لا تزال شروط الترشح للرئاسة الليبية، بين نقاط رئيسية، تعرقل التوافق السياسي بين مجلس الدولة الذي يُصر على رفض ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والبرلمان الذى يرى في ذلك إقصاءً، ويفضل ترك الخيار لليبيين، بعدما كان هناك شبه اتفاق لتجاوز هذا الشروط، كان من شأنه تسهيل الوصول إلى انتخابات رئاسية تهدئ من الأوضاع في الداخل الليبي.
ويواجه مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ضغوطًا دولية بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما انعكس في خطوة التوافق بين الكيانين على التعديل الدستوري الـ 13، والذي يتضمن تحديد أدوار الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان وضمان الأساس الدستوري للانتخابات.
ويفترض، بحسب التعديل الذي جاء في 34 بندًا أن يجري تشكيل لجنة من 12 عضوًا بواقع 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة للتوافق بأغلبية الثلثين من أعضاء كل مجلس لإعداد قوانين الاستفتاء والانتخابات، وفي حال عدم التوافق على النقاط الخلافية تضع اللجنة آلية لاتخاذ قرار بشأنها يكون نهائيًا وملزمًا وتحال إلى مجلس النواب لإقرار القوانين وإصدارها كما توافق عليها دون تعديل.
اقرأ أيضًا: ليس بالانتخابات وحدها ستحل مشاكل ليبيا
وحمل التعديل عدة دلالات فهو من جانب يمثل محاولة لإثبات فاعلية دور المجلسين، بعد تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي أن كلاهما، مجلس النواب والمجلس الأعلى “لم يتمكنا من الاتفاق على أساس دستوري توافقي للانتخابات”، والتي كان مقرر إجرائها نهاية ديسمبر 2021.
ومن جانب آخر، يقطع التعديل، الطريق على مبادرة المبعوث الأممي والتي تتضمن تشكيل لجنة لإعداد الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات، والتي تعني تحييد دور مجلسي النواب والدولة، والحد من نفوذهما، عبر مسار سياسى جديد يشارك فى صياغته نخب ممثلة للمجتمع المدني والقبائل والشباب والنساء.
وفى السياق، انتقد عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، في حوار تلفزيوني خطة المبعوث الأممى وقال إن مهمة البعثة الأممية مساعدة الليبيين وليس اختيار من يحكم، لافتًا إلى أن “باتيلي ليس أكثر حرصًا منا على مصالح الليبيين، ولا يحق له تشكيل أجسام سياسية”.
في الوقت ذاته، تُثار أسئلة عدة حول أسباب التعديل الدستوري الأخير، وما إذا كان سيمثل فرصة للتوافق السياسى، ويقطع الطريق على تمديد المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات، ويحد من حالة الفوضى بما فيها من اشتباكات وعنف ونزوح، وتدخلات أجنبية.
هل يمثل التعديل الـ 13 حلًا؟
يوسف الفارسي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة درنة، يرى أن دلالة توقيت إعلان المجلس الأعلى للدولة للموافقة على التعديل الدستوري بشأن الانتخابات ترتبط بإطلاق مبادرة المبعوث الأممي، أي أن الموافقة تأتي في إطار مساعي المجلس الأعلى لعدم تجاوز دوره من قبل المبعوث الأممي بجانب رغبته في الاستمرار في السلطة.
كما يضيف الفارسي أن المجلسين الأعلى والنواب في منعطف خطير، إذ أن المجتمع الدولي لديه إرادة سياسية حقيقية في إنهاء الأزمة الليبية بعيدًا عن المجلسين اللذين طالما انتهجا سياسة المراوغة والمماطلة لفترة طويلة.
ويرى الفارسي أن مبادرة المبعوث الأممي تمتلك فرصة حقيقية تمكنها من حلحلة الخلافات. كما أنها حظيت بقبول من جانب العديد من الأحزاب. لا سيما وأنها تأخذ خطوات سريعة مع الخبراء والقانونيين والقضاة في طريق الإشراف على مشروع الانتخابات المقبلة.
اقرأ أيضًا: زيارة بلينكن.. الدعم الاقتصادي مقابل ملفات روسيا وليبيا وحقوق الإنسان
فيما يرى عبد الهادي ربيع الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، أن التعديل الدستوري لا يخرج عن كونه مناورة من المجلسين لضمان تمديد الفترة الانتقالية، مع الإشارة إلى أن أي قاعدة دستورية لا تتضمن شروط الترشح للرئاسة، وهي النقطة الخلافية بين الأطراف، تعد والعدم سواء.
كما يشير ربيع، أن التعديل خطوة مهمة نسبيًا في إطار التوافق بين المجلسين، لكن التوقف عندها لا يعني تحقيق أي شيء، لا سيما وأن دافع المجلسين لهذا التعديل بعد أشهر من المماطلة، هو خشيتهم من الخطة الأممية التي تلقى دعمًا أمريكيًا كبيرًا والتي تتضمن تشكيل لجنة تقوم بدور المجلسين في الإعداد والإشراف على الانتخابات، ما يشكل تهديدًا بالنسبة لمهام المجلسين.
وفي حالة النظر إلى إمكانية الأخذ بالتعديل الدستوري الـ 13 الأخير كحجر زاوية في خارطة الطريق نحو إجراء الانتخابات، يرى الفارسي أن موافقة المجلسين لا تملك أي وزن سياسي بالنسبة للمجتمع الدولي، كما لا تزال مشكلة الجنسية لم تحسم في شروط الترشح، في حين أن الأمم المتحدة في طريقها نحو توجيه الجهود والإمكانات نحو تمرير مبادرة باتيلي، وبالتالي تقليص الفرص أمام المجلسين “الأعلى للدولة والنواب”.
ويشير الفارسي إلى أن انتشار السلاح والميليشيات المسلحة في غرب ليبيا يخلق حالة من السيولة الأمنية والفوضى والتي تهدد بدورها عملية عقد الانتخابات، أي أنه لا يمكن الحديث عن استقرار سياسي بدون تهيئة الأوضاع والظروف الأمنية.
مبادرة الأمم المتحدة
تعتبر المبادرة التي أطلقها المبعوث الأممي بمثابة تحول نوعي في إدارة المشهد السياسي في ليبيا من جانب المجتمع الدولي. وتعمل على تيسير اعتماد الإطار القانوني وخارطة الطريق المحددة زمنيًا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في هذا العام.
وتتضمن المبادرة خطوات إنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع كل أصحاب المصلحة الليبيين ذوي الصلة، بما في ذلك ممثلي المؤسسات والشخصيات السياسية الرئيسية، وزعماء القبائل ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية الفاعلة.
وقال الممثل المناوب للولايات المتحدة للشؤون السياسية الخاصة في الأمم المتحدة، روبرت وود، إن بلاده تدعم بالكامل آلية تمكين الانتخابات المقترحة.
المبادرة التي أطلقها الممثل الأممي تتباين ردود الأفعال الدولية والإقليمية حولها، فهي من ناحية تتلقى دعمًا أمريكيا، إلا أنها تواجه تحفظات إقليمية ودولية، إذ أعربت مصر عن رفضها لهذه المبادرة، وحذرت روسيا أمام مجلس الأمن من خطورة التسرع في تنظيم الانتخابات.
سيناريو محتمل
يزداد الموقف تعقيدًا داخل المشهد الليبي، وتكثر التحديات التي تقف أمام الوصول إلى الانتخابات التي يعول عليها الليبيون لإنهاء سنوات من الفرقة والمعاناة. يؤكد عبد الهادي ربيع أنه بالنسبة لسيناريو نجاح إجراء الانتخابات هذا العام بدعم المبادرة الأممية، فأنه يواجه العديد من التحديات سواء من الداخل أو الخارج.
كما يشير ربيع إلى انتشار المليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية وتعارض القوانين وقاعدة دستورية لا تتضمن شروط الترشح وانقسام سياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية.