صباح أمس الأربعاء، طالعتنا الحكومة المصرية بما وصفته بأنه كتاب للرد على تساؤلات الرأي العام المُثارة بشأن أداء الاقتصاد المصري، وما شهدته الفترة الأخيرة من وجود مزاعم “حسب تعبير الكتاب” أو شائعات حول الأوضاع الاقتصادية والمالية للحكومة المصرية.
يتكون الكتاب الذي أتاحته الحكومة، عبر موقعها ونشر في أغلب المواقع والصحف، من 17 فصلًا، تبدأ كلها بكلمة واحدة “المزاعم”، وإن كان ما يليها مختلف بطبيعة الحال. فبحسب قراءة سريعة للكتاب، غلّب عليه التنميق الحكومي، وغاب عنه تبسيط المفاهيم والأرقام والبيانات أمام القارئ.
حجم الديون
يبدأ الكتاب بتفنيد ما وصفته الحكومة بـ”المزاعم”، حول حجم الديون الخارجية والديون المحلية لمصر. حيث ذكرت الحكومة أن الديون المحلية انخفضت من معدلات تفوق نسبة الـ100% من الناتج القومي خلال العامين الماليين 2015/ 2016، و2016/ 2017، إلى 87% خلال العام المالي 2021/ 2022.
الدين المحلي
إلا إنه بمراجعة التقارير السنوية الصادرة عن البنك المركزي المصري خلال الفترة ما بين 2015 و2017، اكتشفنا أن الدين المحلي لم يتخط معدلات 100% كما ذكرت الحكومة. إذ وصل الدين المحلي عام 2016/ 2017 إلى نحو 3.5 تريليون جنيه، مقابل 2.6 تريليون جنيه في 2015/ 2016.
ومنذ يونيو/ حزيران 2020، لم تكشف الحكومة عن حجم الدين المحلي، الذي بلغ حينها أكثر من 4.7 تريليون جنيهًا.
اقرأ أيضًا: مصر تسدد ديونها من احتياطي يتراجع.. لماذا تخلى “المركزي” عن “مقدساته”؟
الدين الخارجي
كذلك، أشار الكتاب الحكومي إلى أن الديون الخارجية لمصر بلغت نسبة 34.6% من إجمالي الناتج القومي، وأنها لا تزال في الحدود الآمنة. وأنها تتنوع ما بين ديون لصندوق النقد وودائع وسندات مصدرة وتسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل.
لكن ما غاب عن الكتاب هو حساب حجم الدين العام “محلي وخارجي” قياسًا للناتج المحلي الإجمالي. وكان قدرها الكاتب المتخصص في الاقتصاد ممدوح الولي قبل أشهر، بأنها بلغت نسبة 130%، معتمدًا على بيانات البنك المركزي بمكوناته الثلاثة. وهي الدين المحلي الحكومي ودين الهيئات الاقتصادية المحلي ودين بنك الاستثمار القومي المحلي. وتلك الحسبّة تتسب في جعل بيانات البنك المركزي الخاص بالدين العام المحلي دائمًا أكبر من رقم وزارة المالية.
مصر كمصدر للديون
كما خصص الكتاب فصلًا للرد على الزعم بأن مصر ستصبح أكبر مُصدّر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة. في حين تتراجع قيمة السندات السيادية.
وردّت الحكومة، بأن عملية الاقتراض من الخارج، باتت تخضع لمعايير تتناسب مع تطور الناتج المحلي الإجمالي والصادرات وأعباء خدمة الدين. وكذلك رصيد الاحتياطات من النقد الأجنبي. وأن الحكومة وضعت سقفًا ملزمًا للأعباء السنوية التي تؤثر على المديونية. وأنها توقفت عن إجراء أي تشابكات مالية جديدة، يترتب عليها أعباء مالية للموازنة.
لكن ذلك يتعارض مع توقعات مؤسسة ستاندرد آند بورز، التي ذكرت أن مصر مرشحة لتكون أكبر مُصَدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، بإصدارات تبلغ 73 مليار دولار خلال العام الحالي متجاوزة تركيا.
وذكرت المؤسسة أن مصر أصدرت العام الماضي حوالي 63 مليار دولار ديون سيادية عن طريق إصدارتها من السندات.
اقرأ أيضًا: تثبيت الفائدة.. مصر تمنح أعلى “عائد حقيقي” على حائزي ديونها
تحمل الفقراء للضرائب
كذلك، خصصت الحكومة الفصل الثاني للرد على الأحاديث حول تحمّل الطبقات الأكثر فقرًا الحجم الأكبر من الضرائب. حيث أوضحت الحكومة أن حجم الزيادة في الإيرادات الضريبية لا يزيد عن 0.4% فقط خلال العام المالي 2022/ 2023، مقارنة بنحو 18.7% في العام المالي السابق عليه 2021/ 2022، على الرغم من استهداف الدولة زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 19.1% خلال العام المالي 2022/ 2023.
وبلغ حجم حصيلة الضرائب في الموازنة الحالية نحو تريليون و179 مليار جنيهًا. وتعدّ تلك الحصيلة الأكبر في تاريخ مصر. وتُمثل أكثر من 78.5% من إيرادات مصر.
اقرأ أيضًا: طبق الكشري بـ20 والعدس بـ65 جنيها.. ماذا يأكل المصريون هذا الشتاء؟
ودلل الكتاب الحكومي على اهتمام الدولة بالقطاعات المعيشية للمواطن المصري، بالزيادة في حجم مخصصات قطاعات الصحة والتعليم والشباب والثقافة والشؤون الدينية وحماية البيئة. حيث ذكر الكتاب زيادة مخصصات الصحة في الموازنة العامة الجديدة بنسبة 18%، والتعليم بنسبة 12%، والثقافة والشباب بنسبة 10%، والبيئة بنسبة 28%.
لكن تغافل الكتاب عن ذكر حجم التضخم الذي تُعاني منه مصر، والذي بلغ نسبة 18.7% خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وبذلك، فإن حجم الزيادة في مخصصات الصحة والتعليم والثقافة أقل من نسبة التضخم الذي ضرب البلاد.
وعرّج الكتاب على خطة الحكومة في استخدم عملة الروبل في المعاملات مع روسيا. وبرره بغرض تيسير التعاملات الاقتصادية مع أكبر مورد للقمح إلى مصر.
تصنيف مصر الائتماني
كما استهدف الكتاب الحكومي الرد على “المزاعم” بشأن تصنيف مصر الائتماني من جانب وكالتي فيتش وموديز للتصنيف الائتماني. حيث رغم إبقاء الوكالتين عليه في تصنيف B2، B+ إلا أنهما غيرتا النظرة المستقبلية تجاهه من مستقرة إلى سلبية.
وقد مارست الحكومة -في ردها على ذلك- مماطلة وتنميقًا للتقليل من تغير نظرة الوكالتين للاقتصاد المصري. وعللّت فيتش ذلك، بأنه يرجع إلى انخفاض احتمالات وصول مصر لسوق السندات، ما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة. ووصفت الوكالة عجز ميزان المعاملات الجارية للعام المالي الحالي البالغ 13 مليار دولار بأنه كبير.
كما توقعت فيتش أن يزيد عجز الموازنة العامة إلى 6.3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي وأن يصل إلى 7.3% في العام المالي المقبل. وقدرت فيتش حجم مستحقات الديون الخارجية لمصر بدون الودائع الخليجية بنحو 15 مليار دولار خلال العام الحالي والقادم، 6 مليار دولار في العام المالي الحالي، و9 مليار خلال العام المالي المقبل.
اقرأ أيضًا: الحقوق الاقتصادية: 3 وكالات للتصنيف الائتماني يمكنها تدمير أي دولة.. وإجهاض المبادرة المصرية
أما مؤسسة موديز فغيرت نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقرة إلى سلبية مع تثبيت تصنيفها عند B2 وفقًا لآخر تقرير صادر عن مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني.
وأشار كتاب الحكومة إلى إشادة صندوق النقد الدولي بقدرة الاقتصاد المصري على التعافي من تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المُتعاقبة. وكذلك توقع الصندوق انخفاض مُعدل النمو السنوي لأسعار المُستهلكين ليصل إلى 9.2% خلال عام 2023 مقارنة بنحو 13.1% خلال عام 2022.
بيع الأصول
وفي الفصل الخاص بتوّجه الحكومة لبيع الأصول، أفاد الكتاب الحكومي بأن ذلك يأتي ضمن الخطة بزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة إلى نسبة 65% تماشيًا مع سياسة وثيقة ملكية الدولة التي أصدرتها الحكومة.
وكشف الكتاب الحكومي الأثر الملموس للاستثمارات الأجنبية. حيث تضمنت المرحلة الأولى لإعادة هيكلة محفظة أصول الدولة 5 صفقات بأكثر من 11.7 مليار دولار، تم تنفيذ صفقتين بأكثر من 3.5 مليار دولار، الأولى صفقة شركة أبوظبي القابضة من خلال الاستثمار في شركات مدرجة بالبورصة، والثانية صفقة صندوق الاستثمارات العامة السعودي في 5 شركات مدرجة بالبورصة.
ويجري حاليًا تنفيذ 3 صفقات بنحو 8.2 مليار دولار، وجار تحديد المرحلة الثانية بإنهاء كل الإجراءات التمهيدية اللازمة لطرح الفنادق الـ7 المملوكة لشركة إيجوث التابعة لوزارة الأعمال العام على مستثمري القطاع الخاص.
اقرأ أيضًا: مَن يشتري شقق التجمع والقاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية؟.. الإجابة: 17 ألف مصري فقط
مشروع العاصمة الإدارية
وفي منتصف الكتاب، عرّجت الحكومة على مشروع العاصمة الإدارية. وذكرت أنه يُمول بشكل مستقل عن الإقراض من البنوك ومن خلال الاعتماد على إيرادات شركة العاصمة الإدارية من حصيلة بيع الأراضي.
لكن ذلك الزعم الحكومي ليس دقيقًا بشكل كلي. ذلك لأن أغلب التمويل للعاصمة الإدارية تم توفيره من خلال موارد الدولة. ومن خلال الاقتراض من البنوك الصينية، والذي قدر بحوالي 3 مليار دولار لإنشاء الأبراج الحكومية.
وقد وفرت الحكومة في البداية مبلغ 5 مليارات جنيه من موازنة هيئة المجتمعات العمرانية لترفيق حوالي 3 آلاف فدان في العام المالي 2015/ 2016. وفي العام المالي 2016/ 2017، ضخت استثمارات من ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية بقيمة 12 مليار جنيه لبدء ترفيق العاصمة الإدارية وتنفيذ الحي السكني، مع استمرار المفاوضات مع عدد من الشركات الصينية لتنفيذ الحي الحكومي بتمويل خارجي تتولى الشركات تدبيره.
كما أنفقت وزارة الاسكان على منطقة الأبراج بالعاصمة الإدارية حوالي 7 مليارات جنيه تمثل الدفعة المقدمة لتمويل المشروع لحين بدء تفعيل القرض الصيني. وأنفقت وزارة الإسكان نحو 28 مليار جنيه على مشروع العاصمة الادارية من إجمالي استثمارات معتمدة تبلغ 200 مليار جنيه.
طرح شركات قناة السويس
وفي الجزئية الخاصة بالرد على المزاعم بالإعلان عن طرح قناة السويس شركاتها في البورصة، لم يفصح كتاب مجلس الوزراء بأنه سيتم طرح حصص من الشركات المملوكة لهيئة قناة السويس من عدمه، إنما حاول تبرير ذلك دون ذكر أية معلومات عن طرح الشركات.
لكن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع قال في سبتمبر/ أيلول الماضي أن الهيئة ستطرح بداية العام المقبل نسبة 15% من شركة القناة لرباط وأنوار السفن في البورصة المصرية. والشركة مملوكة لهيئة القناة تعدّ من الشركات الرائدة وتعمل في مواني بورسعيد والسويس وشرم الشيخ ونويبع.
كما قال أسامة ربيع إن الهيئة ستطرح حصصا من شركتين مملوكتين بالهيئة بنسب تتراوح بين 10 إلى 15%.
مشروع البتلو
كذلك رد الكتاب الحكومي عن المزاعم بشأن فشل المشروع القومي للبتلو. وذكر أنه نجح في تخفيض معدلات الاستيراد من اللحوم والألبان. حيث بلغ عدد المستفيدين 41 ألف شخص، وتربية 461 ألف رأس، بتكلفة 7 مليارات جنيهًا.
لكن تلك البيانات الحكومية لا يمكن فهمها دون مراجعة بيانات نشرة الثروة الحيوانية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وتكشف عن انخفاض عدد رؤوس الأبقار من 5 ملايين و12 ألف رأس عام 2016 إلى 2 مليون و745 ألف رأس عام 2020، بنسبة انخفاض 45.2%. فضلًا عن انخفاض عدد رؤوس الجاموس من 3 ملايين و437 ألف رأس عام 2016 إلى مليون و348 ألف رأس عام 2020، بنسبة انخفاض 60.7%.
وتراجع عدد رؤوس الأغنام من 5 مليون و556 ألف رأس عام 2016 إلى مليون و936 ألف رأس عام 2020 بنسبة انخفاض 65.2%. وانخفض عدد رؤوس الماعز من 4 مليون و260 ألف رأس عام 2016 إلى 925 ألف رأس عام 2020 بنسبة انخفاض 78.2%، وفقًا لنشرة الثروة الحيوانية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
كما أنه وفقًا للتقرير الشهري الأخير الصادر عن البنك المركزي، زادت فاتورة استيراد اللحوم من مليار و142 مليون دولار عام 2017/ 2018 إلى مليار و559 مليون دولار عام 2021/ 2022 بزيادة 417 مليون دولار وبنسبة زيادة 26.7%.
واختتمت الحكومة كتابها بالرد على مزاعم عدم قدرة مصر على توفير ما يكفيها من الكهرباء، أو توقف العمل بمحطة الضبعة النووية. وكان آخر فصل مخصص لتصحيح ما نُشر حول أن المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الحكومة كان للدفاع عن سياسة الحكومة الاقتصادية القائمة.
في النهاية، رغم جهد الحكومة في ذكر البيانات والاستشهاد بالأرقام والمصادر الأجنبية. إلا أن جزءًا كبيرًا منها مقتطع من سياقه. ولا تبدو الحكومة مكترثة بتسهيل المعرفة على المواطن ومصارحته بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تُعاني منه مصر لأسباب كثيرة منها المحلي والعالمي.