صراع ومشاحنات تدور هذه الأيام داخل الأسر المصرية، تارة بالرفض وتارة أخرى بالقبول، بين مؤيد ومعارض، لخطة وزارة التربية والتعليم التي وضعتها لاستقبال العام الدراسي الجديد، بعدما أعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أن الوزارة تدرس الدمج بين نظامين، الأول معني بحضور الطلاب بشكل جزئي للمدارس، على ألا تزيد مدة حضور كل طالب عن يومين، على أن يُدمج ذلك بخطة شاملة للتعلم عن بعد في جميع الصفوف الدراسية، والآخر هو المتبع حاليًا.

لم يحظى هذا الاقتراح بقبول الجميع، فبالرغم من الدعوات والمبادرات التي قدمتها شريحة كبيرة من المصريين تدعو فيها لضرورة تفعيل التعلم عن بعد، في بداية أزمة كورونا، إلا أن الأمر اختلف تماماً بمجرد الاقتراب من تطبيق هذا النظام، وشعر أولياء الأمور بالقلق الشديد على مستقبل أبنائهم.

رفض

وضع الرافضون لهذا النظام عددًا من الأسباب والمبررات، كان في مقدمتها أنه دون ذات جدوى من حيث تركيز أبنائهم، فتقول “نوال عبد الله” أم لطفلين بمرحلة التعليم الإبتدائي، إنه كان من الصعب عليها دفع أبنائها للمذاكرة خلال السنوات السابقة، رغم أنهم كانوا ملتزمين بالذهاب بشكل يومي إلى المدرسة، فكيف لها أن تجعلهم يجلسون لمتابعة المناهج عن بعد؟، مضيفة أن هذا سيؤثر سلباً على مستوى تحصيل الطلاب، فتتراجع التقديرات بنسبة كبيرة.

وقررت “نوال” تدشين حملة بالتعاون مع عدد من أولياء الأمور لحماية أبنائهم من خطر التعلم عن بعد، موضحة أنه ربما يتناسب هذا النظام مع الدول الأخرى، لكنه من المؤكد لا يناسب الطبيعة المصرية.

تكلفة كاذبة

لم يكن الأمر يتعلق بمستوى الطلاب فحسب، فيقول “محمود خطاب” وهو مُعلم إن تكلفة التعليم عن بعد ليست منخفضة كما يرى البعض، فرغم أن جميع الطلاب سيجلسون في منازلهم، إلا أن المدارس والوزارة ستتكلف مبالغ طائلة نظرًا لأن التجهيز الإليكتروني لكل مدرسة سيلزم إعداد شبكة ذكية متصلة بشكل دائم بالإدارات التعليمية، كذلك على درجة عالية من التقنيات لتمكن جميع الطلاب وأولياء الأمور من التعامل مع حساب كل فرد بشكل جيد داخل تلك الشبكة، وهو ما لا يتوافق مع الدعوات التي تطالب بتخفيض مصروفات المدارس بسبب عدم إلزام الطلاب بالذهاب بشكل منتظم إليها، وبالتالي فيستحيل مع الأمر أن تطالب المدارس برفع المصروفات الدراسية، وستواجه باحتقان شديد من قبل المجتمع لو تم ذلك، وهو ما يعني أنها ستتكبد الإدارات فقط عبء هذه الزيادات.

عدم وجود أجهزة ذكية حديثة لدى جميع أفراد الأسرة، ولو تواجدت فما الضمان لانتظام خدمات الإنترنت لدى جميع الطلاب بشكل يومي، خاصة في ظل انقطاع الإنترنت عن بعض المناطق بالأيام، كذلك ما الضمانة وراء قدرة المعلمين في هذا الوقت على معرفة القدرة الحقيقة لكل طالب، جميعها أسئلة تدور في عقل “إيناس” إحدى مؤسسات هاشتاج (لا للتعلم عن بعد) الذي دارت فكرته حول إبراز جميع عيوب منظومة التعلم عن بعد، ومحاولة إيجاد حلول بديلة قبل بدء العام الدراسي الجديد.

وتقول إنها كانت تنوي السفر هي وابنها طالب المرحلة الثانوية إلى إحدى الدول العربية نهاية عام 2021 بعدما ينهي امتحاناته، بسبب عملها، لكنها تخاف من أن يحصل إبنها على شهادة إتمام الدراسة بطريقة التعلم عن بعد، خاصة أنه ليست جميع وزارت التعليم العالي والبحث العلمي في جميع الدول تقبل شهادات التعلم الثانوي عن بعد، وهو ما سيتسبب لها ولنجلها في كارثة محتملة.

غياب الجزء العملي

من أكثر عيوب منظومة التعلم عن بعد أنها ستقتصر على الأجزاء النظرية فقط، فيصعب تطبيق التجارب العملية أو الأنشطة خاصة لطلاب رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، وهو ما يتنافى مع خطط تطوير التعليم عالمياً التي تعتمد بدرجة كبيرة على العمل الجماعي وتكوين ورش العمل بين الطلاب، وفي هذه الحالة سيختصر دور المعلم على إعطاء المعلومات النظرية فحسب، وسيُحرم الطالب من دور المعلم ومساهمته في التنشئة الاجتماعية له.

حلول مقترحة

لا يمكن أن نفند قرار المسؤولين في التعلم عن بعد دون وضع حلول، كان من بين المقترحات التي قدمها نبيل نور الدين، الخبير التعليمي، هو إعادة تنظيم أماكن جلوس الطلاب داخل الفصول، بحيث يتسع الفصل ليجلس فيه عدد أكبر من الطلاب دون أن يشكل أي منهم خطر على الآخر، فالمتعارف عليه الآن أن طاولات جلوس الطلاب تأخذ وضعًا دائريًا، ليجلس الطلاب في وجه بعضهم البعض،  ويساعدهم ذلك في الأنشطة الجماعية، ويمكن الإستغناء عن ذلك مؤقتاً ليتم وضع الكراسي بشكل عكسي دون وجود طاولات مستديرة، بحيث يجلس كل طالب في ظهر الطالب الآخر مما يقلل خطر العدوى والإصابة داخل الفصل، كما أنه من الممكن أن يتم نزول الطلاب لوقت الراحة بالتناوب بحيث لا ينزل الجميع في وقت واحد، وهو نفسه ما يتم في وقت الخروج من المدرسة، يمكن أن يخرج الطلاب بالتناوب، جميعها أمور من شانها أن تجعل الطلاب يتلقون تعليمهم بالشكل الملائم، مع التقليل من خطر إصابتهم بعدوى كورونا، هذ بخلاف عدد آخر من المقترحات تمثلت في فتح الغرف المغلقة وغير المستغلة داخل كل مدرسة بهدف استغلالها وتحويلها إلى فصول للطلاب.