رغم تراجع صفقات الاندماج والاستحواذ بين الشركات عالميا، بنسبة %37 خلال 2022 مع ارتفاع الفائدة الذي دفع غالبية المستثمرين لإرجاء قراراتهم التوسعية، لكن مصر كانت حالة استثنائية بعدما شهدت ارتفاعا بالنسبة ذاتها، مع تكالب المستثمرين الخليجيين على اقتناص شركاتها.
اقرأ أيضا.. حمى الاستحواذات.. إنتاج مصر على مقاس الخليج
سجلت قيمة صفقات الاستحواذ والاندماج العالمية في 2022 نحو 3.6 تريليونات دولار مقارنة بنحو 5.9 تريليونات دولار العام الماضي، في ارتدادة كبيرة تعود بسوق الاستحواذات والاندماجات لمستوى عام 2017, وفق الشركة المزودة للبيانات Dealogic.
احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في التراجع عالميًا بنسبة %43 تلتها منطقة آسيا والمحيط الهادئ بـ %30 ثم أوروبا بـ%27، بسبب انهيار سوق الأسهم وأزمة الطاقة في أوروبا والتباطؤ الاقتصادي وارتفاع التضخم وزيادة نسب الفائدة مع توقعات متباينة لصفقات 2023 إن لم يكن الركود شديدا.
صفقات عابرة للحدود
كانت أكبر عملية استحواذ عابرة للحدود، سيطرة الشركة الفرنسية “CMA CGM” العملاقة في مجال النقل البحري على ميناءين جافين جديدين في الولايات المتحدة، فيما استحوذت شركة Amgen العاملة بمجال المستحضرات الدوائية الحيوية الأمريكية، على الشركة الإيرلندية “هوريزون تيرابوتيكس” مقابل نحو 28 مليار دولار.
بحسب تقرير “إرنست ويونج” لصفقات الاندماج والاستحواذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن التسعة أشهر الأولى من العام 2022 شهدت تسجيل 524 صفقة بقيمة إجمالية بلغت 55.2 مليار دولار بارتفاع بنسبة 6% على أساس سنوي.
مثلت صفقات الاندماج والاستحواذ في مجال الأسهم الخاصة وصناديق الثروة السيادية 35% من إجمالي عدد الصفقات المعلنة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 و38% من قيمتها. بينما استحوذت المؤسسات المرتبطة بالحكومات على 38% من إجمالي قيمة الصفقات المعلن عنها خلال الفترة ذاتها، مع تسجيل صفقات بقيمة إجمالية بلغت 21 مليار دولار.
مصر في مقدمة سوق الصفقات
احتلت مصر المرتبة الثانية في التسعة أشهر الأولى من 2022 في عدد الصفقات بـ 99 صفقة بقيمة 3.9 مليار دولار ما يعادل 11 صفقة شهريًا، بينما احتلت الإمارات المرتبة الأولى بـ 155 صفقة بقيمة إجمالية بلغت 17.2 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، وجاءت السعودية بـ 58 صفقة بقيمة 3.4 مليار دولار، والمغرب 22 صفقة بقيمة 1.9 مليار دولار، وسلطنة عُمان 10 صفقات بقيمة إجمالية بلغت 0.7 مليار دولار.
لكن الملاحظ أن غالبية الصفقات في الخليج كانت محلية باستحواذ شركات داخلية على أخرى، على عكس مصر التي كانت الصفقات فيها باستحواذ خليجي في المقام الأول إذ شهدت ارتفاعاً بنسبة 37% في نشاط الصفقات خلال التسعة أشهر الأولى بوجه عام سواء المحلية أو الخارجية.
الإمارات تتربع على عرش الشراء
استحوذت مجموعة مواني أبو ظبي على حصة 70% في شركة الشحن والخدمات اللوجستية المصرية إنترناشونال أسوسييتيد كارجو كارير (أي أيه سي سي) مقابل 514 مليون درهم إماراتي (140 مليون دولار).
اشترى الصندوق السيادي الإماراتي حصة 18.6% من البنك التجاري الدولي. مصر “سي أي بي” بقيمة 987.5 مليون دولار، منها حصة البنك الأهلي المصري بنسبة 9.168% بسعر 2.68 دولار بقيمة 487.1 مليون دولار.
اشترى الصندوق السيادي الإماراتي حصة بنك الاستثمار القومي بشركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، بعدد 271.6 مليون سهم بالشركة بسعر 1.44 دولار بقيمة إجمالية 391.9 مليون دولار ليتخارج نهائيًا من الشركة.
استحوذ الصندوق السيادي الإماراتي على 20% من حصة وزارة المالية، بشركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، بإجمالي 45.8 مليون سهم بسعر 5.817 دولار بقيمة إجمالية 266.6 مليون دولار، لتنخفض نسبة حصة الوزارة من 26% إلى 6%.
اشترى الصندوق السيادي الإماراتي حصة الهيئة العامة لميناء الإسكندرية بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات بإجمالي 476.7 مليون سهم بسعر 0.39 دولار بقيمة إجمالية 186.1 مليون دولار.
اشترى صندوق الاستثمار الإماراتي، حصة 12.6% بشركة فوري لتكنولوجيا البنوك بقيمة 68.6 مليون دولار، وهي حصة كانت ملك البنك الأهلي الذي تقلصت ملكيته من 12.54% إلى 6.24%، وبنك مصر الذي انخفضت حصته من 15.78% إلى 9.48%.
استحوذت مجموعة أغذية الإماراتية على حصة 60% في مجموعة أبو عوف، إحدى أكبر الشركات المتخصصة بصناعة وبيع منتجات القهوة والوجبات الخفيفة الصحية في مصر بقيمة 2.92 مليار جنيه.
استحوذت شركة “شيمبي 1 انفستمنت بي في ريستركتد” إحدى الشركات التابعة لشركة شيميرا للاستثمار الإماراتية، على أسهم بلتون المالية القابضة، بإجمالي 259.121 مليون جنيه بقيمة إجمالية 384.795 مليون جنيه.
استحوذت شركة “أدنوك” الإماراتية على 50% من أنشطة شركة «توتال إنرجيز» بقيمة إجمالية 203 ملايين دولار. و”توتال إنرجيز” واحدة من أكبر أربع شركات لبيع الوقود بالتجزئة في مصر، ولديها محفظة أعمال متنوعة تضم 240 محطة لبيع الوقود بالتجزئة، وما يزيد على 100 متجر للبيع بالتجزئة، وأكثر من 250 محطة تغيير زيت، ومراكز غسيل السيارات، وبيع الوقود بالجملة ووقود الطائرات، وعمليات زيوت التشحيم
استحوذت شركة “ريمكو” الإماراتية على حصة من شركة إيديتا المصرية 2022 خلال صفقة بلغت قيمتها نحو 10 ملايين دولار، مقدرة لنحو 3% من أسهم الشركة التي تصدر إلى نحو 16 دولة حول العالم، وحجم الصادرات السنوية يصل إلى 350 مليون جنيه.
استحوذت شركة «إكس-إيرا» للخدمات التكنولوجية واللوجيستية بالإمارات على منصة «متجر سبيد للتجارة الإلكترونية» في مصر التي تتضمن أصحاب محلات البقالة الصغيرة ومتوسطة الحجم على شراء مخزونهم الكافي من تجار الجملة والموزعين والمصنعين بأسعار مناسبة،
استحوذت المجموعة الاولى القابضة الإماراتية على أغلبية مجموعة مصانع سيناكولا المصرية بهدف إعادة تشغيل خطوط الإنتاج في المنطقة الصناعية بجمصة ومدينة السادات، والتوسع إقليميا بالعلامة التجارية التي انتقلت ملكيتها إلى الشركة الجديدة.
صفقات السعودية.. حصص ضخمة
برزت الشركات والصناديق السعودية في الصفقات المصرية خلال عام 2022، بنحو 9 صفقات بينها واحدة غير معلنة على مستوى الشركات الحكومية بجانب صفقات أخرى في القطاع الخاص.
امتلك الصندوق السيادي السعودي 25% من شركة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، بما يعادل 462.2 مليون سهم بقيمة إجمالية 7.49 مليار جنيه تقريبًا.
امتلك السيادي السعودي نحو 19,82% من شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، بقيمة إجمالية 3.69 مليار جنيه.
استحوذ السيادي السعودي على نحو 25% من أسهم شركة موبكو للأسمدة، وهي حصة كانت موزعة بين: الاستثمار القومي البالغة 12.81% وحصة وزارة المالية البالغة 6% وحصة شركة جاسكو البالغة 5.72% وجزء من حصة مصر لتأمينات الحياة بواقع 0.47%
امتلك السيادي السعودي حصة تبلغ 20% من أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات بقيمة اجمالية 3.02 مليار جنيه بمتوسط سعر بيع للسهم الواحد8.11 جنيه.
استحوذ الصندوق السيادي السعودي على %4.7 من أسهم “المصرية الدولية للصناعات الدوائية” (إيبيكو) -تعادل نحو 4.7 مليون سهم- بقيمة تخطت 140 مليون جنيه.
استحوذت الشركة العربية لخدمات الإنترنت والاتصالات بالسعودية على 89,49% من أسهم شركة جيزة للأنظمة بقيمة بلغت نحو 158 مليون دولار في شهر يونيو 2022.
استحوذت مجموعة الحكير على نحو 5% من أسهم شركة فاليو التابعة للمجموعة المالية “هيرميس” مقابل 12.4 مليون دولار، وبالتالي يصل تقيم الشركة إلى 247.4 مليون دولار.
استحوذ الصندوق السيادي السعودي على 34% من أسهم شركة «بي.تك» من خلال صفقة بلغت قيمتها نحو 150 مليون دولار.
استحوذت شركة صافولا للأغذية السعودية على كامل أصول الشركة المصرية البلجيكية للاستثمارات الصناعية بقيمة بلغت نحو 33 مليون دولار.
استحوذت منصة ساري السعودية على شركة مورد المصرية المتخصص في قطاع الأعمال وسوق الجملة.
اشترت شركة Saudi Seventh investment، حصة تبلغ 6.5% من أسهم شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية (راميدا) المصرية، في صفقة بلغت قيمتها الإجمالية 135.2 مليون جنيه.
الاستحواذات الكويتية
استحوذت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية (الصندوق السيادي الكويتي) على حصة 4.8% في شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات التشخيصية (راميدا). التي حققت 126.3 مليون جنيه صافي ربح في النصف الأول من 2022
استحوذت الشركة الكويتية على 75% من أسهم شركة جلوبال إنفيست لتداول الأوراق المالية بقيمة بلغت نحو 368,4 ألف دولار، وجلوبال إنفيست لديها حصة كببرة من رخص التداول المعمول بها فى السوق، وعلى رأسها البيع والشراء في الجلسة الواحدة والشراء الهامشي، وتلقيى واسترداد وثائق صناديق الاستثمار.
الشركات القطرية.. تأني في الشراء أم انتقاء للفرص؟
وافقت قطر على استثمار 5 مليارات دولار بمصر “في الفترة المقبلة” لكنها لم تدخل بقوة في السوق بعد، وأبرمت شركة قطر للطاقة اتفاقية مع شركة إكسون موبيل للاستحواذ على حصة في منطقة استكشاف قبالة سواحل مصر، لتمتلك شركة قطر للطاقة 40% من حصة المقاول في منطقة شمال مراقيا البحرية في البحر الأبيض المتوسط، في حين أن شركة تابعة لإكسون موبيل (المشغل) ستحتفظ بنسبة 60% المتبقية من الامتياز.
رفعت شركة بلدنا القطرية نسبة ملكيتها في أسهم شركة جهينة للصناعات الغذائية المصرية إلى 10.138% ما يعادل 95.44 مليون سهم ليبلغ إجمالي قيمة استثمارها في جهينة 635 مليون جنيه.
صفقات في الطريق
كيريل كوربوان، رئيس فرع “جي بي مورجان” بفرنسا، يقول لصحيفة لوفيجارو الفرنسية، إن عام 2023 سيكون معقداً جداً بالنسبة لسوق الاستحواذ والاندماج، فمن المرجح أن تبقى السوق هادئة وتحافظ على مستوى 2022 مع استمرار مشكلات التمويل والتشديد النقدي.
لكن في مصر الصورة مغايرة، إذ توجد العديد من الصفقات التي بدأت مفاوضاتها في 2022 وسيتم استكمالها في 2023 منها محادثات جهاز قطر للاستثمار للاستحواذ على 20% في فودافون مصر من شركة المصرية للاتصالات، وهو أمر يخضع لمنافسة ايضًا من شركة الاتصالات السعودية stc.
كما يجري صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي) محادثات متقدمة للاستحواذ على بنك المصرف المتحد المملوك بنسبة 99.9% للبنك المركزي المصري، في صفقة قد تقدر قيمتها بـ 600 مليون دولار تقريبا، وتردد دخول صندوق إماراتي ايضًا بتقديم عرض موازي للشراء.
من بين الصفقات التي لم يتم إتمامها في 2022 ، تقديم شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) المملكة لشركة الدار العقارية الإماراتية لعرض غير ملزم للاستحواذ النقدي على 100% من أسهم رأس مال شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، بسعر شراء استرشادي يتراوح ما بين 3.20 جنيه إلى 3.40 جنيه للسهم.
لماذا مصر؟
يجمع الخبراء على أن المستثمرين الخليجيين أقبلوا على مصر لثلاثة أسباب رئيسية هي:
التقييمات المتدنية للأسهم والشركات المصرية بعد جائحة كورونا وتعويم الجنيه الذي جعل الشركات المصرية رخيصة حال بيعها بالدولار، والزيادات السكانية المستمرة في مصر التي وصلت إلى 1.6 مليون نسمة في 2022 تجعل الشركات تقبل على التواجد بالسوق المصرية لوجود قاعدة كبيرة من المستهلكين.
ويضاف لذلك السيولة المالية الكبيرة للصناديق الخليجية، بعدما جنت مئات المليارات من الدولارات الإضافية بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي منذ اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية في فبراير 2022.