في الوقت الذي تواصل فيه مصر لعب دور نشط إقليميا، بما في ذلك محاولة تهدئة تطورات النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، خاصة فى قطاع غزة، بما في ذلك اجتماع العقبة الأخير 26 فبراير/ شباط، تختنق القاهرة بسبب أزمة مالية كبيرة.
أدت آثار الحرب في أوكرانيا ونقص الحبوب وانخفاض قيمة الجنيه المصري، مقابل الدولار الأمريكي، نتيجة الاستجابة الحكومية لمطالب صندوق النقد الدولي إلى تعميق الأزمة، لا يزال التضخم يرتفع، وكذلك بطالة الشباب.
يشير العقيد احتياط عيران ليرمان نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن/ JISS، إلى أن ذلك المشهد، يمكن أن يزعزع استقرار أمة يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، مشيرًا إلى عواقب وخيمة، لن تقتصر على مصر، وإنما تطول المنطقة بأسرها.
يقول: “اتخذ النظام المصري إجراءات تقشفية لتقييد الإنفاق بالعملة الأجنبية، وتحرك لأول مرة لخصخصة شركات مملوكة للجيش، وهو جزء كبير من اقتصاد البلاد. كما تسعى الحكومة إلى خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه، لا تزال خطط البناء الرئيسية جارية، مدعومة بالآمال التي ولّدتها نتائج الغاز”.
يضيف: “يقتصر دور إسرائيل المباشر على قطاع الغاز. ومن هنا، تأتي الحاجة إلى تشجيع الأصدقاء الحيويين في الخليج للمساعدة في استقرار الاقتصاد، من خلال الاستثمارات في الصناعة والبنية التحتية”.
اقرأ أيضا: مخاطر الرهان الغربي على نهج القوة الإسرائيلي بمواجهة إيران
وأشار إلى أن تل أبيب تحتاج -أيضا- إلى أن ترفع، خلال حوارها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وأوروبا، الحاجة إلى دعم الإصلاحات المصرية، وأن تضع في الاعتبار.. فائدة الدور الصيني في تمكين رؤية “مصر 2030 “.
الاقتصاد المصري المتعثر
ظهرت مشاكل مصر الاقتصادية في أوائل عام 2023 عندما انهار الجنيه المصري بسرعة، متجاوزًا لأول مرة عتبة الـ 30 جنيها مقابل الدولار -كان 25 في ديسمبر/ كانون الأول 2022 وأقل من 20 في أكتوبر/ تشرين الأول- السبب الرئيسي هو نقص العملة الأجنبية بسبب الارتفاع الحاد في تكلفة القمح ومنتجات الاستيراد الأساسية الأخرى، حيث عطلت الحرب في أوكرانيا خطوط الإمداد.
يشير ليرمان إلى أنه “لا يمكن لرسوم عبور السفن في قناة السويس -التي كان توسيعها أحد أكبر مشاريع النظام المصري الكبرى التي يفتخر بها- إلا تغطية هذا النقص بشكل هامشي”.
يضيف: تضاعف كل ذلك بسبب الآثار المستمرة لانخفاض دخل الدولة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك انخفاض السياحة، وتأثير كورونا COVID، والهجمات الإرهابية وأزمة الأسواق العالمية، التي تلعب دورًا في ذلك.
تابع: أيضا، يعزى انهيار الجنيه إلى الالتزامات التي تم التعهد بها ضمن اتفاق صندوق النقد الدولي، ديسمبر/ كانون الأول 2022. والذى بموجبه يمنح الصندوق مصر قروضا بقيمة 3 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة. يتم صرفها على دفعات من بضع مئات من الملايين كل بضعة أشهر، والتي تخضع لمراجعة مرتين في السنة لمتابعة امتثال مصر لشروط الصندوق .
وتشمل الأخيرة، من بين أمور أخرى، تعويم الجنيه المصري، وسياسة نقدية تقييدية تهدف إلى كبح التضخم، وتخفيضات فى الميزانية لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي -يبلغ الآن 88%- بجانب إنشاء مراكز نمو يقودها القطاع الخاص.
وأشار إلى أنه “في هذه المرحلة، لا توجد مؤشرات على أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة أدت إلى أي اضطرابات سياسية كبيرة. ومع ذلك، إذا استمر التراجع الاقتصادي، فمن الصعب التنبؤ بموعد نقطة التحول”.
وأكد أنه “بالنسبة لإسرائيل، هناك أسباب استراتيجية لمحاولة منع التطورات التي قد تؤدي إلى عدم الاستقرار في أهم دولة على حدودنا”.
اتجاهات إيجابية
نظرًا لالتزام صندوق النقد المستمر بتعزيز الأسواق الحرة، تنعكس مجموعة واحدة من الإجراءات المستمدة من مطالبه في قرار الحكومة المصرية بخصخصة أصول الدولة، وتحديداً المملوكة للجيش.
يقول ليرمان: لأول مرة، قد يصبح من الممكن الانفتاح على قطاعات الاستثمار والمنافسة، التي كانت على مدى عقود تحت سيطرة المؤسسة العسكرية، وتشكل نحو ثلث الاقتصاد الوطني.
أضاف: يمكن الدخل القادم من الخصخصة، فى المساعدة على تصحيح العوائق الهيكلية التي أثقلت النمو في مصر لفترة طويلة.
واقترح صندوق النقد الدولي معيارًا قياسيًا بقيمة 14 مليار جنيه استرليني للاستثمار الخاص، يتم رسمه من خلال هذه الإجراءات في السنوات الثلاث قيد المراجعة.
ولفت إلى ضوء آخر محتمل “إلى جانب احتمالات انتعاش السياحة في حقبة ما بعد الجائحة ومع انحسار الإرهاب -على الرغم من أن مزاعم النظام بالنصر تبدو سابقة لأوانها- هناك عوائد الطاقة. وتحديداً سلسلة الاكتشافات في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية.
يمكن إضافة الإعلان عن اكتشاف الغاز من خلال شراكة بين إيني ENI وشيفرون Chevron في حقل النرجس البحري في 15 يناير/ كانون الثاني 2023، إلى الإنجازات السابقة التي توفر فرصة للإغاثة الاقتصادية”.
وأشار إلى أنه إذا تم بالفعل اتخاذ الترتيبات في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط والتعاون في الصادرات “ومع ذلك، لن تؤثر صادرات الغاز إلا على الاقتصاد وميزان المدفوعات بعد سنوات قليلة”.
اقرأ أيضا: معهد واشنطن: على أمريكا معالجة أسباب تآكل شرعية السلطة الفلسطينية
كيف يمكن لإسرائيل أن تساعد؟
يؤكد نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن أن “استمرار استقرار النظام السياسي في مصر هو من بين أهم المصالح الوطنية لإسرائيل، ولو كان ذلك فقط بسبب البديل. سواء انهيار الحكم في دولة يبلغ عدد سكانها 105 مليون نسمة على حدودنا، وربما سيطرة كاملة أو جزئية من قبل الشموليين المتطرفين، والذين سيشكلون خطرًا جسيمًا على الأمن القومي لإسرائيل”.
علاوة على ذلك، فإن النظام المصري الحالي -على الرغم من نقاط الاحتكاك بين الحين والآخر- قد وضع نفسه كلاعب ضمن اتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي. وفق ليرمان حيث انضم إلى منتدى النقب، إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب. كما يعمل جهاز المخابرات العامة المصري كوسيط فعال مع حماس حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك مصير الإسرائيليين والمحتجزين في غزة. حيث لعبت مصر دورا في اجتماع العقبة الطارئ، وستستضيف الجولة القادمة.
يقول: في حين أنه من الصحيح أن موقف القاهرة من القضية الفلسطينية لم يتغير، وموقفها تجاه إسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة لا يزال معاديًا تمامًا. فإن التعاون في جوانب أخرى من العلاقة، بما في ذلك الحرب على الإرهاب في سيناء، أصبح أقرب من أي وقت مضى. يدعي النظام الآن أنه حقق نتيجة حاسمة ضد “ولاية سيناء” لداعش – وإلى حد ما، هو على استعداد للاعتراف سرا بمساعدة إسرائيل.
لكنه يشير كذلك إلى أنه، فيما يتعلق بالاقتصاد، فإن الروافع “يقصد وسائل دعم إسرائيل للاقتصاد المصري” المباشرة لإسرائيل محدودة للغاية. منها إمداد الغاز من الحقول الإسرائيلية، مما يمكّن مصر من تصدير الغاز الطبيعي المسال من منشآتها الحالية -التي ظلت معطلة لفترة طويلة- على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
أيضا، هناك ترتيبات المناطق الصناعية المؤهلة، التي تسمح ببيع المنتجات المصرية إلى الولايات المتحدة، بموجب شروط اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية- الإسرائيلية “الكويز”، ما دام أن هناك نسبة معينة من المدخلات الإسرائيلية.
تعاون مشترك
كما يقول ليرمان “يمكن للحكومة الإسرائيلية، ويجب عليها، استخدام مجموعة من السبل الدبلوماسية المتاحة – بما في ذلك منتدى غاز شرق المتوسط/ EMGF ومنتدى النقب، بالإضافة إلى المشاورات الاستراتيجية الثنائية مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لدعم السياسات التي يمكن أن تساعد تخليص مصر نفسها من مأزقها الحالي”.
بين هذه الخطوات، يمكن البحث عن حل متفق عليه -بالتنسيق الوثيق مع اليونان- لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط، الذي تواجهه تركيا حاليًا.
يقول ايضا : هناك مجال للتسوية، بالاعتماد على النموذج الإسرائيلي- اللبناني، لا سيما إذا كان هناك بالفعل استعداد في ليبيا لإعادة التفاوض بشأن مذكرة التفاهم المبرمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 مع أنقرة.
كذلك، يرى أن تشجيع دول الخليج، بقيادة الإمارات والسعودية، على تحقيق إمكانات الاستثمار التي حددها صندوق النقد الدولي، والاستثمار في قطاعات إنتاجية مهمة في الاقتصاد المصري، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش التي قد تكون معروضة للبيع الآن.
وأشار، أيضا، إلى توجيه انتباه مؤسسات الأمن القومي في الدول الصديقة -وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا- إلى ضرورة تقديم الدعم اللازم لإصلاحات مصر، والتعامل مع الدور الذي لعبته الصين في المشروعات المصرية بشكل متساهل “هناك الكثير على المحك حتى يصبح هذا نقطة خلاف أخرى فيما يتعلق بالنفوذ الصيني”.