زار البابا تواضروس الثاني –بابا الإسكندرية-بطريرك الكرازة المرقسية دير القديس الأنبا مقار المعروف إعلاميًا بـ”دير أبو مقار”. أحد أقدم الأديرة القبطية بمنطقة وادي النطرون. وهي الزيارة العاشرة منذ توليه مهام الكرسي المرقسي عام 2012.
وكانت الزيارة الأولى للبطريرك رقم 118 بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدير “أبو مقار” في العاشر من مارس/آذار عام 2014.
الهدف الحقيقي
الزيارة وصفها المتحدث الرسمي للكنيسة بـ”الرعوية”. ما يعني متابعة تدبير العمل داخل الدير من كل جوانبه. إضافة إلى عقد جلسة روحية مع الرهبان تضمنت استفسارات وأجوبة “بابوية”.
وصل البابا تواضروس إلى الدير منفردًا واستقبله عشرات الرهبان في فناء يفصل بين بوابة الدير الرئيسية ومدخله الذي يقود في منتهاه إلى الكنيسة الأثرية. وحمل أحد الرهبان صليبًا خشبيًا يتجاوز طوله مترين واستدار يمينًا فور نزول البابا من سيارته. وتحرك البطريرك في موكب رهباني كان هو في نهايته. وتدرج الرهبان عبر سلالم حجرية تؤدي إلى ساحة صغيرة. بعدها فتحت أبواب الكنيسة الأثرية عالية السقف قليلة المقاعد.
وانطلق البابا تواضروس مباشرة إلى المذبح الكنسي ليؤدي صلاة شكر ومن خلفه رهبان الدير موزعين على محيط الكنيسة الأثرية. فيما لم ينشر موقع الدير أي مقاطع أخرى عن جلسة البطريرك مع الرهبان وتفاصيلها.
ولم يعلن دير “أبو مقار” -مساحته الإجمالية 11.34 كم2 شاملة المزارع والمباني التابعة وبه 7 كنائس 3 منها داخل الدير و4 أعلى حصنه- عن مدة الزيارة. وما إذا كانت تطرقت إلى تسمية رئيس للدير قريبًا أم لا.
المفكر القبطي كمال زاخر -مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط- لم يستبعد أن يكون الاتفاق على رئيس للدير في المرحلة المقبلة ضمن نقاط النقاش المطروحة. لافتًا إلى أن هدف الاطمئنان على أحوال الدير يشمل كل التفاصيل.
وأضاف لـ”مصر360″ أن تسمية رئيس للدير غير محدد المدة ومرهونة باستقرار الرهبان. نافيًا وجود أي إرهاصات حول خليفة الأنبا إبيفانيوس الراحل.
وتولى البابا تواضروس الثاني مسئولية الإشراف على الدير بشكل مباشر بعد “نياحة”/رحيل الأنبا إبيفانيوس في يوليو/تموز 2018. وهو ما اعتبره مصدر كنسي “أمرًا طبيعيًا أسوة بما فعله البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث عقب تنحي الأنبا ميخائيل-مطران أسيوط الراحل-عن رئاسة الدير إثر خلافات بين رهبانه”.
و”الأنبا إبيفانيوس” حصل على بكالوريوس الطب. والتحق بالدير عام 1984 ورسم قسًا عام 2002 ثم أسقفًا ورئيسًا منتخبًا للدير عام 2013. و”انتقل”-رحل- “إثر حادث غامض” تورط فيه راهبان من أبناء الدير هما وائل سعد تواضروس الشهير بـ”أشعياء المقاري” وريمون رسمي الشهير بـ “فلتاؤوس المقاري”.
وكنسيًا ليس هناك إلزام بتسمية رئيس لكل دير من الأديرة التابعة للكنيسة مترامية الأطراف. فهناك رمزية المرشد الروحي للدير على خطى ما حدث للأب “متّى المسكين” داخل دير “أبو مقار” دون فرضية لتسميته رئيسًا.
“قرارات شخصية”
وفاة الأنبا إبيفانيوس رئيس “دير أبو مقار” الراحل قبل أربعة أعوام تقريبًا وإثر حادث أليم إبان ذهابه لصلاة باكر -إحدى الطقوس الكنسية- غيّرت معادلة العلاقة بين “البابا” و”الدير”.
فيرى المفكر القبطي كمال زاخر أن البطريرك الحالي “ليس ملزمًا منذ قدومه إلى الكرسي المرقسي بتبني قطيعة للدير العريق”. واتباع موقف شخصي للبطريرك الراحل “البابا شنودة”. نظير غياب قرار مجمعي -صادر عن المجمع المقدس للكنيسة- يحظر الزيارة. إلى جانب سعيه منذ اليوم الأول لاستقرار أوضاعه الإدارية. خاصة بعد تنحي “الأنبا ميخائيل” عن إدارة الدير لظروف صحية عام 2012.
“إبيفانيوس” –الأسقف الباحث- كان محسوبًا على “البابا تواضروس الثاني”. وهو الذي أجرى انتخابات داخل الدير على منصب الرئيس ليطمئن الرهبان تمامًا على مستقبل حياتهم الرهبانية والإدارية كونهم مشاركين في اختياره.
وكان “الأسقف الراحل” ثالث ثلاثة اقترع عليهم الرهبان وفاز بأغلبية تضفي رضا رهبانيًا وهدوءا على الدير الأبرز ثقافيًا وبحثيًا وعلميًا بين أديرة الكنيسة. إذ يمتلك الدير الذي يقع على مساحة 20 فدانا مكتبة تضم نوادر المخطوطات وأعمق الأبحاث ومطبعة معنية بإصدارات الباحثين والمدققين وإصدار مجلة “مرقس” الشهيرة.
كان “إبيفانيوس” أيضًا يشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع بكل اللغات. وهو -حسب شهادة أقرانه- من الباحثين الجادين. وقد نشرت له مطبعة الدير أوائل إنتاجه العلمي: “ترجمة من اليونانية القديمة للعربية: سفر التكوين، القداس الباسيلي”. وحينها كان يجري نشر سفر الخروج، والقداس الغريغوري، والكتاب التاريخي القديم بستان الرهبان.
غير أن منسق جبهة العلمانيين الأقباط نفى أي علاقة بين الزيارة الأخيرة والإنتاج الثقافي للدير. لافتًا إلى أنه أمر مستمر منذ أيام الأب “متى المسكين” الراحل “غزير الإنتاج” ويتطور مع الزمن.
تعدد زيارات
ومنذ وفاة “الأنبا إبيفانيوس” وحتى حلول ذكراه الأولى “يوليو 2019” سجلت زيارات البابا لدير “أبو مقار” الرقم “4”. وفي إحدى زياراته حسبما أفاد مصدر كنسي فإن إحدى الزيارات -والتي كانت في مايو/أيار قبل الماضي- تخللها لقاء امتد لساعة كاملة مع رهبان الدير. واقترح “اسم أسقف” لخلافة رئيس الدير الراحل لكن الرهبان رفضوا تمامًا.
واستمر “الراهب بترونيوس المقاري” أمينًا للدير بتوافق الرهبان. وبحسب المصدر فإن الأعمال الإدارية والتنظيمية لم تتأثر نظير التزام كل راهب بمهامه.
وبزيارة “نوفمبر” الجاري يكون “البابا” قد وصل إلى نحو 10 زيارات لـ”دير أبو مقار”. وهو عدد يشير إلى اهتمام ملحوظ. ويعكس نتائج إيجابية حسب متحدث الكنيسة. الذي أشار إلى أن إيجابيتها تنعكس في مردودها على الرهبان معنويًا وتبرز اهتمام الأب بأبنائه.
وفي أولى زياراته لدير الأنبا مقار عام 2014 قال البابا تواضروس الثاني: “الدير مركز تعليمي كبير للكنيسة داخل مصر وخارجها. وله تاريخ كبير ومؤثر في الحياة المسيحية كما يشكل أحد أعمدة الحياة الرهبانية”. واستطرد: “أخذت على عاتقي منذ تجليسي أن أمضي ليلة كل ثلاثة أشهر في دير من الأديرة حتى لا أنسى رهبانيتي”.
تسمية رئيس “الدير”
وينشغل البابا تواضروس الثاني باستقرار دير “أبو مقار” إداريًا ورهبانيًا بعد هزة عنيفة تعرض لها الدير على خلفية “مقتل الأنبا إبيفانيوس” بين أروقته.
لذلك فإن أي زيارة لـ”الدير” وفق رؤية القمص عبد المسيح بسيط -كاهن كنيسة العذراء بمسطرد- تتطرق للتشاور بشأن رئيس الدير. وهو أمر يعد عاديًا ورعويًا في الظروف الراهنة.
وسبق أن خرج “دير أبو مقار” من قائمة رسامات أساقفة جدد أعلنها البابا تواضروس الثاني خلال قداس بكاتدرائية ميلاد المسيح في مارس/آذار من العام الماضي.
وعلى خلفية تورط راهبين من رهبان الدير في مقتل الأنبا إبيفانيوس أصدر البابا عدة قرارت لـ”ضبط الرهبنة”. وبمقتضاها نقل ستة من رهبانه إلى أديرة أخرى. ما اعتبره وقتذاك الأب باسيليوس المقاري “خطوة لاستعادة الهدوء”.
الصراع الفكري
ويحظى دير الأنبا مقار بـ”وضعية خاصة” لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
فإلى كونه ينسب إلى الأنبا مقار -أبرز تلاميذ الأنبا أنطونيوس مؤسس الحياة الرهبانية في مصر وتعود نشأة الحياة الرهبانية به إلى النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي- فهو أيضًا يستمد ثقله من تراث فكري كبير تركه الأب “متى المسكين” –المرشد الروحي للدير- وأحد العلامات الفكرية البارزة في تاريخ الكنيسة والمرشح لمقعد البابوية مرتين.
ويستمد “الدير” شهرته في العصر الحديث من صراع فكري ممتد بين “مرجعه الروحي” –متى المسكين-، والبطريرك البابا شنودة الثالث الراحل. وهو صراع حسب محللين يعود إلى خلافات في تفسير الكتاب المقدس والعقائد. ما أدى إلى حظر كتب “المسكين” واتهامه بـ”إفساد العقيدة”.
وفي محاضرة ألقاها البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث -إبريل/نيسان 1991- بـ”كلية اللاهوت” إبان مناقشة الخلافات العقائدية بين الكنيسة الرسمية و”الأب متى المسكين” قال البابا: رهبان دير “أبو مقار” يطيعونه -أي الأب متى المسكين- أكثر من طاعتهم للكنيسة ومجمعها المقدس.
وتطورت الخلافات بين الفريقين من العقيدة إلى إدارة شؤون المسيحية وتصورات أخرى في تفسير الكتاب المقدس. وبأصوات “أتباع متى المسكين” حصد الأنبا إبيفانيوس رئاسة الدير في عام 2013. وامتنع أنصار “مدرسة البابا شنودة” عن المشاركة. واستبشر إصلاحيون بتجربة الأسقف الفيلسوف القادر على إدارة حوار مرن بين فرقاء المعمودية. غير أن غموضًا اكتنف الرحيل حسب بيان صادر عن المقر البابوي وقتذاك تعقيبًا على “وفاته”/انتقاله.
ويسعى البابا تواضروس الثاني منذ قدومه إلى الكرسي المرقسي وقبل حادث الأنبا إبيفانيوس إلى استقرار “دير الأنبا مقار” عبر إعادة كتب “متى المسكين” لمعارض الكتاب القبطية التي تقام بـ”الكاتدرائية المرقسية بالعباسية”. وعقد حوارات منفردة مع رهبانه للوصول إلى أعلى معدل توافق ممكن.