خلال الأعوام العشرة الماضية، انخفضت إيرادات السياحة بنسب تقترب من 90%، سواء بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية في سنوات ما بعد ثورة 2011، أو بسبب حادثة الطائرة الروسية في عام 2015، وأخيرًا بسبب وباء كوفيد 19. بل حتى إن إيرادات قناة السويس لم تزد إلا بنسب تقترب من 12 إلى 13%. ذلك بعد افتتاح التفريعة الموازية عام 2015. لكن من بين كل موارد النقد الأجنبي، كانت تحويلات المصريين العاملين بالخارج هي المنقذ والحل الذي ساهم في إنقاذ مصر في كل مرة.
بدءًا من العام 2010/ 2011 وحتى 2020/ 2021 بلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بالخارج نحو 235.97 مليار دولار. ذلك وفقًا لمراجعة أجريناها على بيانات البنك المركزي المصري السنوية. وقياسًا على هذا وبأسعار صرف الجنيه أمام الدولار الحالية (18.3 جنيه)، ستصل حجم تلك المبالغ إلى قرابة 4 تريليون و318 مليار و800 مليون جنيه.
اقرأ أيضًا: بيانات المركزي المصري: اقتصاد قابل للتعافي رغم صدمة كورونا.. وتحويلات المصريين رقم مهم بالمعادلة
وتُمثل تحويلات المصريين بالخارج أكثر من 11 مرة إجمالي قيمة قروض صندوق النقد الدولي البالغة 21 مليار دولار، والتي حصلت عليها مصر بدءا من العام 2016 وحتى الآن. كما أنها تُمثل أكثر من مرة ونصف حجم الدين الخارجي المصري البالغ 145 مليار دولار.
وخلال السنوات العشر الماضية، زادت نسبة تحويلات المصريين بمعدلات سنوية تراوحت بين 29% إلى 21% إلى 11.4%. وجاءت 68.3% من تحويلات المصريين بالخارج من الدول العربية. بينما في المرتبة الثانية جاءت من الولايات المتحدة وكندا بنسبة 17.9%. وكانت في المرتبة الثالثة دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 10.1%. وقد وصلت نسبة التحويلات من أستراليا والدول المجاورة لها نحو 2.8%. وفي النهاية بلغت نسبة التحويلات من الدول الآسيوية والأفريقية نحو 0.7%.
لماذا زادت التحويلات المالية؟
يُرجع الدكتور علي الإدريسي، عضو الجمعية الاقتصادية للاقتصاد والتشريع، أسباب زيادة التحويلات المالية للمصريين بالخارج إلى أن الاضطراب السياسي الذي شهدته مصر خلال السنوات بعد 2011 تسبب في خروج عدد كبير من المصريين للعمل بالخارج.
ويُضيف لمصر 360، أن العدد الرسمي الذي أعلنت عنه وزارة الهجرة والمقدر بنحو 1.5 مليون مصري بالخارج، هم فقط أعداد المصريين العاملين بشكل شرعي في البلدان الخارجية. لكن في الواقع هناك أعداد كبيرة من المصريين المسافرين والعاملين سواء في البلدان العربية أو الأجنبية بشكل غير شرعي.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الهجرة في آخر إحصاء، بلغ عدد العاملين في الخارج 10 ملايين و247 ألفًا و3030 مصريًا في الخارج.
ويُدلل على ذلك، بوصول حجم التحويلات المالية للمصريين العاملين بالخارج إلى رقم قياسي العام الماضي إلى 31 مليار دولار، والتي قياسًا على الأعداد الرسمية، فإن كل مصري يعمل بالخارج يُحول سنويًا ما قدره 21 ألف دولار. وهذا رقم كبير، خاصة وأن أغلب العاملين من الحرفيين والصنايعية.
“لذا فأنا أعتقد أن هناك على الأقل نحو 5 ملايين مصري بالخارج يعملون بشكل غير شرعي. يعني عدد العاملين بالخارج أكثر من 15 مليون مصري”، وفقًا للإدريسي.
التحويلات والفائدة وانخفاض الجنيه
ويقول، إنه خلال سنوات 2012 و2013 تحديدًا زاد عدد المصريين المسافرين للعمل بالخارج بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد. لافتًا إلى أنه في الأغلب يكون المسافر هو الشخص العائل للأسرة والذي يُحوّل مبالغ مالية لأسرته لتساعدهم على إعالة أنفسهم. وبالتالي نتج عن ذلك تلك الطفرة الكبيرة في تحويلات المصريين بالخارج خلال السنوات الـ6 الماضية تحديدًا. ذلك فضلًا عن زيادة عدد سكان مصر بنحو 20 مليون خلال السنوات العشر الماضية. ما دفع إلى زيادة أعداد المصريين المهاجرين للعمل بالخارج. وذلك بسبب نقص فرص العمل والسعي لتحسين الدخل، بحسب عضو الجمعية الاقتصادية للاقتصاد والتشريع.
إلى ذلك، يُوضح الإدريسي، أن السياسة النقدية للحكومة خلال الفترة الماضية ساهمت أيضًا في زيادة تحويلات المصريين بالخارج. خاصة بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016 والذي كان سببًا في انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بقيمة كبيرة تكاد تصل إلى الضعف.
اقرأ أيضًا: تحويلات المصريين بالخارج.. كيف تعوض الحكومة فقدان مليارات الدولارات؟
ويُتابع، أنه أيضًا كانت معدلات الفائدة سبب جذب للتحويلات المالية للمصريين بالخارج. حيث تقدم الحكومة المصرية واحد من أعلى معدلات الفائدة الحقيقية في العالم. وهذه النقطة تحديدًا كانت عنصر جاذب جدًا للمصريين، لتحويل أموالهم إلى سندات وشهادات للحصول على معدلات الفائدة المرتفعة.
محاولات اجتذاب التحويلات الدولارية
ويعدّ معدل الفائدة الحقيقية، والذي يمثل الفرق بين معدلات التضخم وسعر الفائدة الأسمى، الأعلى بين أكثر من 50 اقتصادًا عالميًا. ذلك بحسب بيانات صادرة عن وكالة بلومبرج. وتقدم أذون الخزانة متوسط عائد يبلغ 14.4%، مقارنة بـ3.5 % لديون الأسواق الناشئة بالعملة المحلية.
فضلًا عن محاولات الحكومة لاجتذاب أكبر عدد من التحويلات الدولارية عبر طريقتين. الأولى كانت في عام 2016، عبر إصدار شهادات دولارية للمصريين بالخارج أطلقت عليها اسم “شهادة بلادي”. وأجازت للمصريين بالخارج شراء هذه الشهادات سواء بأسمائهم أو بأسماء أبنائهم القصر لمدد تتراوح بين عام وثلاثة وحتى خمسة أعوام بسعر عائد مميز بفئة 100 دولار للشهادة ومضاعفاتها، وبدون حد أقصى، ووصل سعر العائد بين 5.3% و4.5% و5.5%، ويصرف العائد كل 6 أشهر.
والطريقة الثانية عبر طرح أراضي وشقق للمصريين بالخارج. على أن يتم تسديد أثمانها بالدولار. وسُمي ذلك باسم “برنامج بيت الوطن”. وذلك في عدة مناطق بالمدن الجديدة أبرزها العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، وصواري، والقاهرة الجديدة، والمنصورة الجديدة، ومشروع “جنة”، ومدينتي والرحاب، ومشروعات سكن مصر، وبدر، والشيخ زايد، ودمياط الجديدة، والقاهرة الجديدة، والعبور والسادس من أكتوبر.