يدفع التغير المناخي معدل الهجرة الداخلية والخارجية في إفريقيا إلى التصاعد بشكل خطر، لما يتركه من آثار تهدد سُبل العيش، وما يضيفه من صعوبات وأعباء جديدة على السكان. فالمناطق المتأثرة بالتغير المناخي غالبًا ما تكون طاردة للسكان، غير مناسبة للمعيشة. ولعل لهذه الأسباب حظي موضوع الهجرة المناخية باهتمام في مؤتمر المناخ السابع والعشرين (COP27) المنعقد في مدينة شرم الشيخ في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
تظهر التقارير أن إفريقيا هي الأكثر تأثرًا على مستوى التغيرات المناخية. ما سيجعل الهجرة منها ظاهرة مستقبلية، مدفوعة بعدة عوامل؛ منها الصراعات والحروب وأزمات الغذاء والصحة وتأثيرات عديدة على ظروف البيئة، كتصاعد ظواهر الجفاف والتصحر والفيضانات. وكلها تؤثر على سُبل العيش وأنشطة الزراعة والصيد والتجارة والملاحة.
وتقول أيساتا كين، كبيرة المستشارين لدى المنظمة الدولية للهجرة، إن تغير المناخ والعوامل البيئية كان لها تأثير منذ زمن بعيد على تدفقات الهجرة العالمية. حيث هجر الناس تاريخيًا الأماكن التي تشهد ظروفًا قاسية أو متدهورة.
تشير التوقعات إلى زيادة عدد الأشخاص الذين ينتقلون بحثًا عن سبل عيش أفضل من 1.5% من سكان إفريقيا إلى 5% بحلول عام 2050. أي ما يعادل نحو 113 مليون شخص.
وبحسب البنك الدولي، يرجح وصول عدد المهاجرين داخليًا بسبب تغير المناخ إلى 216 مليونًا على مستوى العالم بحلول عام 2050. ويتوقع أن يحدث ذلك بداية من عام 2030 نتيجة شح المياه، وتراجع إنتاجية المحاصيل، وارتفاع منسوب سطح البحر. وقد تشهد إفريقيا جنوب الصحراء هجرة داخلية لما يصل إلى 86 مليون شخص بسبب العوامل ذاتها.
جفاف وفيضانات
تواجه إفريقيا، القارة الغارقة في الأزمات، مخاطر مستجدة، تدفع السكان إلى الهجرة بنوعيها، الداخلية والخارجية. وتتمثل هذه المخاطر في ارتفاع درجات الحراراة والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى الصراعات والنزاعات المسلحة.
أنطونيو فيتورينو، المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، شدد -في تصريحات سابقة- على ضرورة اتخاذ إجراءات للتصدي للتحديات التي يفرضها تغير المناخ على التنقل البشري في إفريقيا. وطالب بزيادة الإجراءات التي تساهم في التكيف مع تغير المناخ، وتعزيز الدعم للبلدان والأشخاص الأكثر تعرضًا لتأثيرات تغير المناخ.
خلال الفترة من يونيو/ حزيران إلى أغسطس/ آب الماضي، شهدت مناطق غرب إفريقيا موسم جفاف سيئ إلى أدخل 43 مليون شخص في مواجهة الطوارئ.
وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أشار تقرير لبرنامج الأغذية العالمي إلى تأثّر 5 ملايين شخص في 19 دولة بغرب ووسط القارة، بهطول أمطار فوق معدلها السنوي، ما أحدث فيضانات أثرت على سُبل العيش، وشرّد عشرات الآلاف، ودمّر أكثر من مليون هكتار من الأراضي الزراعية.
وتبلغ نسبة الهجرة السنوية من غرب ووسط القارة إلى 7 ملايين طفل. وبينما ما يقارب 75% منهم ينتقلون من بلد إلى آخر في إفريقيا، يهاجر واحد من بين خمسة أطفال إلى أوروبا، وفق تقديرات اليونسيف.
ارتفاع الحرارة
تقول المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لإفريقيا، الدكتورة ماتشيديسو مويتي: “من المهم أن يتوصل قادة العالم إلى اتفاق بشأن وقف ارتفاع درجات الحرارة خلال (COP27). فنحن كقارة الأقل مسئولية عن الاحتباس الحراري. لكننا من بين أول من عانى من تأثيراته المأساوية.
ويتوقع أن تشهد البلدان الإفريقية التي تقع قرابة خط الاستواء زيادة في تواتر الحرارة المرتفعة. تشهد مناطق وسط القارة بالفعل موجات حرارة مرتفعة تتراوح بين ٨ و١٠ موجات في المتوسط سنويًا. وتشهد مناطق شرق أفريقيا والساحل الأطلسي لجنوب أفريقيا— أيضًا تواترًا متزايدًا لموجات الحرارة المرتفعة، مما يساهم فى زيادة معدلات الموت ومن المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي إلى تضخيم المخاطر الأمنية المتعددة في إفريقيا.
أزمة صحية
أثرت جائحة كورونا على الهجرة بشكل غير متناسب في دول الاقتصادات النامية، لا سيما في إفريقيا. كما كان لإغلاق الحدود والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لـ COVID-19 تأثير كبير بشكل خاص على حياة المهاجرين.
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الأزمة المرتبطة بالمناخ تتفاقم في منطقة القرن الإفريقي مع زيادة تفشي الأمراض. إذ أن حالات تفشي الجمرة الخبيثة والحصبة والكوليرا والتهاب السحايا والأمراض المعدية الأخرى تبلغ أكثر من 80% من الأمراض المبلغ عنها. وقد سُجل في منطقة القرن الإفريقي تفشي 39 حالة للأمراض بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول 2022.
تأثيرات كبيرة
يؤدي تغير المناخ في كثير من الأحيان إلى التأثير على إنتاج الغذاء. كما يؤثر على الزراعة والرعي وصيد الأسماك. وهذا يعمق فجوات الإنتاج الغذائي.
قبيل انعقاد قمة شرم الشيخ، حذرت منظمة الصحة العالمية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية من تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي والصحة في القارة السمراء. وذكرتا بأن الجفاف والفيضانات في منطقة القرن الإفريقي دفعا بنحو 47 مليون شخص نحو الجوع الحاد.
هناك 18 مليون عامل مهاجر موسمي في إفريقيا، يعمل 80% منهم في قطاعات الزراعة والتعدين وصيد الأسماك، وتؤدي الظروف المناخية المتدهورة إلى تحويل الهجرة الموسمية إلى استراتيجية غير فعالة للكثيرين. ومع ذلك، فإن هذه الظروف هي إحدى العوامل المساهمة في المزيد من الهجرة الدائمة والتشريد.
مواسم للهجرة
يعمل تغير المناخ على إعادة تشكيل أنماط الهجرة. وحسب التقرير العالمي حول النزوح الداخلي لعام 2022 الصادر عن مركز رصد النزوح الداخلي، فقد أدت الكوارث المرتبطة بالأخطار الطبيعية إلى 23.7 مليون حالة نزوح داخلي.
كما أن معدلات الهجرة الداخلية والخارجية والهجرة الموسمية مرشحة للزيادة، وهناك توقعات بأن تشهد إفريقيا جنوب الصحراء انتقال ما يصل إلى 86 مليون شخص داخل الحدود الوطنية.
سيشكّل شمال إفريقيا النسبة الأكبر كواجهة للهجرة بسبب المناخ والصراعات والهشاشة الاقتصادية بكثير من دول الجنوب، مع توقّع انتقال 19.3 مليون شخص، أي ما يعادل حوالي 9% من سكان المنطقة. ويرجع ذلك أساسًا إلى تفاقم ندرة المياه.
توصيات
أمام توقعات بارتفاع معدلات الهجرة من إفريقيا، وجهت عدة منظمات دولية توصيات من أجل الحد من آثار التغيرات المناخية.
وقد أوصى الاتحاد الإفريقي بإجراءات لتجنب وتقليل ومعالجة النزوح المرتبط بتغير المناخ، بما في ذلك طرق تسهيل مسارات الهجرة الآمنة والمنظمة.
كما أطلقت شبكة الأمم المتحدة للهجرة نداءً لوضع قضية الهجرة كموضوع مركزي في قمة تغير المناخ، دعمًا للمجتمعات التي تعاني من آثار التغيرات المناخية. حيث دعت في بيان صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إلى دعم قدرة الأفراد على الصمود والتكيف مع تغير المناخ، عبر إتاحة تنقل اليد العاملة وتوفير العمل اللائق، وترسيخ ثقافة القبول، ومنح الإعفاءات من التأشيرات.