في أوائل مارس/آذار، زار رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، إسرائيل. بحسب تقارير صحفية، كانت إيران على رأس جدول الأعمال. بعد مغادرة ميلي، بدأ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، رحلة إلى الشرق الأوسط، شملت مصر وإسرائيل والأردن.
تأتي هذه الاجتماعات بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والأمريكيين بعد تحركات عدة، تدريب عسكري كبير بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وزيارة مدير وكالة المخابرات المركزية للقاء كبار القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، وأربع جولات إلى إسرائيل من قبل قائد القيادة المركزية الأمريكية في عام 2022.
في مقاله المنشور في فورين بوليسي/ Foreign Policy، يجادل ستيفن كوك، زميل دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، بأن كل هذه الزيارات تعكس ما كان لفترة طويلة ضمن المصالح الأساسية للولايات المتحدة: ضمان الأمن الإسرائيلي.
يقول: ضمان الأمن الإسرائيلي، هدف يبرره صناع السياسة الأمريكيون وأنصار إسرائيل والإسرائيليون على أسس أخلاقية: إسرائيل ضعيفة في منطقة معادية، كما تشارك الولايات المتحدة في قيمها، وهي حليف. إنها القصة التى حافظت على تدفق المساعدات على مر السنين. لكن هل هذا صحيح؟
اقرأ أيضا: معهد واشنطن: على أمريكا معالجة أسباب تآكل شرعية السلطة الفلسطينية
يضيف: ربما كان الأمر كذلك سابقا. لكن اليوم، فكرة أن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة أمريكية لتأمين وجودها، وأن البلدين يشتركان في مجموعة مشتركة من المبادئ الديمقراطية، لم يعد تفسيرا منطقيًا.
مفارقة تاريخية
في الخطاب السياسي الأمريكي، من البديهي تكرار أن إسرائيل في صراع دائم من أجل البقاء “لكن هذه الرواية تجمل مفارقة تاريخية. إسرائيل اليوم، في وضع استراتيجي أفضل من أي وقت مضى، وسيادتها لا مجال للشك فيها”.
يقول كوك : لنقم بجولة في المنطقة، لدى إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن. لها علاقات طبيعية مع البحرين والمغرب والسودان والإمارات. كما أن للإسرائيليين علاقات غير رسمية مع السعودية. تسمح قطر لتجار الماس الإسرائيليين بممارسة الأعمال التجارية في الدوحة، كما وافقت سلطنة عمان مؤخرًا على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية.
يضيف: تمكنت إسرائيل مع شركائها العرب، الولايات المتحدة، وأوروبا، من تهميش القضية الفلسطينية. تصالحت تركيا وإسرائيل بعد سنوات من القطيعة. وفي واحدة من أكثر التطورات غير المتوقعة في الشرق الأوسط في عام 2022، أنشأ لبنان وإسرائيل حدودًا بحرية، وهما شريكان من نوع ما في استغلال احتياطيات الغاز الطبيعي قبالة سواحلهما المشتركة.
تابع: من بين أعداء إسرائيل العرب المتبقين، دمر سوريا عقد من الحرب الأهلية، ولا يزال العراق غير مستقر ومركّز على هموم الداخل، ويبقى آخرون بعيدون جدًا، وغير قادرين على تهديد الأمن الإسرائيلي.
وأشار إلى أنه “بالطبع، لا تزال إيران تشكل التهديد الحقيقي وتحديًا كبيرًا لإسرائيل. وقد أثبت الإسرائيليون أنهم بارعون في مواجهته.
في السنوات الأخيرة، قاموا بضرب الإيرانيين كما يحلو لهم، سواء في سوريا أو العراق أو إيران نفسها|.
يشير المحللون إلى ذلك، مواجهة اسرائيل إيران تمثل “حرب الظل”، أو “الحرب بين الحرب”، لكن لا يبدو أنها معركة عادلة.
مخاطر إيرانية
خلال الصراع، حقق الإيرانيون بعض النجاحات في استهداف قوافل الشحن البحري الإسرائيلي في بحر العرب. لكنهم -بالكاد- كانوا قادرين على مضاهاة كفاءة الجيش الإسرائيلي وفعاليته.
يلفت كوك إلى أنه إذا كانت التقارير الأخيرة، تفيد بأن الإيرانيين سيحصلون على طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35s صحيحة، فمن الواضح أن طهران تحاول تكافؤ الفرص عسكريا .
يقول: لا شك أنه تطور مثير للقلق بالنسبة لإسرائيل، ولكن بعد كارثة موسكو في أوكرانيا، لا تبدو المعدات والعقيدة الروسية مخيفة كما كان يُفترض في السابق.
في الوقت نفسه، أكد أن دافع إيران الواضح للوصول إلى قدرات الأسلحة النووية هو شئ أكثر خطورة بكثير بالنسبة لإسرائيل من القوات التقليدية للجمهورية الإسلامية “يخشى مسؤولو الدفاع الإسرائيليون من أنه إذا حصل الإيرانيون على القنبلة، فسيؤدي ذلك إلى تقليص حرية عمل الجيش الإسرائيلي، مما يعرض أمن إسرائيل للخطر. إنها مشكلة استراتيجية، على أقل تقدير”.
وأضاف: يرغب الإسرائيليون في تدمير البرنامج النووي الإيراني، لكنهم يبدون عاجزين. لذلك، ما لم تستخدم الولايات المتحدة قواتها ضد برنامج إيران النووي، فمن المحتمل أن تضطر إسرائيل إلى إنشاء وصيانة رادع مع إيران ذات القدرة النووية.
لم تعترف الحكومة الإسرائيلية علنًا أبدًا بترسانتها النووية، لكن يُعتقد أن لديها 90 سلاحًا، ومخزونًا من البلوتونيوم يكفي لـ 100 إلى 200 قطعة أخرى “إنه الحد الأدنى من الرادع، لكن إذا أصبح الإيرانيون قوة نووية -كما هو متوقع- فمن المرجح أن يضيف الإسرائيليون إلى ترسانتهم من الأسلحة وأنظمة الإطلاق”.
وأكد أن “هذا ليس بالأمر الأمثل بالنسبة للإسرائيليين وسبب للتشاؤم، لكنه لا ينذر بموتهم”.
اقرأ أيضا: حرب أوكرانيا تزعزع ثوابت تحالفات الشرق الأوسط
الدولة الأكثر أمانا
يوضح كوك أنه إذا كانت إسرائيل تواجه تحديات أمنية خارجية، لكن “بشكل عام، لم تكن هذه الدولة أكثر أمانًا من أي وقت مضى”.
يقول: لديها جيش كبير ومتطور وقوي، إلى جانب قاعدة صناعية دفاعية عالية التقنية لدعمها. بكل المقاييس، هي دولة غنية -كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل حوالي 52000 دولار في عام 2021- وهي دولة قادرة وآمنة.
وأوضح أنه “قد ترغب واشنطن في الحفاظ على علاقاتها الدفاعية والأمنية مع تل أبيب. لكن السبب لا يمكن تفسيره بكون إسرائيل معرضة للخطر في منطقة معادية بشدة، هذا ببساطة يتعارض مع الواقع الموضوعي”.
ولفت إلى أنه “عندما يتعلق الأمر بالقيم، غالبًا ما يشير صناع السياسة الأمريكية والقادة المنتخبون إلى إسرائيل على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
إنها أكثر ديمقراطية من جيرانها، ولكن على مدار تاريخها، كافحت إسرائيل للتوفيق بين الديمقراطية وجذورها العرقية والدينية والقومية”.
يضيف: كان الأمر غير عادي عندما أصبحت القائمة الإسلامية العربية الموحدة عضوا في الائتلاف الحاكم في عام 2021. لكن تلك الحكومة، التي استمرت عامًا، ربما كانت استثناءً لإثبات القاعدة -غير الرسمية- التي تنص على أن العرب يمكنهم الجلوس في الكنيست، ولكن لا يجب أن يكون لديهم السلطة.
أيضا، من الناحية الرسمية، يتمتع المواطنون اليهود وغير اليهود في الدولة بنفس الحقوق. ومع ذلك، في الممارسة العملية، المجتمع الإسرائيلي يختلف عن هذا. على الرغم من حدوث تحسينات في متوسط العمر المتوقع، ومعدلات المواليد، والتوظيف، فإن ما يسمى بـ “القطاع العربي في إسرائيل” محروم كما توضح مجموعة من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية.
وبشكل عام، المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل هم أكثر فقراً وأقل تعليماً، ولديهم فرص أقل من اليهود الإسرائيليين.
الحاجة إلى رواية جديدة
يؤكد كوك أن الأمر لا يقتصر على التمييز ضد الفلسطينيين في إسرائيل -عرب إسرائيل- بل في السنوات الأخيرة، أقر المشرعون الإسرائيليون تشريعات تضييق الخناق على المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلًا أجنبيًا، وأقرت “قانون الدولة القومية” الذي يضفي أساسًا الطابع الرسمي على المواطنة من الدرجة الأولى والثانية لليهود ثم العرب، على التوالي، في المجتمع الإسرائيلي.
يقول: تم تجاهل هذه القضايا إلى حد كبير في الولايات المتحدة. في أحسن الأحوال، تم دفنها في تقارير وزارة الخارجية التي لم يقرأها سوى عدد قليل. لطالما كانت إسرائيل ديمقراطية بما يكفي لرؤساء الولايات المتحدة وأعضاء الكونجرس.
ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية تجعل من الصعب تجاهل عيوب الديمقراطية الإسرائيلية. حيث تسعى إلى إضعاف الضوابط والتوازنات في النظام السياسي، وإعادة تعريف الهوية الإسرائيلية على أسس دينية لا يتشاركها غالبية الإسرائيليين، وتقويض أمن مواطني مجتمع الميم، وضم أجزاء من الضفة الغربية.
يضيف: إن وزراء الحكومة الفاشيين والعنصريين -الذين لم يقدموا أي اعتذار عن آرائهم للعالم- يقودون هذه الأجندة. ويعلنون أن مصلحتهم الوحيدة هي الوطن والرب.
ويؤكد أنه “ليس من المناسب للولايات المتحدة أن تخبر الإسرائيليين كيف يعيشون أو ينظمون مجتمعهم. لكن، دعونا لا نتظاهر بعد الآن بأن البلدين يشتركان في القيم الديمقراطية”.
ربما تثبت الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة ضد الحكومة أن ممارسات إسرائيل الديمقراطية أقوى من الديماجوجيين -فكر يلجأ أصحابه إلى ضرورة إصلاح نظام الحكم والوطن بشكل فوري مستخدمين وسائل العنف وتتعارض مع نظام الحكم الديمقراطي- فيها. سيكون هذا شيئًا جيدًا للإسرائيليين ويعزز الجدل حول القيم، لكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركائه لا يتراجعون.
ويختتم: في السنوات الأخيرة، أصبحت إسرائيل أكثر أمنًا وأقل ديمقراطية. إذا أرادت إسرائيل وأنصارها أن تستمر الدولة في تلقي الهبات الأمريكية، فسوف يحتاجون إلى ابتكار رواية جديدة.