر البرهان لاحقا في صفوف المعتصمين بساحة القيادة العامة الجيش، وهو يتحدث إلى الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني، إبراهيم الشيخ، وسط هتافات تطالب بإسقاط النظام.
تقول صحيفة نيويورك تايمز / The New York Times الأمريكية: عندما تنحى ابن عوف، حل محله البرهان، ليصبح أقوى زعيم في البلاد في فترة انتقالية هشة. ثم مضى اللواء البرهان في إحكام قبضته تدريجياً على السودان. وبعد أن وقع المدنيون والجيش اتفاقية لتقاسم السلطة في عام 2019، أصبح اللواء البرهان رئيسًا لـ “مجلس السيادة”، المنوط به انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي.
لكن، مع اقتراب موعد تسليم السلطة للمدنيين في أواخر عام 2021، بدا أن الجنرال البرهان متردد في تسليم السلطة.
ووفق جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي إلى القرن الإفريقي في ذلك الوقت. والذي، مع تصاعد التوترات، سافر إلى السودان للتحدث مع الجانبين. فإنه، على الرغم من خلافاته مع الجانب المدني، لم يبد البرهان أي مؤشر على رغبته في الاستيلاء على السلطة.
لكن بعد ساعات فقط من مغادرة المبعوث الأمريكي، احتجز البرهان عبد الله حمدوك -رئيس الوزراء آنذاك- في منزله، وحظر الإنترنت واستولى على السلطة.
حميدتي.. صداقة وصراع
أكدت تقارير أن البرهان أشرف على مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن، ضمن التحالف بقيادة السعودية، وذلك بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، الملقب بـ “حميدتي”، وهو حجر الرحى الثاني لشرارة الاقتتال السوداني الدائر.
فكيف بدأت صداقة الرجلين وتطورت حتى الصدام؟
تقول ويلو بيردج، أستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل، ومؤلفة كتاب “الانتفاضات المدنية في السودان الحديث”، إنه بموجب توليه الملف اليمني، عمل البرهان عن كثب مع قوات الدعم السريع. دون أن تستبعد أن يكون دعم هذه الميليشيا ساهم في إيصاله إلى السلطة.
وفي أغسطس/ آب 2019، وبعد عنف في الشارع ومفاوضات مع “ائتلاف قوى الحرية والتغيير”، الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت الإطاحة بالبشير، وقّع المجلس العسكري السوداني اتفاقاً مع الائتلاف، عُرِف بـ “الوثيقة الدستورية”، والذي نصّ على مرحلة انتقالية يتقاسم خلالها المدنيون والعسكريون السلطة لقيادة البلاد نحو انتخابات وحكم مدني.
بموجب هذا الاتفاق، ترأّس البرهان مجلسَ السيادة الذي كُلِّف بالإشراف على إدارة المرحلة الانتقالية. لكن بعد سنتين من هذه الـ “مرحلة”، بات البرهان معتاداً على الأضواء، وبات يتصرف ويعامَل على أنه رئيس دولة. حيث يستقبل بانتظام المسئولين والمبعوثين الأجانب الذين يزورون السودان، ويظهر، بصورة عامة، في بزّته العسكرية مع أوسمته.
هنا، غالبا ما كان البرهان يظهر برفقة نائب رئيس مجلس السيادة “حميدتي”. لوقت طويل، شكلا ثنائيا يربط النظام الحاكم حاليا في السودان. رغم أنه على الورق، لا يوجد شيء مشترك بينهما. البرهان جندي محترف، بينما حميدتي رجل ميليشيا تحول إلى سياسي ورجل أعمال.
ربما لهذا، وببطء، اختلف الرجلان على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد، وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني. وكانت واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين حميدتي والبرهان، هي الخلاف حول خطة ضمّ قوات الدعم السريع -التي يبلغ عددها 100 ألف عنصر- إلى الجيش، وحول من سيقود هذه القوة فيما بعد. لكن العديد من المحللين يرجعون الخلاف إلى بروز تضارب في المصالح والطموح والرغبة في الاستئثار بالسلطة.
وذكر مجدي الجزولي من معهد ريفت فالي للأبحاث، في حديث لفويس أوف أفريكا/ VOA، إن جبهتهما المتحدة قد تحولت إلى “سياسة حافة الهاوية”.
وقال الجزولي: “الصراع على السلطة في السودان لم يعد بين العسكريين والمدنيين. البرهان الآن ضد دقلو، كل مع تحالفه الخاص. البرهان يريد دمج قوات الدعم السريع في الجيش وفقا للقواعد والأنظمة داخل الجيش. بينما يبدو أن دقلو يريد إعادة هيكلة قيادة الجيش العليا أولا، بحيث يمكن أن يكون جزءًا منها قبل الاندماج”.
وقال الخبير العسكري أمين إسماعيل إن الخلافات بين الجنرالين تعكس أيضًا انقسامات طويلة الأمد بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع التابعة لدقلو.
لهذا، مع إعادة نشر قوات الدعم السريع لعناصرها حول العاصمة، في خطوة رأى فيها الجيش تهديداً. بدأت الاشتباكات المسلحة التي لا زالت تتردد أصداء طلقاتها اليوم في الخرطوم.