يبدو أن السياسة لا تبتعد كثيرًا عن كرة القدم وتتداخل بشدة بأزماتها وأحكامها حتى في الرياضة واللعبة الأشهر بالعالم، ففي الوقت الذي فازت فيه الولايات المتحدة الأمريكية على غريمتها إيران ببطولة كأس العالم 2022، بالمباراة بهدف نظيف وكذلك ببطاقة الصعود لدور الـ16 وألقت بها خارج المونديال.
لم تكن الأجواء مشحونة سياسيًا على أرضية الميدان كما كانت عندما التقى الفريقان آخر مرة، في أول لقاء بين المنتخبين عام 1998 في مونديال فرنسا الشهير. ولن تكون أمريكا وإيران، المباراة الوحيدة التي تتداخل السياسة فيها مع الرياضة، ففي تاريخ كرة القدم مباريات عدة كانت فيها الأجواء السياسية طاغية.
اقرأ أيضا.. الإيكونوميست دفاعا عن قطر في كأس العالم: الأفضل لتنظيم حدث رياضي كبير
إيران والولايات المتحدة
التقى الفريق الإيراني ونظيره الأمريكي في مباراة دور المجموعات سنة 1998 بعدما خسر كلاهما في المباراة الافتتاحية، هذه المواجهة كانت أكثر من لعبة كرة قدم حينها، بعد قطع العلاقات السياسية بينهما سنة 1980.
وقبل اثني عشر يومًا من بداية كأس العالم سنة 1998، ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أنه تم الكشف عن مؤامرة لمهاجمة الفريقين الأمريكي والإنجليزي خلال البطولة، بعد مداهمات الشرطة المنسقة في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا.
وأضافت التقارير أن قاعدة تدريب الولايات المتحدة كانت خارج باريس مباشرة، إذ كانت هناك إجراءات أمنية مشددة، فقد قال كابتن الفريق الأمريكي في مقابلة له مع BBC، إن أسامة بن لادن كان “يحاول أن يفعل شيئًا للفريق، أو يفجر الفريق أو شيء من هذا القبيل”.
وبعد بداية مباريات كأس العالم، فقدت الولايات المتحدة المباراة الافتتاحية، كانت نتيجة مهمة لأن هذه الحقبة كانت فيها كرة القدم الأمريكية في حالة انتعاش، عقب انطلاق الدوري الأمريكي لكرة القدم بالإضافة إلى استضافتها لكأس العالم عام 1994.
من ناحية أخرى، عانت إيران من هزيمة على يد البرازيل في مباراتها الأولى بعد عودتها إلى المونديال للمرة الأولى منذ عام 1978، وبالنسبة لكلا الفريقين كان الفوز ضروريًا للبقاء في البطولة، وقد كان من المقرر أن تقام المباراة في 21 يونيو 1998.
بدأت المباراة أمام ما يقرب من 40 ألف شخص مع مصافحة للاعبين الإيرانيين مع نظرائهم الأمريكيين وسط أجواء افتتاحية يملؤها السلام، كانت المباراة حامية جدًا وانتهت لصالح المنتخب الإيراني، بعدما سجّل اللاعب حامد استيلي الهدف الأول في الدقيقة 40، ثم تمكن مهدي ماهدافيكيا من تسجيل الثاني في الدقيقة 84.
وقبل ثلاث دقائق من نهاية المباراة، تمكنت الولايات المتحدة من تسجيل هدفها الأول عن طريق بريان ماكبرايد، لكن إيران تمسكت بالفوز وحكمت النتيجة على الولايات المتحدة بخروج مذل من الدور الأول مع ضمان تأهل إيران إلى الدور المقبل وزيادة حظوظها للفوز بكأس العالم.
موسوليني والقمصان السوداء
في عام 1938، ذهبت إيطاليا إلى فرنسا وتجاهلت الاحتجاجات والافتقار الشديد إلى الشعبية للدفاع بنجاح عن لقب كأس العالم.
وبحسب صحيفة “الجارديان” بدأت ثمار الاستثمار السياسي في كرة القدم بالظهور خلال أوائل الثلاثينيات، عندما تحدّت فرق الأندية الإيطالية غريمتها في أوروبا الوسطى وبريطانيا، من أجل التفوق، وازدهر جيل كرة القدم في عام 1934 عندما استضافت إيطاليا كأس العالم وفازت به.
وفي سياق جيوسياسي متوتر للغاية، وفي ظل الفاشية التي خيّمت على أوروبا، استضافت فرنسا النسخة الثالثة من كأس العالم، وفي 12 يونيو واجهت إيطاليا في ربع النهائي على ملعب كولومب.
وبعد أن تمكنت إيطاليا من الفوز بـ3 نقاط مقابل نقطة واحدة لفرنسا، ارتدى الإيطاليون قميصًا أسود شبيهًا بقميص ميليشيات نظام موسوليني، ووجّهوا تحية فاشية إلى 60 ألف متفرج، وردّ الجمهور حينها بصافرات الاستهجان أثناء النشيد الإيطالي.
فيما كانت كرة القدم في نظر موسوليني وسيلة لإظهار تفوّق الأيديولوجية الفاشية، وذهب المنتخب الإيطالي بعيدًا في المنافسة حينها، حتى ظفر بلقبه التاريخي الثاني على التوالي.
هتلر يحرم النمساويين
سنة 1938 كان زعيم النازية أدولف هتلر يستعد للانتقام في مونديال فرنسا بعد خسارة ألمانيا في أولمبياد برلين سنة 1936، إذ تمكن العداء الأمريكي “جيسي أوينز” من خطف الأنظار بإحرازه 4 ميداليات ذهبية، فيما خسر فريق كرة القدم الألماني أمام نظيره النرويجي.
ليقرر هتلر الانتقام من الخسارة عبر الفوز في مونديال فرنسا سنة 1938، ولهذا ضمّ الفريق الألماني إلى صفوفه أفضل اللاعبين النمساويين. هدد النظام النازي الفرنسيين قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بـ18 شهرًا، إذ واجهت ألمانيا للمرة الثانية سويسرا لتنتهي المباراة بالتعادل بهدف لمثله.
أما في المباراة الثانية التي تحدد من سيتأهل إلى المرحلة المقبلة من كأس العالم، فكان الفوز في البداية لصالح الفريق الألماني لتتغير الموازين في الشوط الثاني وتنتهي المباراة بأربعة أهداف لصالح سويسرا مقابل هدفين لألمانيا.
غضب المدرب “سيب هيربيرجر” الذي انضم إلى الحزب النازي سنة 1933 وألقى اللوم على اللاعبين النمساويين، وكان ذلك الخروج الأول للفريق الألماني من الدور الأول منذ بداية الألعاب سنة 1930.
لم تنتهِ القصة هنا ففي يناير 1939، عُثر على اللاعب النمساوي “ماتياس سيندلار” وصديقته مقتولين في شقتهما بفيينا، عقب تسميمهما بأكسيد الكربون.
المواجهة الألمانية
على ملعب “فولكس بارك” في هامبورج، تواجهت كل من ألمانيا الغربية والشرقية يوم 22 يونيو 1974 في مباريات الدور الأول من كأس العالم.
وفي خضم الحرب الباردة، عرفت المباراة توترًا حادًا بين الطرفين، لكن الأمور جرت بسلاسة، وانتهت المباراة من دون عوائق، وانتصرت ألمانيا الشرقية بهدفٍ وحيد سجله اللاعب “يورجن شبارفاسر” في ربع الساعة الأخير من عمر المباراة.
لكن رغم خسارة ألمانيا الغربية في المباراة، تمكنت من الظفر بالمسابقة، محققة بذلك اللقب الثاني لها في المونديال.
مارادونا ومواجهة إنجلترا
تواجهت الأرجنتين وإنجلترا في مباراة ربع النهائي في مونديال المكسيك سنة 1986، أي بعد أربع سنوات فقط من حرب جزر فوكلاند التي تسببت بمقتل 649 أرجنتينيًا و255 بريطانيًا.
عرفت المباراة أجواءً خاصة، إذ رفع المشجعون الأرجنتينيون لافتات تحمل عبارة “جزر فوكلاند أرجنتينية”، وأنشدوا أغنيات قومية تدعو إلى “قتل الإنجليز”، بعدما كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين متوترة جدًا منذ عام 1982.
وعلى هامش ربع النهائي، اندلعت اشتباكات بين مشجعي المنتخبين تسببت بعشرات الإصابات التي تراوحت بين طفيفة وخطيرة، وخلال المباراة فازت الأرجنتين بفضل عبقرية دييجو مارادونا، الذي سجّل هدفين أسطوريين: “يد الله” ثم “هدف القرن”.
لاحقًا وعن هذه المباراة، اعترف الأسطورة الأرجنتيني الراحل: “لقد كانت مباراة نهائية بالنسبة لنا، لم يكن الأمر متعلقًا بالفوز بمباراة، بل بإقصاء الإنجليز”.
جدل شاكيري وشاكا
أثارت طريقة احتفال لاعبي سويسرا جرانيت شاكا وشيردان شاكيري، بهدفيهما، في نهائيات كأس العالم في روسيا غضبًا في صربيا. وقد سجل شاكا هدف التعادل لسويسرا أمام صربيا وأضاف شاكيري هدف الفوز لفريقه، واحتفل كلاهما بشعار النسر المزدوج الذي يعد شعارًا وطنيًا في ألبانيا.
ويرى منتقدون أن طريقة الاحتفال بهذا الشعار قد تثير التوتر بين القوميين الصرب والألبان، وأثنى الرئيس الألباني على ما فعله اللاعبان، ولكن صحيفة صربية مقربة من الحكومة قالت إن اللاعبين “أهانا” سويسرا.
ووصفت صحف سويسرية أيضًا طريقة الاحتفال بأنها “مستفزة”، وقد تعرض اللاعبان منذ البداية إلى تصفير المشجعين الصرب.
وينحدر شاكا وشاكيري من عائلتين هاجرتا إلى سويسرا من كوسوفو، التي تعرض فيها المسلمون إلى مجزرة على يد الصرب، انتهت بتدخل عسكري لحلف الناتو عام 1999، وقضى والد شاكا ثلاثة أعوام سجينًا سياسيًا في يوغوسلافيا سابقًا لأنه كان يدعم استقلال كوسوفو، أما شاكيري فولد في كوسوفو، وهربت عائلته إلى سويسرا مع اللاجئين من حرب البوسنة.
وأعلنت كوسوفو استقلالها عام 2008، ولكن صربيا حليفتها روسيا وأغلب الصرب داخل كوسوفو لا يعترفون بها، وحدث توتر بين الصرب واللاعبين السويسريين من أصول ألبانية قبل المباراة.
ويلبس شاكيري حذاء عليه علم سويسرا من جهة وعلم كوسوفو من الجهة الأخرى، ولكن اللاعب الصربي ألكسندر ميتروفيتش، يقول عنه إذا كان يحب كوسوفو إلى هذه الدرجة ويحمل علمها لماذا رفض اللعب في فريقها”، وكان الجمهور الصربي يصفر كلما ذكر اسم شاكيري.
وتقدم الاتحاد الصربي لكرة القدم بشكوى رسمية للفيفا من طريقة احتفال شاكيري بالهدف واتهمه بالاستفزاز، هذا الفعل دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم “FIFA” في وقت لاحق من تغريم اللاعبين السويسريين مبلغ 8660 يورو لكل منهما.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها التوتر بين صربيا وألبانيا في ملاعب كرة القدم، ففي عام 2014 توقفت مباراة بين البلدين بعدما رفعت طائرة بلا طيار فوق الملعب علم ألبانيا، ومنع المشجعون الألبانيون من حضورة المباراة.