مؤخرًا، وبعد سنوات من التقارب شهدت العلاقات بين مصر والسعودية توترًا، ظهر جليًا في انتقــادات وجههــا كتــاب وأكاديميون ســعوديون حول قضايا مصرية محلية، منها التمويل والاستثمارات ونظام الحكم. وشهدت العلاقات بين الدولتين منذ اندلاع الانتفاضات العربية نهاية 2010 وبدايات 2011 مراحل من التقارب والتباعد، مثلما حدث كثيرًا في فترات تاريخية سابقة.
ملف الأزمة المصرية- السعودية الذي أعده “مصر 360″، يقدم خلاصة ما تناوله كتابه البارزون بالنقاش حول جوانب العلاقات بين البلدين، بما فيها من تنسيق وتباعد وخلافات، ويحلل أوجه وأسباب الخلاف هذه، وتباين المواقف في بعض القضايا، والتي يرتبط بعضها بحسابات متعددة في ظل ظروف مستجدة على المستويين السياسي والاقتصادي.
للاطلاع على الملف كاملًا..
بناء النفوذ وصناعة القرار
يرصد كل من لؤي هشام وماريو ميخائيل، التغيرات التي طرأت على الخليج، بالتركيز على نمط الإدارة وديناميكية اتخاذ القرار، وتغير النخب الحاكمة، وميل بعضها إلى الاستعانة بالمستشارين الأجانب ودعم مراكز الأبحاث، وتوجيه وسائل الإعلام.
ففي تقرير أموال النفط السعودي.. وقود مركز السلطوية يعرض ماريو من خلال قراءة لتقارير سابقة، دور المال في تشكيل علاقات مع جماعات ونخب نافذة في بلدان الشرق الأوسط. في هذه التقارير، يفسر الباحثان توبياس زومبراجيل Tobias Zumbrägelوتوماس ديملهوبر Thomas Demmelhuber نفوذ الرياض بمفهوم “مركز الجذب السلطوي”.
وفق هذه التقارير التي ناقشها الملف، نشرت الرياض أفكارها السلطوية خارج حدودها، مستخدمة الاستثمارات بجانب توظيف آليات الدعم المعنوي والدبلوماسي والإعلام، ولم يقتصر ذلك على دول تواجه أزمات اقتصادية كما مصر ولبنان، بل اتبعت هذا السلوك مع دول خليجية أخرى، مثلما طالبت السعودية، الكويت بمعاقبة منتقدي الرياض، أو الضغوط المماثلة التي مورست على البحرين.
السلفية و”القومية”
اعتمدت السعودية على السلفية لدعم موقعها، وبوصفها أحد مراكز العالم الإسلامي، وكانت الرياض مركزًا لتمويل شبكات السلفية. ومع الإصلاحات التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان تغيرت تلك المقاربة، وسعى حثيثًا لإضعاف المكون الديني السعودي، واستبداله بهوية قومية. وبدأ في رفع العديد من القيود في المجال العام، في مرحلة أطلق عليها “ما بعد السلفية“.
خارجيًا، لم تنته علاقة الرياض بالسلفيين، ينقل ماريو عن أحمد ناجي، وهو باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير- كارنيجي، دعمت السعودية السلفيين في اليمن لمواجهة الحوثيين، وكذلك في ليبيا. وفي كلتا الحالتين، تضع الرياض نفسها كقائد وحامي القوى السنية في مواجهة الخطر الشيعي.
الاستثمارات في مصر
في مصر، توظف الرياض استثماراتها كثاني أكبر مستثمر فيها، لكن ورغم ذلك، لم تنجح في تطويع النخب المصرية. واختلفت القاهرة مع الرياض في قضيتين بارزتين، الموقف من نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمشاركة في حرب اليمن.
يتركز تأثير السعودية على قطاعات من النخبة المصرية، بما فيها العاملين في مجالات الرياضة والفن والإعلام، مثل مشروعات أعلنتها المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام، ومنها إطلاق قنوات تلفزيونية. هذا الاهتمام بالإعلام المصري ليس بالجديد لكنه يزداد، حيث تمول السعودية قنوات تابعة لجهات سيادية وتطمح لمحاولة نشر أفكارها خدمةً لمصالحها.
دور الوساطة وقيادة المنطقة
وضمن ساحات تنافس سعودي مصري، يطرح ماريو سؤلًا هل يمكن للسعودية إزاحة الدور المصري في ا القضية الفلسطينية
ويشير إلى دور الوساطة المصرية الذي تعززه مكانة مصر السياسية.، وينقل عن الباحثين إلياس كوسكوفيليس وكونستانتينوس زاراس: إن تلك القضية هي واحدة من قضايا عديدة تعبر عن الاختلاف في المصالح بين مصر والسعودية بالإضافة إلى النزاع حول قيادة المنطقة.
وفي الوقت الذي يتعاظم فيه دور السعودية عربيا، ترفض مصر أن تصبح لاعبًا ثانويًا، خاصة وأن دور مصر المحوري كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين ظل ورقة مهمة أكسبت مصر نفوذًا واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي
ورغم أن السعودية لم تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل بعد، فإن ثمة علاقة قوية تربطها بحماس ونفوذ مرتبط بالمساعدات المالية للسلطة الفلسطينية.
ويناقش لؤي هشام في تقرير معمق مدعوم بالبيانات، عملية صناعة سياسات الخليج ويطرح دور الإمكانيات الاقتصادية في تحقيق نفوذ لكل من السعودية والإمارات.
فحتى عام 2014، كان توني بلير “رئيس وزراء بريطاني سابق” مرتبطًا بعقد عمل استشاري مع “مبادلة” أحد الصناديق السيادية الإماراتية، كما كان بلير صديقًا مقربًا من ولي العهد السعودي- آنذاك- محمد بن زايد، وتشاطر معه العداء للإسلام السياسي وعددًا من التوجهات السياسية.
حينها، وقعت شركة “توني بلير أسوشيتس”، عقدًا لتقديم الاستشارات للإمارات بقيمة تتراوح بين 25 و35 مليون جنيه إسترليني، حسب صحيفة تايمز البريطانية عام 2015، كذلك كشفت الصحيفة “البريطانية، عن تلقي “مؤسسة توني بلير للتغيير العالمي”، مبالغ وصلت إلى 12 مليون دولار مقابل تقديمها خدمات استشارية للسلطات السعودية، ضمن خطة “التحديث” التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان.
مراكز الأبحاث والجامعات
نهاية العام الماضي، كشفت تقارير عن أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ديفيد كاميرون، سيدرّس السياسة في جامعة نيويورك بأبو ظبي، وشغل كاميرون منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة من عام 2010 حتى عام 2016، كما أن هناك 15 مركزا بحثيًا في الإمارات، وفي السعودية 10. كما تضم مراكز أبحاث غربية في مجالسها الاستشارية باحثين ممن هم مستشارون في دول مجلس التعاون الخليجي وسفراء ورؤساء تنفيذيون لشركات استشارات.
يتابع هشام عملية صياغة سياسات الخليج بالتركيز على دور المستشارين الأجانب، وكيف يتم اعتبارهم بديلا للوزارات خاصة مع حدوث تطورين، الأول وأد انتفاضات الربيع العربي، والثاني، التبشير بعالم لا يسوده النفط، وسعوديًا ظهرت “رؤى 2030” التي تدفع نحو تنويع الإمكانات الاقتصادية بعيدًا عن “الذهب الأسود” وهو ما استدعى إعادة رسم العلاقات السياسية والأمنية.
في الخليج، بات هناك طلب مرتفع على الاستشاريين، حيث تقدر صناعة الاستشارات في الشرق الأوسط بحوالي 3.6 مليارات دولار. كان منها تقديم المشورة للسعودية بشأن رؤية 2030 ومساعدة الإمارات في تطوير استراتيجيتها الاقتصادية.
في السعودية تحديدًا، ظهرت مهام “غير تقليدية” للمستشارين. إذ أصدرت شركة ماكينزي تقريرًا ربما ساعد في قمع المعارضين. وتقدم “بوسطن” المشورة لمؤسسة محمد بن سلمان، بحسب “نيويورك تايمز“.
تأكيدًا لذلك، تقول كالفيرث جونز، الأستاذ المشارك في جامعة ماريلاند، والتي أمضت 19 شهرًا بين عامي 2009 و 2017 في إجراء بحث ميداني بالشرق الأوسط، أنها لمست الدور الرئيسي الذي يلعبه خبراء أجانب من شركات “ماكنزي” و”راند” وغيرها من الشركات.
وعلى صعيد اقتصادي، يرصد عبد الوهاب شعبان في تقريره عن “ نيوم السعودية ”/ حلم اقتصادي تشوبه انتهاكات حقوقية.. اتفاق بين مصر والسعودية، على شراكة في مشروع “ نيوم ”، وما يشوب هذا المشروع من انتهاكات حقوقية. وحسب منظمة “القسط” الحقوقية اعتُقل العشرات من أبناء قبيلة الحويطات واحتُجزوا، وصدرت أحكام ضدهم بالسجن لفترات طويلة؛ على خلفية مقاومتهم السلمية للإجلاء من منازلهم
وبجانب فوائد الشراكة المصرية، ومنها تعزيز استثمارات سياحية بمنطقة البحر الأحمر، لكن ذلك لا يلغى أوجها من القلق حول مشروعات استثمارية سياحية قائمة فعليا.
وضمن تحليل سياسي، يشتبك الكاتبان عبد الله السناوي وحسين عبد الغني مع جذور الأزمة ومصادرها التاريخية وعلاقتها بواقع مصر الحالي.
يرى حسين عبد الغني أن العلاقات المصرية الخليجية في شقها التاريخي كانت مبنية على عدة اعتبارات لم تعد قائمة اليوم، وأن ذلك ضمن مصادر الأزمة الحالية، والذي دفع لتغير في قواعد اللعبة بين الطرفين وظهور الخلافات.
وضمن التغيرات، اختفاء الجيل القديم من حكام ومواطني الخليج، الذين شهدوا مصر، الدولة الأكبر والأغنى والأكثر تقدمًا وحداثة والتى كانت تساعد دول الخليج، ولها تاثير ضخم من خلال أدوات التعليم والفن.
التغير الثاني، دور الجيش وصورته لدي الخليج. كان الجيش يدافع عن كل العرب في حرب 1973 لكن عقب كامب ديفيد، تغيرت الصورة، بل بات فريق منهم يعتقد، أن انخراط المؤسسة في شؤون الحكم والاقتصاد قد لا يجعلها الطرف الإقليمي الأكثر جاهزية لتلبية مهمة الدفاع خارج حدودها.
هذا بالإضافة إلى شكوك خليجية في أن مصر ما زالت تمتلك قوتها الناعمة. أضف إلى ذلك طرح يرى أن دول الخليج يمكن أن تتولى قيادة المنطقة العربية.
تقول التقارير أن الطرفين لديهما خلافات ومنافسة على الأدوار، وأن الأزمة ليست عابرة، وهي ممتدة، ويسرد ذلك مقال آخر، يستعرض الجذور التاريخية حول الأزمة السعودية- المصرية.. ويتفق مع الذين يقولون أن مسار العلاقة متعرج لا يسير في اتجاه واحد.
يتصف هذا المسار أحيانًا بطابع ودي يصل إلى التحالف في فترات تاريخية أو يتصف بطابع صراعي يصل إلى الحروب المباشرة (محمد علي وابنه القائد إبراهيم مع الدولة السعودية الأولى) أو غير المباشرة (بين الملك فيصل وعبد الناصر في حرب اليمن) في فترات أخرى.
وخلال الملف وفي تماس مع حسين عبد الغني في تناول جوانب الأزمة المصرية، يتناول أشرف الصباغ مخاوف السعودية
من أزمة القاهرة، ويستعرض سمات الأزمة، على المستويين السياسي والاقتصادي، وأيضًا معضلات وتقلبات المجتمع المصري التي يصفها بالعنيفة ويعتبرها لا تنتمي لأي نموذج، ملكيًا كان أو جمهوريًا، ومنها هيمنة الجيش والبيروقراطية الهرمة المقاومة للتغيير، وقلق السعودية من صور لمصر السلفية الأصولية من جهة أخرى.
يُضاف إلى ذلك، التخوف من الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار والعشوائية التي يمكن أن تدفع إلى فوضى، تؤدي بدورها إلى عبور “الحالة” عبر قنوات وطرق وبوسائل أخرى من جهة إلى أخرى.
عبد السناوي في “الأزمة المصرية السعودية..”، يرى أن ما تم تداوله في الإعلام السعودي لا يعبر وحسب عن أزمة بين البلدين، ولكن انشغال بمصير دولة مركزية مهمة، أو كما يقول السناوي” بصياغة الأكاديمي السعودي “خالد الدخيل” فإن “الحديث عن مصر ليس حديثًا عن أية دولة عربية، أو تدخلًا في شؤونها الداخلية، فمصر كادت أن تكون في يوم من الأيام هي كل العرب، وتاريخها الحديث يكاد يكون تاريخ كل العرب في طموحاتهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم”.
يشير السناوي إلى أهمية التحاور كقيمة سياسية، يقول: المعونات مسكنات وليست حلولا، الأزمة الاقتصادية حلها مسئولية مصرية كاملة بمراجعة السياسات الاقتصادية والأولويات، أما التضامن والتكاتف قضية أخرى تقتضيها المصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين، وفي نفس الوقت لا يوجد شيئ مجانا.
يؤكد السناوي على أهمية قراءة التاريخ: في أي حوار جدي حول جذور الأزمة المصرية السعودية ينبغي أن نراجع القصة بكامل أبعادها الاقتصادية والاستراتيجية حتى لا يتصور أحد بالوهم أننا حصلنا بالمجان على مساعدات مالية سعودية. إذا أردنا علاقة صحية واستراتيجية حقا فإن الحوار الدبلوماسي، كما الحوار بين المثقفين على الجانبين، هو المدخل الصحيح”.
بينما يكتب محمد سعد عبد الحفيظ عن معارك النفوذ بين السعودية– الإمارات في اليمن والذي انتهى إلى فشل الرهانات السعودية في دمج وتوحيد القوى في تحالف واحد لمواجهة الحوثيين.