قبل وقت طويل من انتصارهم في الحرب العالمية الثانية، بدأ قادة الحلفاء في التفكير في شكل السلام المستقبلي، خلال مؤتمرات عقدت في طهران ويالطا وبوتسدام وأماكن أخرى، ناقشوا المقترحات ووضعوا خططًا لإنشاء مؤسسات دولية يمكن أن تمنع حربًا أخرى.
اليوم، عاجلا أم آجلا، سوف تنتهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا. لذلك، مع احتدام الصراع، هناك حاجة إلى جهد مماثل. يجب على القادة الغربيين تطوير آليات أمنية، والنظر في استراتيجيات لمساعدة أوكرانيا، وكذلك إدارة العلاقات المستقبلية مع روسيا.
في تحليلهما المنشور في فورين أفيرز/ Foreign Affairs، تشير ليز مورجي الأستاذة بجامعة جورجتاون، والباحثة المقيمة في المعهد الأمريكي للسلام. ومايكل أوهانلون رئيس برنامج في معهد بروكجنز، إلى أنه “يجب إحضار أوكرانيا إلى العالم الديمقراطي وتقويتها حتى تتمكن من مقاومة العدوان الروسي في المستقبل”.
يلفت الكاتبان إلى أن كييف، بعيدا عن عضوية الناتو، تحتاج إلى نوع من الحماية العسكرية الغربية. لكن صناع السياسة بحاجة إلى التفكير على نطاق أوسع في دور روسيا في نظام ما بعد الحرب أيضًا.
اقرأ أيضا: “شي” في موسكو.. الأماني الروسية والواقعية الصينية
ويحذر التحليل من أنه إذا تم إقصاء روسيا نهائيًا من المجتمع الدولي بعد انتهاء الحرب، فسوف تظهر -غاضبة ومذلولة- وستبقى كمصدر تهديد متجدد.
يقول: يجب هزيمة بوتين وآلته الحربية وعقليته الإمبريالية، ويجب تقوية أوكرانيا ضد أي عدوان محتمل في المستقبل. لكن في الوقت نفسه، يجب على الغرب أيضًا محاولة تأمين سلام طويل الأمد مع موسكو.
تحالف جديد
يقترح التحليل إحدى طرق حماية أوكرانيا وتفعيل السلام الطويل مع روسيا، والتي تتمثل في إنشاء مجتمع أمني جديد، يمكن أن يطلق عليه “مجتمع الأمن الأطلسي الآسيوي/ AASC”. والذي يتألف من العديد من أعضاء الناتو، بالإضافة إلى أوكرانيا وحلفائها، وأي دول محايدة ترغب في الانضمام.
ويشير إلى أنه يمكن أن يكون للتحالف الجديد غرض طويل المدى مشابه لحلف الناتو، ولكن على المدى القصير ستكون مهمته الرئيسية هي الإشراف على الوجود غير المحدود للقوات العسكرية الغربية على الأراضي الأوكرانية وإضفاء الشرعية عليه.
يقول: ستراقب هذه القوات -من دول حلف الأطلسي والدول غير الأعضاء على حد سواء- نشاط القوات الروسية، وتساعد في تدريب القوات المسلحة الأوكرانية، وتراقب أي اتفاق سلام مستقبلي، وتعمل كحلقة أمان لمنع عدوان روسي جديد.
وأوضح أنه “يمكن أن يقود هذه المهمة أطراف من خارج الناتو. ربما من الهند، أو من دولة أخرى يُنظر إليها على أنها محايدة، لكن يجب أن تشمل القوات الأمريكية، يمكن أن يضمن وجود الأحذية الأمريكية مستقبل أوكرانيا الديمقراطي.
لكن حتى الآن، من المحتمل أن تكون نهاية الحرب بعيدة المنال. يرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى أن كل من روسيا وأوكرانيا واثقتان من أن النصر لا يزال ممكنًا.
تعتقد روسيا أن عزيمة الداعمين الغربيين لأوكرانيا ستنهار قبل عزيمة مؤيديها، الأمر الذي سيحرم كييف من العتاد والأموال التي تحتاجها لمواصلة الصراع. أمّا أوكرانيا، فتعتقد أن صمود مواطنيها وشركائها في الغرب -جنبا إلى جنب مع شعبية الرئيس فولوديمير زيلينسكي- سيمكنها من استعادة الأرض التي احتلتها روسيا بشكل غير قانوني.
ونظرا لعدم استعداد أي من الجانبين لتقديم تنازلات، من المرجح أن يستمر القتال في المستقبل القريب.
خطورة توسيع الناتو
لأن الأشياء يمكن أن تتغير بسرعة، يلفت التحليل إلى أنه يجب أن يكون العالم جاهزًا إلى التوقيت الذي سيناقش خلاله صناع السياسة الغربيون استراتيجية لإنهاء الحرب.
يقول: إنهم يركزون بشكل كبير على توسع الناتو، فضلاً عن الاحتواء الروسي من خلال العزلة الاقتصادية. الهدف الأول خاطئ والآخر غير كاف.
ويؤكد أن “توسيع حلف الناتو بشكل أكبر من شأنه أن يؤدي -فعليًا- لوجود علاقة عدائية، ليس فقط مع بوتين، ولكن مع جميع القادة الروس في المستقبل”.
ويستشهد التحليل بما جرى في التسعينيات، عندما حذر كل من الدبلوماسي المؤيد للناتو جورج كينان، ورئيس الوزراء السوفيتي الموالي للغرب ميخائيل جورباتشوف، من توسيع التحالف عندما بدأت دول جديدة الانضمام.
أيضا، أصدر مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، تحذيراً مماثلاً بشأن أوكرانيا على وجه الخصوص في عام 2008، عندما كان يعمل سفيراً للولايات المتحدة في روسيا. حيث كتب في برقية دبلوماسية أن “دخول أوكرانيا إلى الناتو هو الألمع بين جميع الخطوط الحمراء للنخبة الروسية. لم أجد بعد أي شخص يرى أوكرانيا في الناتو على أنها أي شيء بخلاف التحدي المباشر للمصالح الروسية”.
لذلك، يؤكد التحليل أن الولايات المتحدة “تحتاج وحلفاؤها وشركاؤها إلى التفكير بشكل خلاق في كيفية ضمان أمن أوكرانيا. بما يتجاوز الوعود الورقية التي قُطعت في الماضي ورفضتها موسكو.
إن مقترحات تحويل أوكرانيا إلى “قنفذ” من خلال تسليحها. بحاجة إلى الوجود العسكري الغربي -وغير الغربي- على الأراضي الأوكرانية حتى يمكن ضمان الدفاع عنها. ويبرز سؤال كيف يمكن دمج اوكرانيا فى منظمات أمنية، قائمة أو جديدة، والتأكد من فعاليتها.
اقرأ أيضا: “المصير المجهول لمستقبل روسيا”.. هل تكون “الهزيمة على المدى القصير” الفرصة الوحيدة للخلاص؟
إعادة تشكيل الصورة
في عام 1949، تم تلخيص الأغراض الأصلية لحلف الناتو من قبل أمينه العام الأول، اللورد هاستينجز إسماي. قال:”إنه صمم لإبقاء الروس في الخارج، والأمريكيين في الداخل، والألمان في الأسفل”.
لذلك، يشير التحليل إلى أن “العالم الآن يحتاج إلى منظومة مرنة، تُبقي بوتين بعيدًا. ولكن -في نهاية المطاف- يمكن أن تجتذب الروس ذوي العقلية الإصلاحية، جنبًا إلى جنب مع الأمريكيين، للحفاظ على أوكرانيا وجيرانها في أمان.
وأشار إلى أنه “لتمييز المنظومة الجديدة، بشكل واضح عن الناتو، لا ينبغي أن تسمى “مجتمع الأمن الأطلسي الآسيوي/ AASC” منظمة أو معاهدة، ويجب ألا تلزم الأعضاء بالدفاع عن بعضهم البعض في حالة الهجوم.
ومع ذلك، لا يزال يتعين عليها أن تسعى جاهدة لردع العدوان الروسي، من خلال نشر أفراد عسكريين دوليين في أوكرانيا، ما دامت ظلت موسكو معادية”.
وأكد أنAASC سوف تحتاج إلى تنفيذ التخطيط الاستراتيجي، وإجراء تدريبات عسكرية منتظمة، ومشاركة المواد السرية بين أعضائها.
كما لفت إلى أنه “بالإضافة إلى حماية أوكرانيا في حالة تجدد الحرب، يمكن تكليفها بمهام أخرى، إذا اختار أعضاؤها القيام بذلك. على سبيل المثال، قد تساعد في فرض اتفاق سلام مستقبلي بين أرمينيا وأذربيجان، أو المساعدة في أزمات المهاجرين، أو معالجة التهديدات الإرهابية”.
ولكن “على المدى القريب، يجب أن يكون الغرض الرئيسي من AASC هو الإشراف على نشر ما لا يقل عن عدة آلاف من القوات الدولية -كمدربين ومراقبين- على الأراضي الأوكرانية وتنسيقها. على أن تأتي هذه القوات من الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية والآسيوية الأعضاء”.
كيف يمكن تشكيل مثل هذه القوة؟
هناك طريقتان، وفق ما ذكر التحليل، تتمثل إحداهما في إنشاء قوة تنفيذ السلام، التي توافق عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدلاً من مجلس الأمن -بحيث لا تستطيع موسكو حق النقض أو منعها- وقد تُمنح القوة تفويضًا متعدد السنوات للمساعدة في التسريح، ومراقبة الحدود الروسية الأوكرانية. وربما -أيضا- مراقبة المعاملة العادلة للأقليات على الأراضي الأوكرانية، لطمأنه موسكو ومنع الصراع.
النهج البديل، هو وضع القوة الدولية مباشرة تحت إشراف وموافقة الحكومة الأوكرانية، وستكون مهامها اليومية هي تدريب الجيش والشرطة الأوكرانيين. لذلك، يجب أن يتم نشرها في جميع أنحاء البلاد، لردع روسيا من التعدي على الأراضي الأوكرانية.
ولفت التحليل إلى أنه من الأفضل أن يرأس هذه القوة جنرال من دولة مثل الهند، التي تمكنت من الحفاظ على علاقات مقبولة مع الدول الغربية، وكذلك مع روسيا.
وأكد التحليل أنه “بمجرد أن يغادر بوتين الكرملين ويحل محله زعيم آخر. ستصبح روسيا مؤهلة للانضمام إلى AASC”.
وتابع: في وقت ما في وقت لاحق من عام 2023، أو ربما في عام 2024، قد تبدو الحرب غير مجدية بالنسبة لموسكو وكييف، حيث يستقر نوع من الجمود. أو قد تنجح أوكرانيا في إخراج القوات الروسية من أراضيها. في كلتا الحالتين، يتعين على صانعي السياسة الغربيين أن يكونوا مستعدين برؤية أمنية جديدة للمنطقة.