في خطاب مساء السبت، تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت -الذي ينتمي إلى حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو- علنا حول الإجراءات التي تتخذها الحكومة بشأن الإصلاحات القضائية. قائلا إنه يخشى أن يؤدي استمرار الانقسام في صفوف الشعب حول هذا الملف إلى “تهديد حقيقي لأمن اسرائيل”، داعيا إلى “وقف الآلية التشريعية”.
وقبيل التاسعة من مساء اليوم التالي، الأحد، أقال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وزير دفاعه. مُعلنا الأمر في بيان مقتضب صادر عن مكتبه.
في تحليله المنشور في صحيفة هآرتس/ Haaretz العبرية، أشار الصحفي أمير تيبون إلى أن إقالة وزير الدفاع، وهو أحد الوزراء القلائل الأكفاء والجادين في حكومة نتنياهو، أدت إلى استياء بالغ على المستوى الشعبي. لتكون القشة التي قصمت ظهر الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة الصهيونية، والتي لم تكمل ثلاثة أشهر. وقد راجت أنباء صباح اليوم الاثنين نقلا عن مقربين من نتنياهو أن رئيس الوزراء سيؤجل التعديلات. وهي خطوة إن تحققت تعكس حجم الضغط الشعبي الهائل الذي قد يؤدي به إلى التخلي عن موقفه العنيد الذي تمسك به حتى الآن .
يقول تيبون: لقد مرت إسرائيل بالعديد من اللحظات المخيفة منذ تولي هذه الحكومة السلطة قبل ثلاثة أشهر. وقعت هجمات في القدس وتل أبيب، وأطلقت صواريخ من غزة، واشتدت الاضطرابات الاجتماعية في الشوارع.
اقرأ أيضا: هل يصبح المشهد الفلسطيني أكثر عنفا في رمضان؟
يضيف: إن الإصلاح القضائي، وهو خطة تشريعية لمنح الحكومة سلطات غير محدودة وتحييد المحكمة العليا، قوبل بمقاومة هائلة من مئات الآلاف من الإسرائيليين الخائفين. لقد أعطى قرار جالانت بالخروج علناً ضد التشريع الكثير منهم سببًا للاعتقاد بأن الفطرة السليمة ستسود.
لهذا السبب، كان تصريح نتنياهو القصير، مساء أمس الأحد، أكثر اللحظات رعبا على الإطلاق.
تراكم الزخم
يشير تيبون إلى أنه برحيل جالانت فقد “تم طرد آخر شخص راشد من الغرفة”. بينما نتنياهو، الزعيم المنهك المحاط بالراديكاليين والمتعصبين الشباب، قد اتخذ خيارًا غير مسئول للغاية: المضي قدمًا في إصلاحه القضائي، بغض النظر عن التكلفة.
يتساءل: أي نوع من القادة يقيل وزير دفاعه، والذي هو أيضًا الشخص الأكثر خبرة في فلكه في قضايا الأمن القومي. في الوقت الذي تفصل فيه إيران أسابيع عن اختراق نووي، والساحة الفلسطينية تغلي مع حلول شهر رمضان، والجيش الإسرائيلي يتفكك بسبب الإصلاح القضائي المثير للجدل؟.
لكن الصدمة لم تستمر طويلا.
يقول: كان التحول فوريًا، وجاء في شكل رسائل مستمرة على WhatsApp، تطبيق المراسلة عبر الهاتف المفضل لدى الإسرائيليين. كان بإمكاني رؤية الزخم يتراكم على هاتفي الخاص، والذي لن يتوقف عن الرنين.
في كل مجموعة WhatsApp أنا عضو فيها، كان الناس يسألون نفس السؤال: من الذي يخرج للاحتجاج؟
بدأ الأمر بمجموعة عائلتنا الممتدة، حيث استغرق الأمر دقائق فقط حتى يشارك الناس صورهم وهم يسيرون باتجاه شارع كابلان في تل أبيب، موقع الاحتجاجات الليلية المنتظمة في ليلة السبت على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.
أعلن الأقارب الذين يعيشون خارج تل أبيب إما أنهم في طريقهم إلى المدينة الكبيرة، أو على استعداد لمغادرة منازلهم لمظاهرات أصغر في أجزاء أخرى من البلاد.
وبحلول الساعة العاشرة مساءً، كان الجميع واقفين على أقدامهم في مكان ما، يرفعون لافتة أو علم إسرائيلي. كتب أحدهم رسالة بسيطة وقاطعة: “بيبي -أي نتنياهو- فقدها أي فقد البوصلة الصحيحة . حان الوقت لإغراق الشوارع”. وذلك في إشارة لكثافة استخدام الشرطة لخراطيم المياه لتفريق حشود المتظاهرين.
ليلة فقد السيطرة
يكمل تيبون روايته: في الكيبوتس “مزرعة جماعية” الصغير الذي أعيش فيه، الواقع على الحدود الإسرائيلية مع غزة، كان العمل مشابهًا وسريعًا.
بعد دقائق من تردد الأخبار، أرسلت جارة في الثلاثينيات من عمرها -وهي أم لطفلين صغيرين- رسالة في مجموعة WhatsApp المجتمعية: أي شخص يريد الخروج والاحتجاج الآن؟
في غضون دقائق، قال 15 شخصًا نعم.
انتشرت الرسالة سريعًا إلى المجتمعات الاستيطانية المجاورة، وبعد ساعة كان ما يقرب من 200 شخص يقفون عند تقاطع رئيسي، بينما آلاف آخرين تجمعوا بالفعل في تل أبيب بحلول ذلك الوقت.
يشير تيبون إلى أن “ما كان يحدث في عائلتي ومجتمعي كان يحدث في كل مكان، دفعة واحدة. تم تعزيز الرسائل من خلال التغريدات ومنشورات Instagram التي تدعو الناس إلى الاحتجاج، فسمع الشعب”.
تابع: سرعان ما غمرت الصور هاتفي. من حيفا، والقدس، وبئر شيفا، ونتانيا، وأشدود، وكرميئيل، وعشرات المواقع الأخرى. كان الأصدقاء والأقارب والزملاء جميعًا يرسلون تحديثات من مختلف الاحتجاجات. شارك والداي في تل أبيب صورة لا تصدق تظهر عشرات الآلاف من الأشخاص يغلقون طريق أيالون السريع، أهم طريق مرورية في المدينة.
ولفت إلى أنه “قبل ساعة، كان كل هؤلاء في المنزل، ولم يكن أي منهم يخطط لقضاء الليل في التظاهر. لقد دفعهم تهور نتنياهو إلى هذا”.
وأكد أن “رئيس الوزراء أخطأ في التقدير. ربما كان يعتقد أن الجمهور الذي تظاهر للتو ضده بأعداد كبيرة يوم السبت سيكون منهكًا ويختار البقاء في المنزل. ربما كان يعتقد أن الناس سيكونون خائفين للغاية من قراره الخطير بإزالة أحد الأصوات القليلة العاقلة من حكومته، لدرجة أنهم يقضون المساء يشاهدون التلفزيون ويتنقلون على تويتر. ربما لم يفكر حقًا في الأمر كثيرًا”.
وأكد: ما زال الوقت مبكرا لمعرفة كيف سينتهي كل هذا. لكن هناك شيئا واحدا واضح: ليلة 26 مارس/ آذار ستبقى في ذهن نتنياهو لفترة طويلة. قد يتم تذكرها في المستقبل على أنها الليلة التي فقدت فيها حكومته السيطرة في إسرائيل.