خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني مصر إلى B3 من B2، لكنها حسنت في الوقت ذاته نظرتها المستقبلية إلى مستقرة بدلاً من سلبية، ما يعطي دلالة على وجود تحديات اقتصادية حالية تتوقع المؤسسة أن تستقر مستقبلاً.
تسيطر “موديز” و”ستاندر آندبورز” على تصنيف أكثر من 80% من إصدارات الدين حول العالم سواء للشركات أو البنوك وبإضافة “فيتش”، الأقل في الانتشار، تزيد نسبة سيطرتهم معًا على قرابة 95% من سوق إصدارات الديون بالعالم.
لدى مؤسسات التصنيف الائتماني مستويات متشابهة للتقييم فيعتبر التصنيف “Aaa” من قبل موديز و”AAA” من قبل ستاندر آند بورز و”فيتش” أعلى تصنيف يمكن الحصول عليه ويتبعه “Aa “أو”AA” ثم “A” ثم Baa لموديز أو BBB للمؤسسات الأخرى وتضاف (-) أو (+) إلى التصنيف للتمييز فيما بين التصنيفات حيث مثلا التصنيف A+ أعلى من A, A أعلى من A.
اقرأ أيضا.. القطاع الخاص غير النفطي.. الانكماش يدخل شهره الـ 26 والأجواء تشاؤمية
أما التصنيفات “Ba” أو “BB” يليها “B” ثم “CCC” أو “Caa” ثم “CC” أو “Ca” ثم “C” وهي جميعًا تصنيفات تتسم بالمخاطر ويشير التصنيف “D” وهو اختصار لـ Default إلى التخلف عن سداد الالتزامات المالية.
أرجعت “موديز” في تقريرها الأخير التخفيض إلى تراجع قدرة الاقتصاد المحلي على امتصاص الصدمات، في الوقت الذي يخضع فيه لتغيير هيكلي نحو نموذج نمو يقوده القطاع الخاص في ظل نظام سعر صرف مرن، إذ تراجعت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية السائلة إلى 26.7 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الثاني انخفاضًا من 29.3 مليار دولار في إبريل/نيسان 2022، بحسب الوكالة (والأصول السائلة هي الأصول المتاحة للاستخدام بحرية لتسوية المعاملات الدولية).
كما ارتفع صافي المطلوبات الأجنبية من 13 مليار دولار إلى 20 مليار دولار خلال الفترة الزمنية ذاتها ما يجعل مصر تواجه بعض متطلبات خدمة الديون الكبيرة في المستقبل القريب حيث تستحق 20.4 مليار دولار في السنة المالية 2024 و23.2 مليار دولار في العام التالي.
للمساعدة في تغطية التزاماتها، تخطط الحكومة لجمع حوالي 9 مليارات دولار من خلال بيع الأصول المملوكة للدولة ومن المتوقع أيضًا جمع حوالي 5 مليارات دولار من المقرضين الرسميين، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار التي قدمها صندوق النقد الدولي.
كلمة السر.. بيع أصول الدولة
تأثر الاقتصاد المصري بشدة بفقدان عائدات السياحة خلال جائحة كورونا، تلاه ارتفاع حاد في أسعار الحبوب والوقود المستورد نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا، وفقد الجنيه المصري قرابة 50% من قيمته أمام الدولار خلال العام الماضي نتيجة ثلاث تخفيضات كان آخرها في يناير/كانون الثاني الماضي. ما رفع معدل التضخم إلى أعلى مستوى له في خمس سنوات بأكثر من 21% في ديسمبر/كانون الأول، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل أسرع بنسبة 37%. وهذا بالطبع حسب التقديرات الرسمية، فيما ترى تقديرات غير رسمية أن التضخم بلغ 100%.
سيدعم بيع الأصول الحكومية في توليد تدفقات رأسمالية مستدامة غير متعلقة بالديون لمواجهة مدفوعات خدمة الدين الخارجية المتزايدة خلال العام المقبل، ورغم الالتزام الواضح بسعر صرف مرن تمامًا، فإن قدرة الحكومة على إدارة الآثار المترتبة على التضخم والاستقرار الاجتماعي لم تتحقق بعد، بحسب الوكالة.
كما أن استراتيجية بيع الأصول المملوكة للدولة التي أعلنتها الحكومة ستستغرق وقتًا لتقليل مخاطر الضعف الخارجية لمصر بشكل ملموس، ولذلك ترى أن هناك توازنا بين مخاطر الصعود والهبوط، وتتعلق مخاطر الجانب السلبي بالسيولة التي تنعكس في الظروف الدولية الخاصة برفع الفائدة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي وضغوط الإنفاق الاجتماعي في بيئة تضخمية.
واستندت الوكالة “أي موديز” في نظرتها المستقبلية المستقرة إلى وجود عوامل تخفف من هذه المخاطر من خلال قاعدة التمويل المحلي المخصصة للحكومة وسجلها السابق في توليد فوائض أولية باستمرار والتي تتوقع “موديز” أنها ستساعد في تقليل عبء الديون بعد ما أسمته بــ”الانتكاسة المؤقتة”.
من المتوقع أن تؤدي إصلاحات القدرة التنافسية المعلنة لتعزيز قاعدة صادرات الاقتصاد وتدعم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي بدورها ستعزز القدرة على تحمل الدين الخارجي للاقتصاد وتقلل بشكل مستدام من مخاطر الضعف الخارجية للاقتصاد.
مصر عالية المخاطر
بمرور الوقت، من المفترض أن تجعل القيمة المنخفضة للجنيه الصادرات المصرية أكثر قدرة على المنافسة، وإذا نجح برنامج الإصلاح، فقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تعزيز الثقة في الاقتصاد، وبالتالي المساعدة في جذب الاستثمار بالعملة الأجنبية الذي تشتد الحاجة إليه.
كالي ديفيس، محللة شئون مصر بشركة أكسفورد إيكونوميكس، يرى إن مصر تشهد تحولًا من حيث طبيعة التمويل الذي ترغب دول مجلس التعاون الخليجي في تقديمه إذ يبدو أنها تريد المزيد من العوائد الفورية والملموسة.
بحسب “ديفيس” فإنه من المقرر أن يتحقق هذا إلى حد كبير من خلال شراء الأصول المملوكة للدولة، والتي تخضع لمزيد من العقبات البيروقراطية والتنظيمية، ما يزيد من احتمالية تأخيرها في ظل وجود مصالح مكتسبة في القطاع العام كما يتضح من التأخير في برامج بيع الأصول المتصورة سابقًا، على حد قوله.
أحمد العطيفي، الخبير المالي، يقول إن وكالات التصنيف الائتماني تحدد توجهات المستثمرين في العالم كله، وكذلك العائد المطلوب للاستثمار بأي دولة والمخاطر، مضيفًا أن تصنيف مصر يضعها في مجموعة “بي” التي تعني دول عالية المخاطر.
نشأت وكالات التصنيف الائتماني لتقديم تقييم غير منحاز للمستثمرين من أجل القيام باستثماراتهم وبالمقابل يقدم المستثمرون مقابلاً لخدمة التقييم التي قامت بها تلك الشركات، ومن أبرز عناصر مؤسسات التصنيف: قياس الاحتمالات المتعلقة بوجود عجز في الوفاء بالالتزامات أو عجز عن تحصيل الديون من الغير على المدى القصير والطويل.
أضاف العطيفي أن ذلك التصنيف يجعل مصر تدفع فائدة كبيرة للاستثمارات في أدوات الدين ويطلق على الدول التي تنتمي لهذه العائلة بأنها ذات طابع مضاربات وعالية المخاطر، أو بمعنى آخر تقديم علاوة للمستثمر الأجنبي للاستثمار في أي مشروع أو أدوات دين محليه أو أسهم.
يقول “العطيفي” إن ذلك التصنيف يضع مصر في منعطف وطريق بدايته صعبة، فلو تحقق إصلاح اقتصادي جيد وتنفيذ سريع ممكن يتم تغيير ذلك التصنيف خلال 6 أشهر. وتقرير مؤسسة “موديز” أشار إلى إمكانية رفع التصنيف الائتماني لمصر، من خلال تنفيذ الدولة المصرية لمجموعة من الإصلاحات التي تتعلق بتعزيز القُدرة التنافسية للاقتصاد، فضلًا على تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
الرد على موديز
ربما كانت تلك النقطة تحديدا التي دفعت وزارة المالية لإصدار بيان مطول اليوم للتعليق على وكالة “موديز”، فالدكتور محمد معيط وزير المالية، قال في البيان الذي حصل “مصر 360” على نسخة منه، إن التصنيف الائتماني لمصر تم تخفيضه إلى B3 مع نظرة مُستقبلية مُستقرة، رغم ما اتخذته الحكومة من إجراءات وسياسات وتدابير متكاملة أسهمت في قيام مؤسسة “ستاندرد آند بورز” خلال الأسبوعين الماضيين، بتثبيت التصنيف الائتماني لمصر، مع نظرة مُستقبلية مُستقرة.
يُستشف من وزارة المالية أن حيثيات موديز في تخفيض التصنيف تم تجاوزها خاصة فى ظل الالتزام بوتيرة الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولى باتفاق يمتد إلى 48 شهرًا، ما يسمح بالحصول على التمويل الكافي لتلبية الاحتياجات الخارجية للبلاد والحفاظ على الانضباط المالى وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري.
أشار “معيط” إلى تحقيق قناة السويس حصيلة تعتبر الأعلى تاريخيًا وصلت 7 مليارات دولار، وتحقيق قطاع السياحة إيرادات بنحو 10.7 مليار دولار فى ظل التدفقات القوية من أسواق متنوعة مثل دول الخليج وألمانيا وبولندا، إضافة إلى زيادة حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 71% لتحقق نحو 9.1 مليار دولار مقارنة بنحو 5.2مليار دولار في العام الذي يسبقه، وتنوعها بين العديد من القطاعات وأهمها: الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
بحسب بيان وزارة المالية، فقد ارتفعت حصيلة الصادرات غير البترولية ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 29% سنويًا على ضوء زيادة الصادرات من الأسمدة والأدوية والملابس الجاهزة، بجانب فائض الميزان التجاري البترولي 4.4 مليار دولار على ضوء التوسع في الصادرات من الغاز الطبيعي التي وصلت حصيلتها الشهرية إلى نحو 700 مليون دولار، مؤخرًا.