رغم انضمام مصر لبنك التنمية الجديد التابع لتجمع بريكس في مارس/ آذار الماضي، لم يتم اتخاذ خطوة إضافية نحو الانضمام رسميًا لعضوية المجموعة، التي تضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا إلى الآن، ما يثير تساؤلات حول الأسباب؟ ومدى إمكانية تحقق تلك الخطوة في اجتماع أغسطس/ آب الجاري.
بالأمس بدأ توافد وزراء خارجية الدول المشاركة في لقاء التجمع في مدينة كيب تاون الجنوب إفريقية، خلال الفترة من 1 إلى 2 يونيو/ حزيران الجاري.
شارك محمد معيط وزير المالية ورانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، في الدورة الثامنة من الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الجديد، التي عُقدت بمقره الرئيسي بمدينة شنجهاي بالصين، التي انتهت أمس الأربعاء، ما يأتي في ضوء الدور الذي تقوم به الحكومة المصرية؛ لتعزيز علاقات التعاون الإنمائي مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين.
خلال التحضيرات لاجتماعات وزراء “بريكس” في إبريل/ نيسان الماضي، تقدمت 19 دولة بطلبات للحصول على عضوية رسمية وغير رسمية للتجمع، من بينها السعودية، وإيران، والإمارات، ومصر، وتركيا، والسودان، والأرجنتين، والجزائر، والمكسيك.
معوقات الانضمام
يبدو أن التحديات الاقتصادية لمصر تقف عقبة أمام انضمامها السريع لبريكس، إذ تعاني ضعفًا بالعملة وتخفيضًا لقيمة الجنيه لنسبة وصلت إلى 50% العام الماضي، هذا فضلًا عن معدلات التضخم العالية، التي تشهدها ووصلت إلى 40% عام 2022، والدين الخارجي البالغ 163 مليار دولار.
كذلك، هناك تحديات يجب الإسراع في حلها؛ لتحقيق أكبر استفادة من تجمع بريكس على مستوى تصدير الحاصلات الزراعية؛ أهمها وجود عجز ملموس في الموازين التجارية الكلية، والزراعية بين مصر وتلك الدول، وغياب المتابعة المستمرة لطبيعة ومواصفات المنتجات المنافسة للمنتج المصري في تلك الأسواق، خاصة المنتج التركي الذي يكتسب مزايا بحكم موقعه الجغرافي الأقرب من أكبر ثلاث دول بالتحالف.
اقرأ أيضًا: عضو مقترض.. كيف تستفيد مصر من الانضمام لبنك بريكس الجديد؟
ومع ذلك، فإن ثمة نظرة إيجابية من المؤسسات الدولية إلى مؤشرات الاقتصاد المصري، فيما يتعلق بزيادة الصادرات والاستثمارات الأجنبية، وارتفاع معدل النمو، وخطط خفض الدين الخارجي التي تعطي آفاقًا متفائلة، حتى وإن كانت على مدى أطول.
وزير المالية روج خلال اجتماعات بنك التنمية الجديد لتلك الفكرة. قال، إن مصر تمتلك بنية تحتية أكثر تطورًا، وتتطلع إلى استكمال هذا المسار التنموي بدعم ومساندة الشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم بنك التنمية الجديد، مع تعزيز قدرات التعافي الأخضر، وتحفيز الاستثمارات بالمشروعات الصديقة للبيئة.
لماذا بريكس؟
بحسب جيم أونيل، الخبير الاقتصادي ببنك جولدمان ساكس ، فإنه بحلول عام 2050 ستهيمن اقتصادات بريكس على العالم، إذ ستضيف المجموعة عشرات الأعضاء الجدد لها. وقد صنعت دول بريكس نماذج اقتصادية تركز على المجمعات الصناعية، وتوظيف القوى البشرية الكبيرة التي تضمها، بالإضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
الصين والهند وحدهما لديهما ما يقرب من 500 مليون رائد أعمال جديد، كثير منهم متخصص في الرقمنة والمجتمعات المستقبلية، وهي مجالات تحتاجها مصر بقوة حاليًا، خاصة في ظل مستهدفاتها لصناعات التعهيد والرقمنة.
أيضًا، من المتوقع أن تستفيد مصر في جانب الاستثمار، فروسيا لديها بالفعل منطقة تجارة حرة صناعية ببورسعيد، والصين لديها منطقة “تيدا” بالقرب من قناة السويس بمساحة 7.34 كم مربع، وتتخصص في 4 صناعات هي: مواد البناء الجديدة، ومعدات الجهد العالي والمنخفض، والمعدات البترولية، وأخيرًا الآلات.
ديلما روسيف، رئيسة بنك التنمية الجديد ورئيسة البرازيل السابقة قالت: في الاجتماع الذي حضره من مصر وزيرا المالية والتعاون الدولي، إنها كرئيسة سابقة لدولة نامية، تعرف مدى أهمية البنوك المتعددة الأطراف، ومدى التحدي الذي يمثله الحصول على التمويل أو جمع الأموال بالحجم المطلوب؛ لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية ببلدانها، وهي مشكلة تعاني منها مصر بالفعل.
أشارت روسيف إلى، أن البنك سيُمول المزيد من المشروعات بالعملات المحلية، تعزيزًا للأسواق المحلية، وحمايةً للمقترضين من مخاطر تقلبات العملة. مضيفة، أن الأعضاء لديهم عملات غير قابلة للتحويل بشكل كامل ضمن الهيكل الحالي، وتعاني اقتصادات جنوب العالم من تأثير التقلبات المفاجئة في أسعار الصرف.
اقرأ أيضًا: ماذا تستفيد مصر من الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية؟
وبحسب أيمن فودة، الخبير الاقتصادي، فإن انضمام مصر لبريكس يفتح مجالات واسعة أمامها على مستوى التبادل التجاري، ويساهم في خطة الـ100مليار دولار “صادرات” التي تستهدفها الحكومة، خصوصًا أن دول التجمع كالصين والهند وروسيا لديها تطور كبير في التصنيع.
مصر أصبحت العضو الرابع الجديد في بنك التنمية الجديد، إذ تم قبول عضويتها ضمن التوسعة الأولى لنطاق انتشار البنك عالميًا، وسبقتها منذ أيلول/سبتمبر 2021، كل من بنجلاديش والإمارات وأوروجواي، وبالتالي لديها فرص جيدة للانضمام لعضوية تجمع بريكس بجانب السعودية والجزائر.
نادي عزام، الخبير الاقتصادي يقول، إن أهمية مصر للتحالف كبيرة جدا فهي أكبر أسواق إفريقيا بوجود 105 ملايين مستهلك يزيدون من الكثافة البشرية لدول التجمع، كمنافس للقوى الغربية.
ويضيف، أن مصر محطة أساسية لطريق الحرير الصيني، ويمكن أن تكون بوابة للتصدير للمنطقة العربية وإفريقيا بالكامل، بفضل موقعها على عكس جنوب إفريقيا الواقعة في أقصى جنوب القارة وليس لها جيران إلا من الشمال فقط.
مواجهة الدولرة
يوجد اتجاه بارز آخر واضح بين دول بريكس ومساعيها إلى التحول إلى “بريكس +”، وهو “إزالة الدولرة” أو رفض هيمنة العملة الأمريكية على التجارة الدولية، وهو اتجاه تدفع به روسيا بقوة لإدخال عملة جديدة للتجارة عبر الحدود، مدعومة بالذهب والسلع الأخرى مثل، المعادن الأرضية النادرة.
“بريكس” تحاول حاليًا إيجاد بدائل للنظام المالي الغربي كبنك التنمية الجديد، الذي يعتبر بديلًا مستقبليًا لصندوق النقد والبنك الدوليين، ويسعى لظهور نظام عالمي جديد يحول المجموعة من مجرد نادٍ اقتصادي إلى كيان قوي قادر على المواجهة.
استطاع البنك التابع للمجموعة، رغم أن عمره لم يتجاوز 9 أعوام، تمويل 80 مشروعًا تنمويًا بالدول الأعضاء برأسمال 30 مليار دولار، في مجالات النقل والمياه والصرف الصحي والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية، والتنمية الحضرية، كما لديه استراتيجية؛ لتوسيع نطاق عمله جغرافيًا ليصبح المؤسسة التنموية الأولى لخدمة اقتصادات الدول الناشئة والبلدان النامية.
الخيار الجيد
وإذا كانت مشكلة مصر الأساسية في العملة الصعبة التي خلقت ضغطًا على الاحتياطي النقدي، والجنيه المصري إلى جانب اشتراطات صندوق النقد الدولي القاسية من أجل البرنامج التمويلي، فيبدو البنك الجديد خيارًا جيدًا، تدعمه العلاقات الثنائية مع جميع دول المجموعة التي تصدر ما تحتاجه مصر من غذاء.
روسيا هي أكبر مصدر للقمح عالميًا|، كما تحتل مرتبة بين أكبر المصدرين للزيوت والحبوب، والهند أصبحت سوقًا يتم التعويل عليها مستقبلًا في تصدير القمح باعتبارها ثاني منتج عالمي بعد الصين، التي توجه إنتاجها كله للاستهلاك المحلي، والبرازيل ثاني أكبر مصدر للحوم عالميًا، كما تحتل مرتبة متقدمة في تصدير الذرة، وفول الصويا وحققت طفرة في الإنتاج خلال العام الحالي مع زيادة إنتاج محصول الصويا إلى 126.9 مليون طن، وإنتاج من الذرة بلغ 89.3 مليون طن.
خلال دورة جنوب إفريقيا لمجموعة بريكس، أمام القاهرة فرصة هامة، إذ سبقت لها المشاركة بقمتي بريكس عامي 2017 و2022، كما لديها العلاقات الجيدة مع جميع أعضائها خصوصًا روسيا، علاوة على أن الاقتصاد المصري وقطاعات التصنيع متوافقة مع احتياجات مجموعة بريكس، والقاهرة أيضًا بوابة للقارة الإفريقية من الشمال مثلما تمثل جنوب إفريقيا من أقصى الجنوب.