دائمًا ما تصادف نتائج لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي تباينًا في توقعات الخبراء وفقًا لقراءة كل منهم للسوقين المحلية والعالمية، لكن الاجتماع الثاني للجنة هذا العام الذي يصادف اليوم الخميس، كان فريدا في اتفاق الغالبية العظمى من الخبراء نحو توجه البنك المركزي لرفع سعر الفائدة والتأكيد على أنه سيكون ارتفاعًا “كبيرًا”.
في الاجتماع الأخير للجنة في فبراير/ شباط الماضي، كانت التوقعات ما بين الرفع والتثبيت، وفضل المركزي حينها الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوي 16.25%، 17.25 %و16.75% على الترتيب، وهي رفاهية، يقول خبراء أنها لن تكون موجودة في اجتماع اللجنة اليوم.
يأتي اجتماع “السياسة النقدية” بالتوازي مع مراجعة بعثة صندوق النقد الدولي الأولى لبرنامج التمويل الخاص بمصر، بعدما حصلت على شريحة منه بقيمة 347 مليون دولار خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومن المقرر، أن تبلغ قيمة الشريحة الثانية للقرض نفس قيمة الشريحة الأولى وهي 347 مليون دولار، من أصل 3 مليارات دولار يتم الحصول عليهم على مدار 48 شهرًا منذ إعلان الحصول على القرض في نهاية العام الماضي.
والتزمت الحكومة قبل المراجعة بتعهدات تتعلق بتخارج الحكومة ومؤسساتها من الاقتصاد، والإعلان عن عزم الحكومة المصرية طرح 32 شركة في البورصة أو بيع حصص منها لمستثمرين رئيسيين، على مدار عام يبدأ من الربع الأول من هذا العام وحتى الربع الأول من العام 2024، لكن تبقى نقطة التضخم التزام حكومي لم يتم تنفيذه حتى الآن.
وفي برنامج التمويل الحالي مع الصندوق، فإن البنك المركزي ملتزم بخفض مستوى التضخم إلى 16% في مارس/آذار الحالي و15% في يونيو/حزيران المقبل، كما لدى البنك التزام آخر ذاتي ليس له علاقة بالمؤسسة الدولية يتضمن الوصول بالتضخم إلى رقم أحادي (أقل من 10%) بحلول العالم المقبل.
توقعات برفع الفائدة
توقعت بنوك “إتش إس بي سي” و”ستاندرد أند بورز” و”جولدمان ساكس”، وشركة “فيتش سوليوشنز” رفع البنك المركزي سعر الفائدة 3% في اجتماع اليوم، لكن توجد بعض الترجيحات لإمكانية رفع الفائدة بوتيرة أعلى من ذلك الرقم.
بحسب “ستاندرد آند بورز جلوبال” فإن دورة التضخم الحالية في مصر ستصل ذروتها منتصف العام الحالي، قبل أن تتراجع ببطء في النصف الثاني من عام 2023، أما “جولدمان ساكس” فتقول إن “المركزي” سيضطر للرفع بعد أن تجاوز التضخم في فبراير/شباط الماضي التوقعات بكثير”.
هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، يقول إنه لن يكون متفاجئًا حال رفع البنك المركزي الفائدة بنسبة أعلى من 3% بسبب العديد من العوامل التي في مقدمتها ارتفاع معدل التضخم الأساسي الذي ناهز الـ 40% في فبراير/شباط الماضي.
يتطرق جنينة إلى أن مارس/آذار الحالي شهد موعد استحقاق شهادات الـ 18% ما يدفع البنك المركزي للسماح للبنوك بإصدار شهادات بفائدة أعلى لمواجهة السيولة الكبيرة التي من المتوقع ضخها بالسوق.
يقول جنينة إن اجتماع لجنة السياسة النقدية يأتي بعد شهر من مؤشرات التضخم في الشهر الماضي، والمشاهدات العادية بالسوق لا تبشر بانخفاض معدل التضخم إذ تم رفع أسعار البنزين بعد فترة طويلة من التثبيت بجانب توجه الشركات لتخفيض وزن العبوات في بعض السلع حتى لا يضطر المنتج لرفع الأسعار وزيادة معدلات شراء الذهب.
كما يشهد مارس/آذار متغيرًا آخر يتمثل في موعد استحقاق شهاد الـ 18% وهي أموال تناهز 750 مليار جنيه ستصبح في أيدي المواطنين وستخلق طلبًا على السلع ويمكن امتصاصها بشهادة مرتفعة العائد، ما جعل هاني جنينه يتوقع طرح البنوك شهادات بديلة لشهادات الـ 18% لن يقل عائدها عن 22%.
بحسب جنينة، هناك مؤشر آخر يشير إلى تأكيد رفع الفائدة يتمثل في عطاءات أذون الخزانة، فالمستثمرون (في الغالب بنوك) رفعوا الفائدة في العطاءات لمستوى يناهز 22.5% وهي فائدة أعلى من العام الماضي بنسبة 3%.
وعقد مجلس السياسات النقدية والمالية اجتماعًا في 19 من الشهر الجاري برئاسة مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة وبحضور محافظ البنك المركزي، الأمر الذي يعني أن القرار المتوقع للجنة السياسة النقدية سيكون له تداعيات على الاقتصاد والبيان الصادر عنه كان مرتبطًا باستهداف التضخم أيضًا ما يعطي دلالات حول النية لرفع الفائدة.
رفع الفائدة.. دواء أم داء؟
بحسب الدكتور أحمد العطيفي، المحلل المالي، فإن رفع سعر الفائدة لن يكون دواءً لمشكلة التضخم، فأي رفع للفائدة حتى لو وصل إلى 5% لن يستطيع تخفيضه لأنه ناجم عن ارتفاع تكاليف كل السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر صرف الدولار.
يضيف العطيفي أنه لا توجد سيولة أصلا في أيدي الناس أو السوق لكي يتم الرفع لسحبها، كما أن أي معدل لرفع الفائدة لن يجعل معدل الفائدة “حقيقي” (الفارق بين الفائدة المصرفية ومعدل التضخم)، والأفضل فائدة مرتفعة على الدولار فقط والاسترداد بالدولار أيضًا، فرفع الفائدة سوف يثقل أعباء الدين الداخلي وأيضًا استمرار في السياسة الانكماشية للشركات نتيجة ارتفاع الفائدة على القروض.
استهداف التضخم
رغم توقعات الغالبية العظمى من بنوك الاستثمار لرفع سعر الفائدة، لكن لدى قطاع محدود من الخبراء آمال بأن يتجه البنك المركزي للتثبيت، لمنع تفاقم الفائدة على الحكومة التي تعتبر أكبر مقترض بالسوق، خاصة أن الفائدة المرتفعة من وجهة نظرهم لن تستطيع استهداف التضخم.
الخبير الاقتصادي مدحت الشريف لديه الرأي ذاته فالسياسة النقدية لن تستطيع وحدها إخراج مصر من أزمة اقتصادية حادة سببها الأساسي نقص العملات الأجنبية، وبالتالي الحلول تكون في مراجعة قوائم الواردات من الخارج لترشيد ما نستورده خاصة ما يوجد مثيله من منتجات وطنية، ومراجعة دقيقة لخطط برنامج الخصخصة لبيع حصص الدولة بشركات رابحة للوصول إلى السعر العادل وأن لا نخضع لضغوط مختلفة للبيع بأسعار غير عادلة.
يؤكد الشريف على ضرورة تحرك حكومي عاجل لدعم المُنتج الوطني في جميع المجالات، وتقيد بالنسب المحددة لطرح التعاقدات الحكومية للمشروعات المتوسطة والصغيرة التي أصبحت تُعاني بشدة، ومراجعة إجراءات طرح المناقصات الحكومية بشكل عام والتي أصبحت تحتاج لدراسة واقعية تحقق توازنا ما بين عمليات الإسناد المباشر للجهات التي يجيز لها القانون والطروح العامة المتاحة للجميع.
وبحسب الشريف، يجب أيضًا سرعة مراجعة التعاقدات الحكومية التي تمت في ظل سعر الدولار ما قبل مارس/آذار 2022 وتأثيراتها على الشركات التي تنفذ التزاماتها لما بعد فقدان الجنيه لأكثر من نصف قيمته حتى يناير/كانون الثاني 2023، والتواصل المستمر مع المُنتج الوطني لمراجعة مشاكله والمعوقات التي يواجهها للاستمرار أو زيادة نشاطه لإحلال المنتجات الوطنية محل الواردات.