تصاعدت أزمة المحامين مع مصلحة الضرائب إلى حد التظاهر، أول من أمس الخميس، أمام مبنى النقابة العامة بوسط القاهرة، احتجاجًا ورفضًا لقرار إلزامهم ضمن فئات أخرى بالتسجيل في منظومة “الفاتورة الإلكترونية”، التي اعتمدتها الدولة في ظل الاتجاه لتطبيق استراتيجية التحول الرقمي.
الفاتورة الإلكترونية هي مستند رقمي يتم فيه إثبات جميع معاملات السلع والخدمات، ويرسل ويستلم من خلال منظومة إلكترونية، تُمكن مصلحة الضرائب من مراجعته والتحقق منه لحظيًا.
وكانت مصلحة الضرائب دعت، في بيان رسمي، المنشآت الفردية سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية مثل (الدكتور والمهندس والمحامي والفنان والمحاسب القانوني والاستشاري وجميع أصحاب المهن الحرة)، إلى الالتزام بالتسجيل فى منظومة الفاتورة الإلكترونية، في موعد أقصاه 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وإرسال فواتيرهم في حالة التعامل مع منشآت مسجلة بمصلحة الضرائب على منظومة الفواتير الإلكترونية.
وفي بيانها، شددت المصلحة على أنه لا توجد أي استثناءات لأي ممول من التسجيل بمنظومة الفاتورة الإلكترونية. معلنة عن تطبيق عقوبات مالية على المخالفين في حال عدم التسجيل. وتبدأ هذه الغرامات من 20 ألفًا وتصل إلى 100 ألف جنيه. ذلك في وقت دفع المحامون بأن القرار الجديد لم يراع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها أغلب المحامين، وعاملهم باعتبارهم “تجارًا يبيعون سلعة لا أصحاب رسالة”.
المالية ترفض الرفض
احتجاجات المحامين لم تقف عندأبواب نقابتهم العامة في القاهرة، بل توسعت لتشمل عدة محافظات شهدت وقفات أخرى، في محاولة للضغط في سبيل وقف تطبيق الإجراءات الضريبية الجديدة. خاصة بعدما فشلت لجنة التشاور بين النقابة ووزارة المالية في حل الأزمة.
بينما رفضت الوزارة هذه الخطوات التصعيدية من قبل المحامين، وأكدت أن القرار ساري والقانون فوق الجميع. كما حذرت مصلحة الضرائب من عدم الالتزام بالتسجيل في الموعد المحدد، تجنبًا لتنفيذ الغرامات المقررة في القانون. مع تهديد بتصعيد الإجراءات ضدهم بالمنع من التعامل مع الهيئات الحكومية بداية من إبريل/ نيسان المقبل.
حيثيات رفض المحامين
محمد راضي مسعود، عضو مجلس النقابة، قال تعليقًا على النظام الإلكتروني الجديد: “نفهم تطبيقه على شركات المحاماة والمكاتب الكبيرة. لكن ماذا عن المحامي الحر الذي يمتلك مكتبًا صغيرًا، ويعاني في الأساس من توفير مصروفات إيجاره وتشغيله؟”.
يؤمن “مسعود” بأن هذه الأزمة هي “قضية كل المحامين”، ويؤكد أن زملاءه جميعًا لن يتراجعوا عن طلبهم وقف تطبيق الفاتورة الإلكترونية عليهم.
وفق “مسعود”، فإن أول الأسباب التي دعت المحامين إلى رفض التسجيل في الفاتورة الإلكترونية؛ الأعباء المالية المتمثلة في إجراءات التسجيل. يقول “مسعود: “تصل إلى 12 ألف جنيه رسوم تسجيل وثمن جهاز لإصدار الفاتورة الإلكترونية ورسوم سنوية للاشتراك في النظام”.
هذا فضلًا عن أعباء أخرى ترتبط بشباب المحامين أصحاب الموارد البسيطة، الذين سيتكبدون أعباء مالية تثقل كاهلهم. فضلًا عن الإجراءات الفنية للتسجيل والتعامل مع النظام المحاسبي الإلكتروني الجديد. وهي كلها أمور لا يجيد عدد كبير من المحامين التعامل معها، بحسب عضو المجلس.
اقرأ أيضًا.. مهنة المحاماة والعمل القانوني والفاتورة الإلكترونية
أين الحوار؟
في حين أن هناك حديثا عن وجود لجنة دائمة بالنقابة لحل المشكلات الفنية التي تواجه المحامين، اعتبر ماجد حنا ولسن عضو مجلس النقابة، أن السبب الأول لاعتراض المحامين على التسجيل هو عدم التمهيد لتطبيق الإجراءات الجديدة بشكل صحيح، من خلال إطلاق حوار معهم بشأنه.
يقول: “قرار تطبيق الفاتورة الإلكترونية على أصحاب المهن الحرة صدر منذ 5 أشهر. ورغم ذلك لم يسمع عنه أحد إلا مؤخرًا. رغم أن أي تطوير يحتاج مقدمات ويجب الترتيب له جيدًا والإعلان عنه قبل التنفيذ بوقت كاف، لتدريب المحامين فنيًا على طريقة التعامل معه”.
ويتساءل عضو مجلس النقابة: “هل يعقل أن يٌفرض هذا النظام الإلكتروني المعقد على المحامين وهم لا يملكون أي خبرات فنية في التعامل معه؟ بل أن بعضهم يحتاج من يكتب له أوراق الدعاوى على أجهزة الكمبيوتر.
ويضيف: “هل يعقل أن يوظف محامي صاحب مكتب صغير موظفًا آخر مختص بالتعامل مع النظام الإلكتروني، وهو في الأساس يستغني عن عامل البوفيه لتقليل النفقات؟”.
ضرائب ورسوم متعددة
“المحامون لا يسعون للتهرب من دفع الضرائب المقررة”؛ يقول الناشط النقابي محمد أبو العينين. ويفسر سبب رفض المحامين لنظام الفاتورة الإلكترونية الجديد بأنه لا يراعي أبعاد مهنة المحاماة ولا الظروف الصعبة التي يعانيها أصحابها. خاصة ممن يملكون مكاتب صغيرة يمارسون منها أعمالهم، ويمثلون ما يقارب 98% من المحامين، على حد قوله. في وقت هم مكبلون بالفعل بعدة ضرائب أخرى. كالقيمة المضافة التي يتم فرضها عند رفع الدعاوى كنسبة محددة، وضريبة الرسوم القضائية، وضريبة الدخل.
هذا الأمر يشير إليه أيضًا المحامي والخبير الحقوقي حسن يوسف. يقول: “مع التوسع مؤخرًا في فرض الضرائب، كالقيمة المضافة وضرائب الدعاوى والرسوم القضائية، سيلجأ المحامون إلى زيادة تكاليف رفع الدعاوى على الموكلين، الأمر الذي سيرتد إلى المواطنين بأعباء جديدة تضر بالجميع وبالعملية القضائية”.
ويحث “يوسف” الأطراف المختلفة في الدولة؛ سواء وزارة المالية أو وزارة العدل، بأن تأخذ برأي المحامين أصحاب الشأن عند اتخاذ مثل هذه الإجراءات التي تخصهم، والتشاور مع نقابتهم. ذلك تجنبًا لوقوع أزمات بين المحامين والحكومة. خاصة في مثل هذه الفترة الحالية التي ترتفع فيها الأعباء المالية على الجميع.
ويتفق معه المحامي محمد هاشم، الذي يشير إلى صعوبة التزام المحامين بالفاتورة الإلكترونية في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، مضيفًا أنه لم يعد أمام المحامين سوى اللجوء للقضاء لوقف إنفاذ الإجراء الحالي، مع الاستمرار في الفعاليات الاحتجاجية.