كتب- عبد الوهاب شعبان:
قبل 5 سنوات بارك البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان “أيقونة العائلة المقدسة”، بعد انتهاء قداس حضره وزير السياحة الأسبق يحيى راشد -في الرابع من أكتوبر عام 2017- بساحة القديس بطرس، إبان زيارة الأخير إلى “روما” لإدراك اعتماد البابا للمسار كقبلة للحج المسيحي، ووجهة للسياحة الدينية من أبناء كنيسته.
تولدت فكرة الوزير الأسبق لاعتماد مسار العائلة المقدسة كمعلم سياحي ديني بعد عبارة “بابا الفاتيكان” الشهيرة -إبان زيارته التاريخية لمصر في إبريل/ نيسان من العام ذاته: “جئت للحج في أرض السلام”.
في القداس ذاته، ألقى البابا فرنسيس كلمة باللغتين “الإيطالية، والعربية”، تضمنت دعوة أبناء كنيسته صراحة لزيارة مصر التي آوت العائلة المقدسة “السيد المسيح، وأمه، ويوسف النجار” -حسب الأيقونة التاريخية- من بطش الملك الظالم هيرودس، معرجًا على أنها “أرض التعايش، والضيافة، والمباركة عبر العصور”.
عقب المباركة التاريخية، طلب “بابا الفاتيكان” إدراج المسار كأحد برامج السياحة الدينية، بعد إرسال لجنة من مؤسسة “أوبرا رومانا” -وهي مؤسسة السياحة بالفاتيكان- لتفقد المسار، والوقوف على مدى جاهزيته. وفي عام 2018 أدرجه بـ”كتالوج الحج الديني” الذي يوزع سنويًا من المقر البابوي.
قبيل المباركة، كان وزير السياحة الأسبق قد اعتمد تشكيل لجنة لمسار العائلة المقدسة تختص بمخاطبة الكنائس المختلفة، وتتبنى خططًا مستقبلية لتطوير، وتجهيز المحطات المختلفة لاستقبال السائحين، وتنسق مع الجهة المسئولة، والكنائس الشكل الترويجي الأنسب لمعلم سياحي، دخل بعد محاولات استمرت نحو ربع قرن إلى حيز الاعتراف العالمي الرسمي.
يبلغ طول مسار العائلة المقدسة “2900 كيلو متر”، ويضم 33 موقعًا ما بين نقاط، ومحطات مرور، بدءًا من “بيت لحم” إلى غزة، مرورًا بـ” رفح”-غرب العريش-، الشرقية، كفر الشيخ، سمنود” محافظة الغربية”، ثم مصر القديمة، والمعادي بـ”القاهرة”، وانتهاءً بـ”جبل الطير”-المنيا، ودير درنكة- “أسيوط”.
ثمة فارق بين “المحطة” و”النقطة” في المسار؛ فالأولى “هي المنطقة التي استقرت بها العائلة المقدسة لمدة يوم وحتى 6 أشهر”، والأخرى -أي النقطة- هي المكان التي مرت عليه فقط، دون إقامة أثناء سيرها.
وتعد أشهر محطات المسار في القاهرة “كنيسة أبي سرجة”، والكنيسة المعلقة” بمصر القديمة، إلى جانب كنيسة العذراء بالمعادي. وهي كنائس أدرجت ضمن 9 محطات اتفق عليها في برنامج الحج السياحي إلى مصر، قبل أن يحدث تعديل وزاري في يناير 2019 يطيح بـ”وزير السياحة”، وتتولى من بعده الوزير السابقة “رانيا المشاط” لتوقف عمل لجنة تطوير مسار العائلة المقدسة.
ما بعد المباركة “الفاتيكانية”
اللجنة التي شكلها وزير السياحة الأسبق، يحيى راشد، استمر عملها نحو 4 أشهر. فبعد أن أعدت اللجنة دراسة، وأجرت اتصالات مع “الفاتيكان”، وصممت أيقونة المسار، حصلت الوزارة على مباركة بابوية، أعقبها إعداد كتالوج “حج مسيحي” وزعه البابا فرانسيس الأول -بابا الفاتيكان- على أتباعه.
ضمت المناطق -حسب خطة اللجنة المكلفة من قبل وزير السياحة الأسبق- ثمانية مناطق للجولة السياحية، وفقًا لكتالوج بابوي معد للرحلة. وهي على الترتيب ” تل بسطا –الشرقية، سخا-كفر الشيخ-، سمنود-الغربية-، مصر القديمة، المعادي-القاهرة-، جبل الطير-المنيا-، ودير درنكة –أسيوط، واستبعدت رفح- رغم كونها نقطة انطلاق العائلة إلى مصر- بسبب العملية الشاملة التي تجري في شمال سيناء ضد الإرهاب، أضيفت لها منطقة أديرة وادي النطرون حسب الحاجة.
واستقبلت اللجنة في الفترة من “أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وحتى يناير/ كانون الثاني 2019” نحو 300 ألف سائح كاثوليكي بمناطق المسار الثمانية المحددة سلفًا في كتالوج الرحلة.
بعد تعديل وزاري أطاح يحيى راشد، وزير السياحة الأسبق في يناير/ كانون الثاني 2019، سارت الوزيرة السابقة رانيا المشاط بممحاة على قرار تشكيل اللجنة، وعطلتها دون إبداء أسباب، حسبما أفاد عضو اللجنة السابق نادر جرجس.
رفض هدية “بابا الفاتيكان”
فوجئت اللجنة الوزارية المعنية بتطوير مسار العائلة المقدسة بقرار الوزيرة، معطوفًا على طلب بضم المسار كله -33 منطقة، ومحطة- لكتالوج الحج المسيحي المعلن في الفاتيكان. لكن ذلك يعني على حد قول عضو اللجنة السابق عدم إنتاج منتج سياحي مريح للوفود. لافتًا إلى أن ثمة أماكن في حواري ضيقة، وشوارع لا تتجاوز مساحتها 3 مترات، بما يصعب عملية تنقل السائحين.
دخول عدم المختصين -حسب تصريحات جرجس لـ”مصر360″- أضر بالفكرة. فبعد أن أتمت عدة وفود سياحية شبابية رحلتها على أكمل وجه، عرقل عدم الاستجابة لمطالب السائحين كبار السن فرصة اعتماد المسار من قبل بابا الفاتيكان، وأوقف توزيع كتالوج الحج السياحي هناك.
جاءت مطالب سائحي الفاتيكان على النحو التالي: حمامات مجهزة قريبة من أماكن التجول في المحطات الثماني لمسار العائلة المقدسة. بالإضافة إلى توفير مراكز طبية حيث أن معظم الوفود ستكون من كبار السن، ويعانون أمراضًا مزمنة، وهو ما يتطلب أيضًا توفير إسعاف طائر تحسبًا لأي طوارئ.
اقرأ أيضًا: كيف يجدد عيد دخول المسيح مصر طموحات الكنيسة سياحيا؟
البرنامج الذي توقف منذ 4 سنوات بسبب دخول عدم متخصصين فشلوا في التواصل مع الكنائس المختلفة بطرق تأخذ في الاعتبار “التاريخ، والخلفية العقدية، وغيرها” يعد إهدارًا لفرصة أهداها بابا الفاتيكان لمصر على طبق من ذهب، توفر حجاجًا للمسار من كنيسته التي تضم نحو مليار و300 ألف مسيحي على مستوى العالم، على حد تعبير جرجس.
يصف العضو السابق باللجنة التي كانت مسئولة على التواصل فيما يخص المسار، الوفود التي تعلن الكنيسة الكاثوليكية زيارتها لمسار العائلة المقدسة على فترات متباعدة بأنها “وفود تعريفية”، لا “كتالوج” لزيارتها ولا برنامج واضح إلا من خلال الكنائس التي تزورها، مؤكدًا أن مثل هذه الزيارات لا تنتج أثرًا إطلاقًا، وليس لها أي مردود سياحي. وهذا على عكس ما كان مخططًا له إذا ما استجبنا لطلبات الفاتيكان الممهدة لإدراج المسار بـ”كتالوج الحج الديني”.
واستقبلت مصر أول وفد “حج مسيحي رسمي” -حسب مسمى الفاتيكان- عام 2018 برئاسة أسقف مدينة “فيتربو”، وضم نحو 52 شخصا كاثوليكيا أمضوا 5 أيام في زيارة محطات المسار المعدة سلفًا من قبل اللجنة. وقد سبق هذه الزيارة وصول “حجاج مسيحيين” غير رسميين من الهند، والفلبين.
الكنيسة الكاثوليكية لا تعلم
في يوليو/ تموز الماضي، استقبلت الكنيسة الكاثوليكية وفدًا كنسيًا من المملكة المتحدة، يستهدف زيارة مسار العائلة المقدسة، وعدد من المعالم الأثرية بمصر.
الوفد الكنسي يعد الرابع خلال العام ضمن استقبالات “الكاثوليكية” لقاصدي مسار العائلة المقدسة، ولا تمتلك الكنيسة إحصائيات واضحة لأعداد “الحجاج المسيحيين”.
ولدى “الكاثوليكية” لا يعرف “الحج المسيحي” على أنه مجرد زيارة للأماكن الأثرية، بقدر ما هو تجديد للإيمان، وتغذية للروح بزيارة الأماكن المقدسة.
ورغم إعلان الأنبا باخوم النائب البطريركي للكنيسة الكاثوليكية عن استقباله 4 وفود سياحية هذا العام. إلا أن تحفظًا واضحًا صاحب الحديث عن تصنيف “الوفود”، وما إذا كانت “تعريفية” أم لا؟.
أضاف النائب البطريركي، لـ”مصر360″، أن الوفود السياحية لا تحمل كتالوج الرحلة المقدسة المعتمد من الفاتيكان، رافضًا التعقيب عن أسباب ذلك.
“الكاثوليكية” التي تمتلك محطة من محطات المسار “كنيسة العائلة المقدسة بالمطرية”، تترقب مستجدات ما بعد اعتماد المسار عالميًا، ومستقبل “الكتالوج الفاتيكاني” للوفود الزائرة.
الموقف الرسمي لوزارة السياحة
مؤخرًا، أعلنت وزارة السياحة عن افتتاح 7 مناطق أثرية ضمن مسار العائلة المقدسة، أبرزها منطقة سمنود بمحافظة الغربية، والمدرجة ضمن خطة اللجنة الملغاة التي شكلها “يحيى راشد” وزير السياحة السابق.
تزامن افتتاح إحدى محطات العائلة المقدسة، وتجهيزها على نحو يفي بمطالب “الحجاج المسيحيين” المزمع قدومهم إلى مصر، مع إعلان الأب “جوناثان دي ماركو” مدير القطاع العام للسياحة في الفاتيكان، وضع “مسار العائلة المقدسة” على خريطة المسارات السياحية الدينية بـ”إيطاليا”، وأوروبا.
المنسق الوطني لمشروع العائلة المقدسة “عادل الجندي” قال: إن تطوير المسار شمل منطقة “جبل الطير” بالمنيا. ولفت إلى تضمينه استراحة سياحية مجهزة، دورات مياه، قاعة عرض الوسائط الإلكترونية لمسار العائلة المقدسة، مع تطوير أرضيات الإطار المحيط بالكنيسة الأثرية بطريقة تحاكي المظهر التاريخي، مع المعاونة في إعداد فندق صغير.
تكلفة التطوير حسبما أفاد “الجندي” بلغت 120 مليون جنيه، ساهمت وزارة السياحة فيها بمبلغ 7,5 مليون جنيه. فيما ساهمت المحافظة بمبلغ 80 مليون جنيه لإنشاء محطة صرف.
“منسق مشروع العائلة المقدسة” الذي رفض التعقيب على وقف “الفاتيكان” للكتالوج الخاص بالحج المسيحي، وعزوف الوفود الكاثوليكية عن زيارة “المسار”، لفت إلى أن مسار رحلة العائلة المقدسة شمل تطوير محور عمراني يضم 25 نقطة، بثماني محافظات.
ودون إفادة بشأن قدوم وفود “كاثوليكية” قاصدة “للحج المسيحي” منذ إلغاء لجنة “يحيى راشد” الوزير الأسبق، أشار” الجندي” إلى أن الوزارة أنجزت 90% من المشروع، مؤكدًا على انتهاء التطوير بنهاية العام الجاري.
هل “مسار العائلة المقدسة” مشروع قومي؟
على الرغم من إنجازات وزارة السياحة المعلنة في مشروع “إحياء مسار العائلة المقدسة”، تساءل عضو لجنة التطوير السابق “نادر جرجس”: هل هو مشروع قومي؟، مستدركًا، أين أعضاء اللجنة المتخصصين؟.
عطفًا على تساؤله عقد مقارنة بين “المسار التاريخي للعائلة المقدسة الذي يضم 25 محطة” في مصر، وبين “مغطس المسيح” بالأردن كمعلم واحد، لافتًا إلى أن الأخير يحقق مليون ونصف زيارة سنويًا.
واستطرد قائلًا: “برنامج المسار المعتمد من الفاتيكان، والمصنف عالميًا، كم زيارة يحقق سنويًا منذ اعتماد بابا الفاتيكان لأيقونة العائلة المقدسة في 2018؟”.
أضاف عضو اللجنة السابقة أن أقل التقديرات في حال إقبال 1% من “كاثوليك العالم” على زيارة المسار سنويًا، فإن ذلك يعني نحو مليون و300 ألف سائح، وحتى الآن لم يحدث شئ على حد قوله-.
وأردف قائلًا: كان من المتوقع تحقيق 5 مليارات دولار سنويًا من زيارات الكاثوليك للمسار، وهذه فرصة مهدرة، تحتاج إلى تدخل جهات تنفيذية معنية، والأمل لا زال موجودًا.