أعلنت الحكومة المصرية، الثلاثاء الماضي، نجاح أول طروحاتها خلال العام المالي الحالي من الصكوك السيادية، وبلغت قيمة ما تم بيعه من الصكوك نحو 1.5 مليار دولار. وتفاخر وزير المالية محمد معيط، بأن الطرح تمت تغطيته نحو 3.5 مرة، بمعنى أن الطرح اجتذب طلبات اكتتاب قدرت بنحو 5.8 مليار دولار.
والصكوك السيادية، هي أحد أنواع الأوراق المالية مثل السندات والأذون الحكومية والتي تهدف لتمويل عجز الموازنة العامة، ويعتمد إصدار الصكوك السيادية على أساس حق الانتفاع للأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، وذلك عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول أو تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع عقد الإصدار وضمان حصة مالك الصك وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية، بحسب تصريحات سابقة لمحمد معيط، وزير المالية.
ويعني حق الانتفاع، الاستغلال الكامل للأصول خلال مدة الصك. وتُصدر الصكوك في شكل شهادة ورقية أو إلكترونية بمواصفات معينة وتكون اسمية ومتساوية القيمة وتصدر لمدة محددة بالجنيه المصري أو بالعملة الأجنبية عبر طروحات خاصة.
تكلفة إصدار الصكوك
وزير المالية لم يذكر في تصريحاته، أن العائد السنوي على الصكوك يعدّ من بين الأعلى في العالم على أدوات الدين، إذ يتراوح بين 10.87% إلى 11.6%، على أن يُصرف العائد كل 6 أشهر، ومدة الصكوك هي 3 سنوات.
وذلك يعني أن الحكومة ستكون مُطالبة بدفع عائد كل 6 أشهر عن الصكوك يُقدر بين 163.05 إلى 174 مليون دولار. وذلك بإجمالي سنوي يقدر بين 326.1 إلى 348 مليون دولار، وفقًا لمعدلات الفائدة على الصكوك.
ووفق عملية حسابية أُجريت على أسعار الفائدة التي أعلنتها وزارة المالية، فإن إجمالي الفائدة المستحقة خلال فترة الـ3 أعوام، يُكلف الدولة المصرية نحو 978.3 مليون إلى 1.04 مليار دولار، هي إجمالي العائد أو الفائدة على أصل قيمة الصكوك البالغة 1.5 مليار دولار.
اقرأ أيضًا: بعد طرحها محليًا.. كيف تستفيد البنوك من الصكوك السيادية؟
يٌضاف إلى هذا الرقم، المصروفات الإدارية، ومصروفات الخصم، ومصروفات مستشاري طروحات الصكوك وهم بنوك إتش إس بي سي، وسيتي جروب، وكريدي أجريكول، والإمارات دبي الوطني كابيتال، وأبو ظبي الأول، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، وهم المديرين الرئيسيين المشتركين، ومديري اكتتاب مشتركين.
فيما قدم مكتب أدسيرو – راجي سليمان وشركاه ومكتب كليفورد تشانس الاستشارات القانونية لوزارة المالية، بينما قدم مكتب زكي هاشم وشركاه ومكتب لينكليترز المشورة لمديري الطرح المشتركين.
وكالة موديز للتصنيف الائتماني، ذكرت خلال الأسبوع الماضي، أن برنامج الصكوك السيادية، سيقدر بنحو 5 مليارات دولار، ومنحته تصنيف Pb3، الذي يُمثل تصنيف متوسط لأدوات الدين الحكومي.
وخفضت موديز التصنيف الائتماني لمصر في وقت سابق من هذا الشهر، على خلفية تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي، وقدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية. ويعدّ إصدار الصكوك الحالي هو أول طرح دولي للديون في مصر منذ مارس الماضي.
وكان رئيس الجمهورية أصدر قانون الصكوك السيادية برقم 138 في أغسطس/ آب من عام 2021، ثم أُصدرت اللائحة التنفيذية لها في يناير/ كانون الثاني الماضي. ووفقًا لمتن هذا القانون، فإن للحكومة الحق في إصدار صكوك للأصول المملوكة لها “ملكية خاصة” دون تحديد طبيعة هذه العبارة، على أن يتم تحديد هذه الأصول عبر مجلس الوزراء.
وبحسب وزير المالية، تقدم أكثر من 250 مستثمر بمختلف أسواق المال العالمية، بطلبات شراء ضمن إصدار الصكوك، بحسب ما ذكره وزير المالية في بيان الوزارة، مؤكدا أن هذا الإصدار جذب قاعدة جديدة من المستثمرين بدول الخليج وشرق آسيا إلى جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
سداد سندات اليوروبوند
وفي هذا الصدد، كشفت وكالة بلومبرج، أن عائد طروحات الصكوك السيادية سيتم استخدامها لسداد ديون مستحقة على مصر خلال الأسبوع الجاري، تبلغ قيمتها نحو 1.25 مليار دولار. وتُوضح الوكالة أن الديون المستحقة هي سندات اليوروبوند الأوروبية التي كان يصل العائد عليها نحو 5.4%، مقارنة بعائد يصل في أقصاه إلى 11.6% على الصكوك السيادية.
يأتي هذا في الوقت الذي قدر صندوق النقد الدولي فجوة التمويل الخارجي في مصر بنحو 17 مليار دولار ويتوقع أن يساعد برنامجه في فتح نحو 14 مليار دولار إضافية من الشركاء الدوليين والإقليميين، بحسب وكالة بلومبرج.
وقدرت بلومبرج، حجم الديون المستحقة على مصر خلال العامين الحالي والمقبل بقيمة 42 مليار دولار، سواء بالدولار أو اليورو.
يُوضح محمد مهدي، محلل الأسواق المالية والبورصة، أن البنوك الخليجية في الأغلب كانت المُشتري الأبرز للصكوك السيادية المصرية والتي عُرضت في بورصة لندن.
اقرأ أيضًا.. قراءة في “الصكوك السيادية”.. رهان على سد الفجوة التمويلية وسلطات كبيرة لـ”الهيئة الشرعية”
ويقول مهدي لـ مصر 360، إن الحكومة اضطرت لرفع العائد على الصكوك ليكون من بين الأعلى عالميًا، بعد تخفيض تصنيف وكالات التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري خلال أوائل الشهر الحالي.
ويُبين مهدي، أن مصر من الدول القليلة التي تصرف عائد على الصكوك حددته بمدة 6 أشهر، ذلك أن الصكوك السيادية تعمل بنظام المرابحة وليس العائد، بمعنى أن تُحدد ربحية الصك من قيمة أرباح الأصل الضامن للصك.
لكن وبسبب ضعف الاقتصاد المصري، ضمنت وزارة المالية الصكوك بعائد مرتفع، يُصرف كل 6 أشهر، بحسب محلل الأسواق المالية، موضحًا أن كل الصكوك التي أصدرتها وزارة المالية خلال الطرح الحالي لها أصول ضامنة أو مرهونة لقيمة الصك.
ويُتابع مهدي، أن الأصول المصرية الضامنة لقيمة الصك ليست موضحة في بيانات وزارة المالية ولا شركة التصكيك التابعة لوزارة المالية؛ وذلك لإعلان مصر عائد على الصك، لكن في حال كانت الصكوك بنظام المرابحة كان سيتم الإعلان عن الأصول الضامنة أو المرهونة لقيمة الصكوك.
ونتيجة لذلك، يقول مهدي:” بسبب استخدام حصيلة الصكوك في سداد الديون المتأخرة، لم تتحقق أي إنفراجة دولارية ولم يتأثر سعر صرف الجنيه أمام الدولار، الذي مازال يعاني نتيجة نقص الحصيلة الدولارية”.
واقترح محلل الأسواق المالية على الحكومة طرح الصكوك على المصريين العاملين بالخارج، بدلاً من طرحها بالبورصات العالمية للمستثمرين الأجانب.