في محاولة من الحكومة المصرية، لكسب ود الأطباء واستجابة لمطالب سابقة لهم، تزامنًا مع المواجهة الدائر رحاها، مع فيروس كورونا المستجد، “كوفيد-19″، وافق مجلس الوزراء من حيث المبدأ على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية للعاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، الصادر بالقرار بقانون رقم 14 لسنة 2014، مع الوضع في الاعتبار الملاحظات التي أبداها عدد من الوزراء، على أن تنتهي وزارة المالية ووزارة العدل وهيئة مستشاري مجلس الوزراء من الصياغة النهائية.
sss
الخطوة الأخيرة، التي جاءت في إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية بإعطاء أولوية لقطاع الصحة بصفة عامة، وأعضاء المهن الطبية من أطباء وتمريض بصفة خاصة، شهدت انقسامًا بين الأطباء بين مؤيد ومعارض لمد سن المعاش، بحسب ما قاله الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء.
“خيري” أشاد في تصريحات صحفية بالقرارات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بزيادة فئات بدل المهن الطبية، بنسبة 75%، ووصفها بـ “الجيدة”، رغم الإعلان عنها متأخرًا، في حرب الدولة مع فيروس كورونا والذي حصد بحسب تقديراته نحو 6 حالات وفاة من بين لأطباء، وحوالى 60 حالة إصابة بالفيروس، انتقلت العدوى لمعظمهم بمستشفيات العزل المنتشرة في كافة أنحاء الجمهورية.
بعد 100 يوم من ظهور كورونا.. إشادة عالمية بجهود مصر في مواجهة الوباء
نص مشروع القانون على زيادة فئات بدل المهن الطبية، بنسبة 75%، وتعديل اسمه، ورفع سن الإحالة للمعاش للمخاطبين بأحكام القانون لتصبح 65 سنة بدلاً من 60 سنة، للاستفادة من خبراتهم وكفاءتهم، مع إنشاء صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية، بهدف تكريم الشهداء من أعضاء المهن الطبية الذين يتوفون أو يصابون بعجز كلي أو جزئي بسبب العدوى والمخاطر الطبية نتيجة القيام بمهام العمل، وتعويضهم وتقديم الرعاية الاجتماعية لهم ولأسرهم عن الوفاة أو الإصابة.
منظومة تعاني من العجز
وتعاني المنظومة الصحية في مصر من مشكلة نقص الأطباء، بحسب الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة السابق بمجلس النواب وعضوها الحالي، في مقال منشور له بجريدة المصري اليوم، بتاريخ 12 يونيو 2019، وضع “مرشد” روشتة علاج بعد تشخيص أزمة الأطباء في مصر قائلا: “المعنيون بالأمور الصحية يعلمون حق المعرفة أن حل أزمة نقص الأطباء ليس بزيادة عددهم أو زيادة عدد خريجي كليات الطب على الإطلاق، بل العكس صحيح قد تنتج لدينا أزمة أكبر، مثل أزمة زيادة عدد الصيادلة عن المطلوب والتي يعاني منها كل صيادلة مصر”.
بحسب “مرشد” فإن هناك ٣٠ كلية طب بين حكومي وخاص وقوات مسلحة، تُخرج كل عام ما يقرب من ١٢٠٠٠ طبيب، وعدد الأطباء البشريين، وفقًا لآخر إحصائيات نقابة الأطباء، حوالي ٢٤٠٠٠٠، منهم حوالى ١٣٠٠٠٠ طبيب بمصر، والباقي خارج مصر، نتيجة إعارات أو هجرة تتزايد بشكل مطرد في السنوات الأخيرة.
بين الإهمال والتراخي.. استغاثة تمريض المنوفية بعد إصابة 6 طلاب من الامتياز
دول عديدة فتحت أبوابها لاستقبال الأطباء المصريين والترحيب بهم، كإنجلترا وألمانيا وكندا وأستراليا، وكثير من الدول الإفريقية، وبالتأكيد مع احتفاظ الدول العربية الشقيقة بنصيب الأسد في خريجي كليات الطب المصرية، وعلى وجه الخصوص السعودية التي بها أكثر من ٦٠٠٠٠ طبيب مصري.
وإذا فنّدنا الأطباء الموجودين بمصر وعددهم ١٣٠٠٠٠ طبيب، فإن نسبتهم للسكان هي ١.٣ طبيب لكل ١٠٠٠ مواطن، والنسبة العالمية المتفق عليها كمتوسط هي ١.٨ طبيب لكل ١٠٠٠ مواطن، وبالتالي نسبتنا ليست بعيدة.
عشوائية التوزيع
وفقا لما طرحه “مرشد” فإن الأزمة في الأطباء بالحكومة (بوزارة الصحة)، فعددهم، وفق آخر إحصاء في ٢٠١٨، هو ٥٦٩٦٥ طبيبًا، موزعين على كل القطاعات الحكومية بالوزارة، والعدد الأمثل لقطاعات وزارة الصحة هو ١٠٤٨٣٩، أي أن هناك عجزًا قدره ٥٠٤٣١ طبيبًا بالحكومة وهذا العجز يتزايد نتيجة هجرة واستقالة عدد كبير من الأطباء في السنوات الأخيرة وصل إلى حوالى ٨٠٠٠ طبيب استقالوا وتركوا العمل في آخر 4 سنوات، باقي الأطباء بمصر حوالى ٢٨٠٠٠ طبيب خاص و٢٠٠٠٠ طبيب بالمعاش ومازالوا يقدمون خدمة صحية، وحوالى ٢٠٠٠٠ طبيب بالمستشفيات الجامعية المختلفة، وعدد لا يقل عن ٥٠٠٠ بمستشفيات القوات المسلحة والشرطة، ومن ثم يقترب عدد مقدمي الخدمة من الأطباء بمصر من ١٣٠٠٠٠ طبيب، وهو عدد يكفى لتقديم خدمة طبية معقولة إذا علمنا على سبيل المثال أنه في جنوب إفريقيا هناك طبيب لكل ١٣٠٠ نسمة، وبالمغرب طبيب لكل ٢٠٠٠ نسمة، وهناك دول أقل بكثير من هذا، وعلى سبيل المثال الأسوأ النيجر والصومال، طبيب لكل ٢٥٠٠٠ نسمة. إذًا عدد الأطباء ليس لب المشكلة أو جوهرها.
وفقا لما أفاد به عضو لجنة الصحة بالبرلمان، فإن المشكلة تكمن فى نقص عدد الأطباء العاملين بالحكومة أو بوزارة الصحة وعجز إجمالي حوالى ٥٠٠٠٠ طبيب، وتزايد النقص بالاستقالة والهجرة في هؤلاء الأطباء تحديدًا، كما أن العجز نتيجة لعشوائية توزيع الأطباء، فعلى سبيل المثال محافظة القاهرة بها حوالى ١٠ ملايين نسمة، والأطباء التابعون لوزارة الصحة بها هو ٣٧٥٧ طبيبًا، بينما الغربية عدد سكانها حوالى ٥ ملايين نسمة، بها ٤١١٥ طبيبًا، بينما الإسكندرية أيضًا سكانها يتجاوزون الـ ٥ ملايين والأطباء بها ١٧٤٥ فقط، وهكذا نجد عشوائية في توزيع الأطباء فى كل المحافظات، وعشوائية أخرى في التخصصات الطبية وتوزيعها، فمن غير المعقول أن يكون العجز في أطباء التخدير والعناية وطبيب الأسرة، وهو قوام التأمين الصحي الجديد، بهذا الشكل المفزع ولا نلجأ وفورًا للتنسيق مع التعليم العالي.
العائد المادي
لسنوات طويلة رفع الأطباء مطالب بتحسين أوضاعهم المادية، وهو ما يفسره طرح “مرشد” بـ”أنه من غير المعقول، بعد ١٥ عامًا من الدراسة والتدريب يكون العائد المادي ٢٣٠٠ جنيه فى الشهر، فهناك ضرورة لعمل حافز مباشر يواجه هجرة الأطباء وتركهم عملهم لأسباب، منها كمّ الاعتداءات المتكررة والضرب والإهانة للأطباء والاعتداءات على المنشآت الصحية اليومية دون رادع، وقد تقدمنا بمشروع قانون للمسؤولية الطبية منذ عام ٢٠١٧، حتى لا يُزج بالأطباء في السجون دون جُرم مهني أو تقصير أو إهمال”.
في وقت سابق، قدرت النقابة العامة للأطباء، عدد استقالات الأطباء خلال السنوات الثلاث الأخيرة بما يقارب 6 آلاف استقالة، وهو رقم غير مسبوق.
الإحصائيات أشارت إلى استقالة عدد 1,044 طبيبًا عام 2016، واستقالة عدد 2,549 طبيبًا عام 2017، فيما بلغ عدد الأطباء المستقيلين خلال عام 2018 – حتى 30 نوفمبر الماضي 2397 طبيبًا.
على خطى عالمية.. تطبيق” صحة مصر” لمواجهة وتتبع كورونا
بحسب الدكتور محمد عبد الحميد، أمين الصندوق بنقابة الأطباء فإنها تشكل ظاهرة خطيرة، معتبرا أن الأسباب كثيرة جدًا، وراءها، منها ضعف الأجور، والاعتداء المستمر على الأطباء في معظم المستشفيات جراء نقص الإمكانيات الذي يغضب المرضى وذويهم، لينصب هذا الغضب على الأطباء وحدهم، إضافة إلى ضعف فرص الدراسات العليا وتكاليفها المرتفعة مقارنة بدخول الأطباء، وحتى الآن لا يتم تطبيق القانون الصادر عام 2014 والذي ينص على تحمل جهة العمل مصاريف الدراسات العليا للطبيب.
الرأي نفسه، يؤكده الدكتور هشام شيحة وكيل أول وزارة الصحة الأسبق، والملحق الطبي الأسبق في المملكة العربية السعودية، والذي أكد أن الأطباء المصريين العاملين في الخارج عددهم أكبر من عدد الأطباء العاملين بالداخل، مقدرًا عدد الأطباء البشريين المصريين العاملين بالمملكة العربية السعودية بحوالي 70 ألف طبيب، إضافة إلى عدة آلاف في بقية دول الخليج، وأن ما لا يقل عن 25 ألف طبيب يعملون بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وكندا.
ظاهرة غير مسبوقة
نقابة الأطباء حذرت منذ سنوات من خطورة الأزمة، واشترطت تحسين ظروف عمل الأطباء داخل مصر وأوضاعهم المادية، وتكمن الخطورة بأن ما يحدث لم تشهده الوزارة في تاريخها بسبب رفض الأطباء للنيابات وإلغاء التكليف الذي يحدث حاليًا.
يرى” شيحة ” إن عدم زيادة رواتب الأطباء، وثباتها دون تحريك (أقل من 200 دولار شهريًا في المتوسط) مع موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، ضاعف معاناتهم، خاصة شباب الأطباء والفرق الطبية المعاونة (التمريض والتخصصات الفنية)، إضافة إلى أن 80% من شباب الأطباء لا يمتلكون عيادات خاصة، وحتى العيادات الخاصة أصبحت لا تعمل كما في السابق نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية.
احتاجت مصر 51 يومًا لتصل إلى ألف مصاب منذ تفشي وباء كورونا عالميًا، بينما تطلب الأمر 8 أيام فيما بعد للوصول إلى رقم الألف الثانية، في حين لم يتطلب الوضع أقل من 6 أيام فقط لكي تصل عدد الإصابات إلى 3 آلاف إصابة، وهو ما يحذر منه متخصصون بأن منحنيات تفشي الفيروس عالميا في تصاعد مستمر، وهو ما يعنى أن البلاد على أعتاب المرحلة الثالثة، وذروة انتشار الفيروس، مما يتطلب معه التزام بالإجراءات التي أعلنتها الحكومة مؤخرًا، وأبرزها تفعيل التباعد الاجتماعي، والتقليل من التجمعات، خلال شهر رمضان، وما يشهده من طقوس وخصوصية شديدة لدي المصريين.
علاء عوض: فيروسات كورونا لا تتحمل الأجواء الحارة.. وكوفيد-19 موقفه مجهول
مشكلة نقص الأطباء تزيد خطورتها مع تقدم بعضهم بإجازات واستقالات مؤخرا، وفقا لما حذر منه أحد أبناء محافظة قنا، الصحفي يوسف أبو الوفا، عبر، فيديو على “فيس بوك” كشف فيه عن أسباب عدم افتتاح مستشفى العزل بمركز ومدينة” قفط “، والتي أعلنتها وزارة الصحة واحدة ضمن 5 مستشفيات جديدة للعزل في 24 مارس الماضي، على مستوى المحافظات، في إطار الخطة الاستباقية التي وضعتها وزارة الصحة والسكان في مواجهة فيروس كورونا المستجد، ولكن تأجل افتتاحها أكثر من مرة بسبب حصول الأطباء بالمستشفى على إجازات، والتقدم باستقالات، حيث يرفض معظمهم العمل، بحسب ما ذكره مقدم الفيديو فإن الطبيب الذي يعمل في مستشفيات وأماكن العزل يحصل على مبلغ يقدر بنحو 25 ألف جنيه خلال أسبوعين.
وبعيدا عن صحة هذه الأرقام من عدمها تكمن المشكلة فيما طرحه بأن أهالي قنا يذهبون إلى مدينة إسنا ، أو في مستشفيات العزل بأسيوط، وهو ما يتسبب في معاناة للمواطنين المصابين، تزيد أعباء إضافية عليهم.
وهو الأمر الذي أكده الدكتور جاد سيد جاد، رئيس قسم التخدير والعناية المركزة، مسئول تدريب أطباء العزل بمحافظة قنا، بأن قرار افتتاح مستشفى العزل بقفط من عدمه، ليس من اختصاصه، ولكنه حق لمديرية الصحة فقط.