في 22 مارس/ أذار، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وولي عهد الإمارات محمد بن زايد في شرم الشيخ. وهو الاجتماع الذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه “خطوة غير مسبوقة”. تأتي القمة الثلاثية بعد وقت ليس بعيد من الزيارة الأولى التي التقى فيها بينيت بالرئيس المصري في سبتمبر/أيلول 2021. في دلالة لأهمية وساطة القاهرة في العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
في الوقت نفسه، يبدو أن الإمارات -خاصة بعد التطبيع مع إسرائيل- تحاول خلق دور لها على مائدة التفاوض في أكثر صراعات الشرق الأوسط تعقيدًا. مع إدراك أن القاهرة لاعب إقليمي أساسي، ومفاوض رئيسي بين إسرائيل وحماس. وهو الدور الذي عاد إلى الصدارة عندما ساعدت القاهرة في التفاوض على وقف إطلاق النار. خلال العدوان الأخير على قطاع غزة في مايو/أيار 2021.
لعقود طويلة، اعتمد الإسرائيليون والفصائل الفلسطينية مصر كوسيط رئيسي بينهما. حتى في فترة الضعف السياسي التي تلت ثورات الربيع العربي 2011. في تلك السنوات، كانت القاهرة حساسة بشكل خاص تجاه أي توسع في علاقات حماس مع إيران وقطر وتركيا. وأشار البعض إلى احتمالية قلق القاهرة من أن موجة التطبيع الإسرائيلية الأخيرة مع دول عربية مختلفة. قد تقلل من مكاسب السلام التي حصلت عليها مصر من واشنطن منذ أيام كامب ديفيد.
هنا، تبدو أهمية إظهار القاهرة درجة معينة من السيطرة على حماس، وتقديم حركة دبلوماسية حقيقية. لمعالجة هذه المخاوف وتحقيق أهدافها الإقليمية. وذلك في مقابل الوعود والإغراءات الإماراتية التي تحاول محو اتفاقيات إبراهيم من أذهان المتشبثين بالقضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا: المنطقة “ج”.. تنسيق عسكري “مصري- إسرائيلي” فرضته المستجدات
مصر وإعادة الإعمار
ارتبط الدور المصري في قطاع غزة منذ عام 2006 -وهو العام الذي سيطرت فيه حركة حماس على القطاع- بملفات ذات بعدين أمني واقتصادي. حيث لعبت مصر دور الوسيط في تحريك ملف التهدئة، وكان لجهاز المخابرات العامة، باختلاف قياداته طوال تلك الأعوام الـ 16، الدور الأساسي في التوصل إلى اتفاقيات تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل. والتي كان أشهرها إعلاميًا الصفقة التي تمت في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2011. وهي الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي تمت فيها عملية الأسر، ومكان الاحتجاز والتفاوض، داخل الأرض المحتلة. وتضمنت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في مقابل 1027 أسير فلسطيني.
وفي 18 مايو/أيار 2021. وبينما كان القتال في غزة لا يزال مستمراً -وهي المعركة التي عُرفت باسم “سيف القدس” بالنسبة للفلسطينيين، بينما أطلقت عليها إسرائيل “عملية حارس الأسوار”- أعلن السيسي أن مصر ستخصص 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع. بالفعل، أعلنت القاهرة أن العمال أكملوا المرحلة الأولية من إعادة الإعمار -إزالة الأنقاض من المباني المدمرة- وبدأوا المرحلة الثانية -تشييد المباني السكنية والبنية التحتية.
لكن، خلال حلقة نقاشية بعنوان “المسؤولية الدولية في إعادة إعمار مناطق ما بعد الصراعات”. ضمن فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الرابعة بشرم الشيخ. قال الرئيس المصري: فيما يخص قطاع غزة، القطاع يحتاج أكثر بكثير من رقم الـ 500 مليون دولار”، وأضاف: “كنا نتمنى في مصر أن نساهم بأكثر من ذلك”.
تأتي سرعة إعلان مصر الدخول لإعادة إعمار غزة لسببين، أولهما إيقاف القصف الإسرائيلي على القطاع. والذي راح ضحيته عشرات الفلسطينيين. وكذلك يأتي مدفوعًا بمخاوف من أن تتدخل قوى إقليمية أخرى وتتولى الدور المطلوب كوسيط. مثلما تعهدت اللجنة الوطنية لإعادة إعمار غزة في الدوحة، بدورها، تقديم 500 مليون دولار أخرى.
القاهرة تتجنب التعاملات المالية مع حماس
في عام 2014. دارت معركة شرسة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية -على رأسها حماس- في قطاع غزة. استمرت المعركة 50 يومًا، في الفترة من يوليو/تموز إلى أواخر آب/أغسطس. وأودت بحياة 2189 فلسطينيًا على الأقل. منهم أكثر من 1486 مدنيا، طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
في ذلك الوقت. كان الرئيس المصري القادم بعد ثلاثة أعوام من الاضطرابات الداخلية. يوجه نظره إلى القطاع الذي يدرك أهميته الاستراتيجية والأمنية لمصر -بحكم عمله السابق في المخابرات العسكرية وتوليه وزارة الدفاع- ليساعد السيسي في توجيه حملة لجمع التبرعات التي جمعت 5.4 مليار دولار من التعهدات الإقليمية والدولية. تم تخصيص أكثر من ملياري دولار منها بشكل مباشر لإعادة إعمار غزة.
يلفت رامي عزيز، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية (ISGAP). إلى أن توزيع المساعدات في القطاع أمر معقد. لأن السلطات في القاهرة تتجنب التعاملات المالية المباشرة مع حماس. نظرًا لتصنيفها كمنظمة إرهابية. بدا ذلك واضحًا في عملية إعادة الإعمار الأخيرة التي أعلن السيسي أن الشركات المصرية ستتولاها.
يقول: على الرغم من أن الجيش المصري وأجهزة المخابرات قد أشرفوا على عمليات إعادة البناء. إلا أنهم لم يوقعوا أي اتفاقيات مباشرة مع حماس، بدلاً من ذلك، يعملون عبر شركات مدنية. ويُضيف: ضغطت القاهرة على حماس للسماح لمسؤولي السلطة الفلسطينية بدخول غزة للعمل كواجهات لمثل هذه المعاملات. ولكن دون جدوى حتى الآن.
اقرأ أيضا: ماجد فرج.. أحلام خلافة عباس قد تعيقها القاهرة
علاقة شائكة بين الإمارات وحماس
يرى الباحثان بمعهد الأمن القومي الإسرائيلي يويل جوزانسكي ويوهانان تزوريف أن الاحتجاجات الفلسطينية التي بدأت في 7 مايو/أيار 2021 في القدس وعملية “حراس الأسوار” التي أطلقها الجيش الإسرائيلي. كانت من الناحية العملية الاختبار الأول لاتفاقات التطبيع. فخلال الاحتجاجات التي دخلت خلالها قوات الجيش الإسرائيلي المسجد الأقصى. انتقدت الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب، ما تقوم به إسرائيل بشدة. لما وصفته بانتهاك لحقوق الفلسطينيين وحرمة المسجد. وهو النقد الذي تكرر من جانب الإمارات قبل أيام، بعد عملية الاقتحام الأخيرة للأقصى.
حمّل النقد الخليجي -الذي ركّز بشكل خاص على الأحداث في القدس- مسؤولية العنف على إسرائيل وعبّر عن حساسية الأطراف العربية الموقعة تجاه الأحداث. يقول الباحثان في التحليل المنشور بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: إلى حد كبير، أظهرت ردود فعل الموقّعين العرب اهتمامهم بالإظهار للفلسطينيين أنهم يقفون إلى جانبهم. على الرغم من العلاقات الجديدة بينهم وبين إسرائيل.
مع ذلك، كانت ردود فعل هذه الدول على القصف المتبادل بين إسرائيل وحركة حماس مختلفة تمامًا. فبينما أدانت الإمارات الإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية. فهي لم تدِن قصف إسرائيل لقطاع غزة. وبدلًا من انتقاد إسرائيل على أفعالها، زعمت صحيفة “الاتحاد” الإماراتية -بشكل عام- أن العنف يولّد العنف وأن المشاكل لا يمكن حلها من خلال إراقة الدماء. وأشارت الصحيفة إلى الدعم الإماراتي لأي تحرك “من شأنه وقف التصعيد وتعزيز ضبط النفس”.
لذلك، كانت معظم الحكومات الخليجية -باستثناء قطر- مترددة في المشاركة في إعادة بناء غزة بسبب عداء حماس لها – لا سيما الدعم الصريح للجماعة لسلسلة الهجمات على السعودية والإمارات التي شنتها قوات الحوثي المدعومة من إيران في اليمن. ويعود الجهد الأمني الإماراتي ضد حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006. تمثلت هذه الجهود في تجفيف منابع الحركة المالية داخل الإمارات، بإيقاف عمليات تحويل الأموال. إضافة إلى مصادرة أموال كانت في طريقها للتحويل إلى غزة، بعد معلومات قدمتها سلطات الاحتلال عن تلك العمليات.
التعاون في مواجهة الحركة الإسلامية
أشارت المستشرقة الإسرائيلية موران زيجا زميلة المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية، والباحثة في مركز تشايكين للاستراتيجية الجغرافية بجامعة حيفا، إلى أن صناع القرار في تل أبيب وأبو ظبي “يتوافقون أنهما يقاتلون ضد القوى “الراديكالية” في العالم العربي، ومنها المقاومة الفلسطينية، مما يزيد من جودة التنسيق الأمني بينهما”. كلك أشار جاكي خوجي، الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية أن “هناك قواسم مشتركة عديدة بين الدولتين. فالإمارات كما إسرائيل، لهما علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ومصر، وهذه الدول الأربعة تشترك في تحالف ضد إيران والمنظمات الجهادية المسلحة”.
وعلى الجانب الإسرائيلي، هناك هدفان رئيسيان لإسرائيل في التعامل مع حماس. هو انتشال جثث جنودها الذين يسقطون خلال المعارك. والتفاوض على إطلاق سراح من يتم أسرهم. في المقابل، تريد حماس من إسرائيل إطلاق سراح عدة سجناء. على غرار مبادلة شاليط في عام 2011 التي توسطت فيها مصر، ونسق مسؤولو المخابرات الألمانية آليات عملية التبادل. من بين المفرج عنهم في هذه الصفقات شخصيات بارزة في حماس. مثل يحيى السنوار، الذي شغل منصب زعيم الحركة في غزة منذ عام 2017.
وساطة مصر مؤثرة دومًا
دائما ما تطالب حماس بالإفراج عن سجناء بارزين -من فيهم بعض الذين شاركوا في عمليات- وهي نقطة شائكة بالنسبة لإسرائيل. مع ذلك، تستمر المفاوضات حتى لو ببطء. خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في نوفمبر/تشرين الثاني، قال مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل في مقابلة مع الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد إنه بالإضافة إلى مناقشة اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد في غزة. تعمل القاهرة “ليل نهار” للتوسط في تبادل الأسرى. ثم تعهد بزيارة القدس لإجراء محادثات حول هذه القضايا.
لم تتحقق رحلة مدير المخابرات المصري. لكن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد سافر إلى القاهرة في ديسمبر للغرض نفسه. في فبراير / شباط، قالت النائبة الإسرائيلية إميلي معطي للصحفيين إنه تم إحراز تقدم، على الرغم من أن المسؤولين الأمنيين المعنيين بالمسألة “دحضوا هذه الفكرة”، بحسب ما ورد.
يشير رامي عزيز إلى أنه -في الوقت الحالي- من المحتمل ألا تكون الوساطة المصرية كافية لإبرام صفقة مقايضة جديدة. نظرًا لموقف إيران تجاه اللاعبين المعنيين. يقول: قد يتعين على الدومينو الجيوسياسية الأخرى أن تهبط أولاً. ومع ذلك، يجب تعزيز دور القاهرة بنشاط، لأنه سيكون ضروريًا بمجرد أن تصبح الصفقة ممكنة.