تُعجل الحكومة من إجراءات إصدار قانون التخطيط الجديد، بعد أن وافق مجلس الشيوخ نهائيًا على مشروعه المحال من النواب. وهي تستهدف به تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، بما يفرضه واقع التخطيط الجديد في مصر. الأمر الذي يتطلب تنسيقًا -غاب عن القانون القديم- بين الوزارات والهيئات والمحافظات من ناحية، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية من ناحية أخرى. وبناءً على ذلك يضع القانون الجديد مجموعة من المبادئ التخطيطية، يقول مشروعوه إنها تحاول أن تعكس الاستحقاقات الدستورية في دستور 2014. ومنها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، إلى جانب التحول نحو اللامركزية. بما يشمل بعض الأدوار الممنوحة لمؤسسات المجتمع المدني. وهو يسعى في سبيل ذلك إلى الاستفادة من التطورات التي شهدها علم التخطيط، كالاستدامة والتنوع والمرونة والتنمية المتوازنة، والانفتاح على المجتمع وتشجيع الابتكار.

لكن مع ذلك، يأخذ البعض على قانون الجديد أنه على عكس ما يصوغ له، يزيد من المركزية، فيما تتداخل صلاحياته مع اختصاصات قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979. ويقلص دور المجالس الشعبية المحلية في المراقبة على التنفيذ. فضلاً عن أن عملية المشاركة المجتمعية التي يشير إليها، لم تُحدد لها أدوار، واقتصرت على مجرد مصطلحات سياسية عامة وفضفاضة.

على الجانب المقابل، يرى فريق آخر في القانون الجديد خطوة لتحقيق التكامل بين الوزارات والهيئات. بما يساعد في تقليل حدة التضارب في القرارات بين الجهات المختصة، ويضمن سرعة الإنجاز والتنفيذ. مع منح هذه الجهات المشاركة في إبداء الرأي بالمشروعات وإعداد الخطط مستقبليًا.

هيكل المجلس الأعلى في قانون التخطيط الجديد

تنص المادة الرابعة من مشروع قانون التخطيط على إنشاء مجلس أعلى للتخطيط والتنمية المستدامة. تكون رئاسته لرئيس الجمهورية، ويضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء، والوزراء المعنيين بالتخطيط والتنمية المستدامة، والمالية، والتعاون الدولي، والإسكان، والتنمية المحلية، والدفاع، والداخلية، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز المخابرات العامة. بالإضافة إلى 4 أعضاء من ذوي الخبرة، يرشحهم الوزير المعنى بشئون التخطيط والتنمية المستدامة.

وحسب المادة القانونية ذاتها، يصدر بتشكيل المجلس وتنظيم عمله قرار من رئيس الجمهورية.

 اختصاصات المجلس

كما حددت المادة الخامسة من مشروع القانون اختصاصات المجلس بأن يكون في مقدمتها رسم سياسات وأهداف التنمية المستدامة على المستوى القومي والإقليمي والمحلي والقطاعي. إلى جانب مناقشة مقترح الخطة القومية للتنمية المستدامة والموافقة عليه. وأيضًا إقرار المخطط الاستراتيجي القومي، والتأكد من التكامل بينه وبين الخطة القومية للتنمية المستدامة.

يأتي ذلك فضلاً عن اختصاصاته بتحديد مواعيد إعداد وتحديث الوثائق التخطيطية على المستوى القومي والإقليمي والمحلي والقطاعي. وكذلك آلية إعداد الوثائق التخطيطية المختلفة، وإطارها الزمني. بالإضافة إلى اقتراح وإبداء الرأي في التشريعات المتعلقة بخطة التنمية المستدامة. وفي الأخير، مباشرة الاختصاصات الأخرى الواردة في القانون.

وجاءت المادة السادسة لتقضي بأن يكون للمجلس أمانة فنية برئاسة الوزير المعني بالتخطيط والتنمية المستدامة. على أن يصدر بتشكيلها قرار منه، وتضم في عضويتها ممثلين عن كل من الوزارة المعنية بالتنمية المحلية، والهيئة العامة للتخطيط العمراني، ومعهد التخطيط القومي.

كذلك، منحت المادة القانونية، للأمانة الفنية الاستعانة بمن تراه من جهات أخرى أو من الخبراء. وحددت اختصاصاتها في 5 نقاط رئيسية، في مقدمتها تطوير منهجية إعداد الوثائق التخطيطية على المستوي القومي والإقليمي والمحلى والقطاعي. فضلاً عن اقتراح الإجراءات التنفيذية اللازمة لتحسين كفاءة عملية التخطيط.

قانون التخطيط الجديد.. ترسيخ لمركزية شديدة في القرارات

يرى عبد الحميد كمال الباحث وخبير الإدارة المحلية وعضو مجلس النواب السابق أن القانون الجديد يرسخ لمزيد من المركزية الشديدة في اتخاذ القرارات، التي تؤدي إلى ضرب الدستور. ويتساءل: لماذا يتم تعطيل صدور قانون الإدارة المحلية؟ وهو منوط به صناعة القرار والمشاركة في التخطيط المحلي. فضلاً عن وضع أولويات الخدمات، من قبل أبناء المحافظات. وذلك وفقًا لخطط تتسم بالمطالب الواقعية واحتياجات الأقاليم، لا أن تفرض عليهم من إدارة مركزية قد لا تتماشي نظرتها مع طبيعة المكان والظروف الاجتماعية للسكان.

ويضيف كمال أن القانون لا يسمح بأي نوع من المراقبة الشعبية من جانب المجالس المحلية على أداء التنفيذيين. كما أنه لم يحدد أي أدوار أو اختصاصات لنوع المشاركة المجتمعية التي تحدث عنها.

وينبه أنه لابد من النص في القانون على اختصاصات كل جهة، حتى يكون أدائها ملزم. مشيرًا إلى حصر القانون اختصاصات شركاء التنمية المجتمعية والمحليات في مجرد مصطلحات عامة.

مخالفة دستورية في قانون التخطيط الجديد

يتطرق كمال إلى قانون المحليات، فيقول إن تأخر إصداره إلى الآن غير دستوري. حيث نص دستور 2014 على أن يتم إعداد القانون والانتهاء من صدوره قبل انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بــ 5 سنوات، طبقًا للمادة 180 الخاصة بالأحكام الانتقالية. وتنص على أن يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدريج. وذلك خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه.

وينص فرع الإدارة المحلية من الدستور على أن تكفل الدولة دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية. وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها، وحسن إدارتها. كما يحدد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات. وهو ما لم يحدث إلى الآن منذ العمل بالدستور في 2014، على حد قول النائب السابق.

يشير النائب السابق أيضًا إلى أن المادة 178 تنص على أن يكون للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة. وأن تختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة. بالإضافة إلى ممارسة أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية وسائر الوحدات المحلية. وتشمل إبداء الاقتراحات، وتوجيه الأسئلة، وطلبات الإحاطة، والاستجوابات وغيرها. وذلك على النحو الذي ينظمه القانون، والذي يمنحها إلى جانب ما سبق حق سحب الثقة من المحافظين. بينما يقلص قانون التخطيط الجديد هذه الصلاحيات جميعها.

نقل الصلاحيات

يأخذ دكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية بجامعة مصر الدولية، على مشروع القانون الجديد إحالته إلى لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان لمناقشته، دون عرضه على لجنة الإدارة المحلية بالمجلس. ذلك لأن الموضوع يخص إعداد خطط خاصة بـ 92 حيًا و186 مركزًا و236 مدينة و1411 وحدة محلية قروية في 27 محافظة. وهو أمر يستلزم ضرورة عرضه على الإدارة المحلية قبل لجنة الخطة والموازنة.

ويلفت عرفة إلى أن القانون لم يشير صراحة لنقل الصلاحيات إلى الإدارات المحلية. بل جاءت عباراته مبهمة وغير واضحة. خاصة وأن المحافظات لها موازنات مستقلة عن موازنة الدولة. وهنا، يتساءل: هل ستكون عملية نقل الصلاحيات بصورة كاملة أم منقوصة؟ لأن المحافظ ليس من حقه أن يقيل أو يعين وكيل الوزارة، فكيف سيتم تحديد دور المحافظ مع الوزارات التي ستقوم بوضع الخطط؟ فالتوجيهات ستكون محددة بطريقة فوقية، وترسل للمحافظين.

أيضًا هل سيتم نقل الصلاحيات التي أشار إليها القانون بشكل تدريجي أم كامل؟ لم يوضح المشروع كيف سيتم ذلك.

ويذهب عرفة إلى أن قانون التخطيط الجديد قد يتعارض مع قانون المحليات الذي تم الانتهاء منه بالبرلمان، ولم يتم التصديق عليه بعد. وهو ينص على نقل الصلاحيات إلى الإدارات المحلية خلال 5 سنوات بالتدريج من تاريخ إصدار القانون، بينما إلى الآن تتلكأ الحكومة في إصداره، معطلةً إجراء الانتخابات المحلية.

إلى جانب ذلك، يؤكد عرفة على ضرورة توضيح المواد المبهمة بالقانون الجديد في لائحته التنفيذية. ذلك لأنه يعطي صلاحيات مالية وإدارية للإدارات المحلية. لكنه لم يوضح ما هي هذه الصلاحيات.

قانون التخطيط الجديد.. مكمل

يقول النائب محمود سامي الإمام، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب المصري الديمقراطي، إن اهتمام الدولة بسرعة الانتهاء من مناقشة هذا القانون، ينبع من دوره المكمل لقانون المالية العام، فيما يخص التنسيق بين الوزارات، وفق خطة التنمية المستدامة. وهو يشير إلى جانب إيجابية فيه، يتمثل في متابعة الخطة وتقييمها على مستوى المدينة والمحافظة.

ويضيف: حاولنا خلال مناقشة القانون، ضم محافظ البنك المركزي للمجلس الأعلى للتخطيط. ذلك لأهميته في التنسيق بين السياسات المالية والنقدية. بما يمنع التضارب في القرارات الصادرة عنها. كما طالبنا بوضع ثلاث وزراء من الوزارات الخدمية في المجلس الأعلى للتخطيط. على أن يتم تحديدهم بشكل دوري حسب ظروف الوضع الاجتماعي. لكن المجلس لم يستجب لهذا الاقتراح المجلس، على حد قوله.