تعمل وزارة الكهرباء حاليا على إعداد الدراسات والحسابات الخاصة بتعريفة الكهرباء الجديدة وأسعار شرائح الاستهلاك المقرر تطبيقها. بعد عرضها على الحكومة واتخاذ توقيت إقرار الزيادة المؤجلة منذ يوليو/تموز الماضي.
وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو/حزيران الماضي عدم تطبيق زيادة أسعار الكهرباء للمنازل لهذا العام. وتأجيلها لمدة 6 أشهر نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها في اقتصادات مختلف دول العالم.
ورغم إعلان هيكل أسعار الكهرباء لمدة 5 سنوات تبدأ من 2020 وتنتهي 2025 فإن الوزارة بدأت إعداد الدراسات الخاصة بالتسعيرة الجديدة التي تم تأجيل تطبيقها منتصف 2022. وذلك بعد سلسلة متغيرات في المحددات الرئيسية للأسعار محليًا.
فما السيناريوهات المتوقعة لأسعار الشرائح الجديدة؟ وهل سيتم فرض زيادة أعلى في أسعارها عن التي كانت ستُطبق في يوليو/تموز الماضي؟.
رفع الدعم رغم الاكتفاء الذاتي
قبل عام 2014 عانت الدولة من أزمة على مستوى توليد الطاقة الكهربية. ما أثر في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية. لذا كان التوجه هو التوسع في إنشاء محطات توليد سواء تقليدية أو جديدة ومتجددة. حتى تمكنت الدولة من الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وتحقيق فائض 25% -غير مستغل.
ورغم تحقيق الاكتفاء الذاتي فإن الدولة لا تزال تقوم بتحريك سنوي في تسعيرة الطاقة الكهربية المباعة للمواطن. بحجة أن الموازنة العامة تتحمل دعمًا كبيرًا فيما يتعلق بسعر الغاز الموجه إلى محطات التوليد. بالإضافة إلى رغبة الحكومة في بيع الكهرباء للمستهلك بسعر التكلفة.
وفي سبيل ذلك تبنت الحكومة برنامجًا لرفع الدعم عن الكهرباء تدريجيا وإعادة هيكلة الأسعار بالكامل في السوق المحلية. بحيث يتم تحرير الدعم نهائيًا منتصف 2022.
لكن التقلبات الاقتصادية العالمية -وعلى رأسها تعويم الجنيه وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية- تسببت في اتخاذ 3 قرارات بتأجيل رفع الأسعار حتى 2025. وكان القرار الأخير في يونيو/حزيران الماضي حينما قررت الحكومة تأجيل زيادة الأسعار لنهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ودفعت التغيرات التي طرأت على السوق العالمية مؤخرًا وزارة الكهرباء لمناقشة دراسات طالبت باتباع سياسة جديدة فيما يتعلق بتحديد أسعار شرائح الاستهلاك. ومناقشة الأسعار كل 6 أشهر وفق متغيرات معادلة تكلفة الإنتاج. أسوة بما يحدث في تحديد تسعيرة المواد البترولية -وفق مصادر بالوزارة لـ”مصر 360″.
ونتيجة للتغيرات العالمية اتجهت الحكومة في يونيو/حزيران الماضي لتأجيل تطبيق زيادة الأسعار خلال 2022. رغم إعلان خريطة أسعار الشرائح للعام المالي 2022/2023. دون الإشارة إلى أن الأسعار التي ستُطبق ستكون هي ذاتها المُحددة سابقًا أم سيتم إعادة النظر في محددات الأسعار بالسوق.
الغاز وسعر صرف الجنيه وزيادات الكهرباء
خلال 7 أشهر ماضية -منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية- بدأت أسعار النفط والغاز الطبيعي في الوصول إلى مستويات قياسية. حيث تجاوز برميل النفط مع بداية الحرب حاجز 115 دولارًا قبل أن يتراجع قليلًا إلى مستوى 95 دولارًا حاليًا. في حين وصل سعر الغاز إلى 6.6 دولار لكل مليون وحدة حرارية.
وتتحكم أسعار هذه المنتجات في تحديد تسعيرة بيع الكهرباء محليًا. باعتبار أن النفط والغاز يسيطران على نحو 85% من تكلفة توليد الكهرباء. منقسمة بين 65 لـ70% للغاز و10 لـ15% للنفط.
ويقول رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة السابق -المهندس محمد السبكي- إن تسعيرة الغاز الطبيعي تتحكم في تكلفة إنتاج الكهرباء محليًا. باعتبار أن زيادة سعر الغاز والنفط يرفعان قيمة الدعم الموجه للكهرباء. خاصة أن الوزارة تحصل على الغاز بسعر 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. وتتحمل وزارة المالية نحو 25 قرشًا. في الوقت الذي يصل فيه متوسط الاستهلاك اليومي من الغاز داخل المحطات “الدورة المركبة والتقليدية” إلى نحو 3 مليارات قدم مكعب يوميًا.
وبالتالي فإن التحركات التي شهدتها السوق العالمية على مستوى سعر الغاز قد تدفع الوزارة إلى إقرار زيادة أعلى في أسعار الشرائح التي سيتم تطبيقها الفترة المقبلة.
الحل في اعتماد الطاقة المتجددة
وأضاف لـ”مصر 360″ أن الفارق الذي تتحمله الحكومة فيما يتعلق بسعر الغاز الموجه لمحطات الكهرباء نتيجة المتغيرات العالمية سيدفع الوزارة لمراجعة حساب تكلفة الإنتاج. ومن ثم إعلان الأسعار الجديدة بناء على التغيرات التي شهدتها السوق.
وبخصوص سعر صرف الجنيه مقابل الدولار فقد شهد تحركًا أيضًا لمستوى تجاوز 19.5 جنيه. وهو مستوى أعلى من المقدر بموازنة العام المالي الجاري بنحو 2 جنيه. ما يعني أن الدولة ستضطر إلى تحريك أسعار الكهرباء بمستوى قد يكون أعلى من المقدر سلفًا -وفق السبكي.
وتابع أن التحول للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة “الشمس-الرياح” يقلص بشكل كبير من استهلاك الكهرباء من الغاز. وبالتالي تقليل التأثر بارتفاعات أسعار الوقود عموما والغاز الطبيعي خصوصا.
وفي اجتماع وزاري منتصف يونيو/حزيران الماضي قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء: “تسعير الكهرباء يتم بناء على المدخلات وأهمها الوقود والغاز. تسعير الوقود كان مبنيا على سعر الدولار القديم. النهاردة الدولار بـ18.60 قرش يعني فيه 16 مليار جنيه في السنة زيادة في التكلفة”.
وأضاف: “كان فيه تحريك المفروض نحصّل منه 4 مليارات جنيه. الـ6 أشهر دول بيحملوا الدولة 10 مليارات جنيه فقط في بند الكهرباء”. فيما صرح وزير الكهرباء محمد شاكر بأن أساس حساب التعريفة يتأثر بسعر صرف الدولار. وبالتالي يكون هناك وجود مراجعة دائمة للتعريفة لأخذ مختلف التغييرات في الاعتبار.
سيناريوهات زيادة الأسعار
وبعد المتغيرات التي شهدتها السوق على مستوى مُحددات تكلفة إنتاج الكهرباء. والتي يتم أخذها في الاعتبار قبل إعلان الأسعار. فإن البعض ذهب إلى احتمالية فرض زيادة أعلى من التي كانت مُحددة سابقًا بالنسبة للشرائح. وإن كان هناك اختلاف بالنسبة لموعد تلك الزيادة سواء بداية 2023 أو تأجيلها حتى يونيو/حزيران المقبل -موعد العام المالي 2023/2024.
وكانت الوزارة أعلنت في وقت سابق أسعار الكهرباء حتى 2025. وجاءت أسعار شرائح الكهرباء للعام المالي 2021/2022 كالتالي:
الشريحة الأولى من صفر إلى 50 كيلووات (48 قرشا). الشريحة الثانية من 51 إلى 100 كيلووات (48 قرشا). الشريحة الثالثة من صفر حتى 200 كيلووات (77 قرشا). الشريحة الرابعة من 201 إلى 350 كيلووات (106 قروش). الشريحة الخامسة من 351 إلى 650 كيلووات (128 قرشا). الشريحة السادسة من 651 إلى ألف كليووات (140 قرشا). الشريحة السابعة من صفر إلى أقل من 1000 كيلووات لا يحصلون على دعم (128 قرشًا). ومن صفر لأكثر من 1000 (145 قرشا).
هل يقبل المجتمع الأسعار الجديدة؟
ويقول الرئيس السابق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك -الدكتور حافظ السلماوي- إن التسعيرة الجديدة قد تشهد تغيرًا جوهريًا عما سبق إعلانه. فمدخلات الإنتاج باتت مغايرة عن التي حُددت في موازنة عام 2022/2023.
وبالنسبة للحكومة فلها أن تُعيد صياغة تسعيرة بيع الطاقة الكهربية. لكن هنا سيتعارض الأمر مع مدى قابلية المجتمع لأي زيادة عالية في الكهرباء.
وتابع لـ”مصر 360″ أن سيناريوهات تفعيل الزيادة لم تحسم حتى الآن. فالحكومة بإمكانها تطبيق الأسعار الجديدة بداية من يناير/كانون الثاني المقبل بالنسبة نفسها التي حُددت سابقًا وتحمل جزءا من الارتفاعات التي حدثت في مدخلات تكلفة الإنتاج -الغاز وسعر الصرف.
سيناريو آخر قد يكون محتملًا وهو تعديل خريطة الأسعار ورفع حجم الزيادة لتتناسب مع المتغيرات التي حدثت. على أن تُطبق الزيادة في الموعد المحدد من قبل الحكومة في يناير/كانون الثاني المقبل -وفق السلماوي.
من جانبه توقع الدكتور محمد السبكي إمكانية إرجاء زيادة الكهرباء إلى بداية العام المالي المقبل 2023/2024. بحيث تشمل نسبة أعلى في حجم الزيادة المُعتمدة حاليًا بخطة الحكومة. “أي تغير جوهري على مستوى مدخلات الإنتاج قد يدفع الحكومة إلى تعديل الأسعار حتى 2025. الأسعار ليست ثابتة وتخضع لتغيرات تأثير السوق سواء الغاز أو سعر الصرف وباقي مدخلات الإنتاج”.
هل يتحمل المواطن فارق الزيادة؟
ووفقًا لتوجهات الحكومة فيما يتعلق بهيكلة سعر بيع الكهرباء حتى 2025. فإنها تتجه بشكل محسوم نحو رفع الدعم نهائيًا على الكهرباء. وبالتالي سيتحمل المواطن فارق التكلفة في الزيادات التي تشهدها السوق بالنسبة لمدخلات الإنتاج -بحسب محمود حمدان الخبير الاقتصادي.
وأضاف “حمدان” لـ”مصر 360″ أن الحكومة جنّبت قطاع الكهرباء من الزيادات الأخيرة الخاصة بالغاز. واقتصرت فقط على القطاع الصناعي. باعتبار أنه لا تزال هناك شرائح استهلاك تحصل على دعم من الدولة. عدا من يزيد استهلاكهم على 1000 كيلووات شهريًا.
ولفت إلى أن تحريك الدعم بشكل نهائي سينتج عنه بيع الكهرباء بسعر تكلفة الإنتاج. وفي هذه الحالة ستكون الأسعار مرتفعة للغاية عما هي عليه الآن. لذا لا بد من وضع خطط لحماية محدودي ومتوسطي الدخل من تلك الارتفاعات المتتالية في الكهرباء.
وأشار إلى أن التوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة سيحد من زيادة الأعباء الملقاة على المواطنين. باعتبار أن تكلفتها ثابتة بشكل شبه مستمر عكس محطات الكهرباء التقليدية التي تتأثر بتقلبات السوق والتوترات الاقتصادية والسياسية عالميًا ومحليًا.