في شهر رمضان الماضي، تعرضت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى العديد من الهجمات، سواء من رجال المقاومة الفلسطينية، أو الهجمات على طول الحدود اللبنانية، في إشارة إلى ما وصفه محللون إسرائيليون بـ “جرأة حسن نصر الله المتزايدة”.
لكن، في تحليلهما، تشير أورنا مزراحي الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي/ INSS https في تل أبيب، ويورام شفايتسر خبير الإرهاب الدولي ورئيس برنامج الإرهاب والصراع منخفض الكثافة بالمعهد. إلى أن “الشعور بالثقة الزائفة يجعله أقل حذراً في القيام بعمل استفزازي ضد إسرائيل قد يؤدي إلى التصعيد”.
وطرح المحللان سؤالا هو: كيف تتصرف إسرائيل لتقوية ردعها المتآكل على طول الحدود اللبنانية؟
يشير المحللان إلى أن ثغرات الردع الإسرائيلي ضد حزب الله تجلت في أعقاب الهجوم على مفترق مجيدو، في منتصف مارس/ آذار الماضي، من قبل فلسطيني عبر الحدود من لبنان. وكذلك الصواريخ التي أطلقتها حماس من جنوب لبنان على إسرائيل خلال شهر رمضان. وقد تضافرت مع هذه الهجمات الأزمة الداخلية التي تشهدها الدولة العبرية حاليا.
وبينما لم يعلن حزب الله مسئوليته عن هجوم مجيدو -رغم الأدلة الواضحة على تورطه من وجهة نظر الإسرائيليين- لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى شارك في إطلاق الصواريخ من مناطق جنوب لبنان الخاضعة لسيطرته.
ويشير المحللان إلى أن “تحويل المسؤولية إلى الفصائل الفلسطينية يخدم مصالح حزب الله، الذي يتمتع بأفضل ما في الاثنين: فمن ناحية، يفضح ضعف إسرائيل ويسمح لها بالقول إن قوة حزب الله العسكرية ردعت إسرائيل. ومن ناحية أخرى، فإن إنكار التورط المباشر يحميها ظاهريًا من أي رد إسرائيلي.
اقرأ أيضا: حزب الله داخل إسرائيل.. خطوة أخرى نحو تغيير قواعد اللعبة
لذلك، يشكل شعور نصر الله المتزايد بالثقة مؤخرًا تحديًا معقدًا لإسرائيل، حول كيفية تعزيز ردعها في مواجهة حزب الله وحماس في لبنان، دون تصعيد الوضع إلى صراع شامل.
وأكدا أنه “على الرغم من أن إسرائيل يجب أن تتخذ نوعًا من الإجراءات ضد حزب الله، لتحديد الثمن وتعزيز الردع، فإن الاعتبارات الاستراتيجية، والتخطيط الشامل، والاستعدادات المناسبة لأي تداعيات محتملة، يجب أن تحدد في اختيار طبيعة وتوقيت العملية”.
تغيير عملياتي
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت هناك زيادة ملحوظة في العمليات ضد إسرائيل على طول حدودها الشمالية مع لبنان، وقد تميزت بحادثين غير عاديين.
في 13 مارس/ آذار الماضي، وقع هجوم على طول شارع 65، المتاخم لمفترق مجيدو، نفذه فلسطيني تسلل إلى إسرائيل من الحدود اللبنانية. فجر عبوة ناسفة على جانب الطريق، مما أدى إلى إصابة إسرائيلي بجروح خطيرة.
وقتها، تم العثور على منفذ العملية -الذي كان يرتدي سترة ناسفة وقتل أثناء محاولته العودة إلى لبنان-وأعلنت جماعة فلسطينية باسم “قوات الجليل- الأسود المنفردة” مسؤوليتها عن الهجوم.
يقول التحليل: بحسب المعلومات المتوفرة، من الواضح أن حزب الله كان وراء التخطيط للعملية وتنفيذها، رغم أن التنظيم نفسه لم يعلن مسئوليته.
ويستدل المحللان على قولها بخطاب ألقاه نصر الله في 22 مارس/ آذار، حيث لم يشر الأمين العام لحزب الله، بشكل مباشر إلى تورط التنظيم في الهجوم، بحجة أن “حزب الله غير ملزم بالحديث عن تفاصيل الحادث الذي فاجأ إسرائيل بالكامل”، وأن صمت حزب الله جزء من حملته.
وقعت الحادثة الثانية غير العادية في 6 إبريل/ نيسان، عندما تم إطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان، كجزء من رد فلسطيني متعدد الجبهات، ضم القدس، وقطاع غزة، ولبنان، على الاشتباكات بين المصلين المسلمين وقوات الأمن الإسرائيلية في الحرم القدسي خلال شهر رمضان.
كانت الصواريخ، التي حدد الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات إطلاقها من قبل نشطاء حماس في لبنان، مكونة من 34 صاروخا. تم اعتراض 25 صاروخا، بينما سقطت خمسة في الأراضي المحتلة التي تسيطر عليها إسرائيل.
يقول التحليل: لم تشهد إسرائيل هجوماً من هذا النوع منذ حرب لبنان الثانية عام 2006. ونفى مسؤولو حزب الله من جانبهم أي تورط في الحادث، لكنهم -في الوقت نفسه- أعربوا عن دعمهم المطلق للنضال الفلسطيني.
محور المقاومة
يرى المحللان أنه على الرغم من عدم وجود دليل مباشر على تورط حزب الله “فمن الآمن الافتراض أن الموافقة من حيث المبدأ على العملية، قد تم منحها خلال أنشطة التنسيق الاستراتيجي بين كبار مسؤولي حزب الله ونظرائهم في حماس. حتى لو لم يكن هناك تنسيق ملموس، أو موافقة من حزب الله على العملية.
ولفتا إلى أن حزب الله يرى أن سيطرته على جنوب لبنان، تمنحه الحق في مطالبة الفصائل الفلسطينية العاملة في البلاد بتنسيق أنشطتها معه “خاصة وأن حزب الله يعلم أن تصرفات هذه الجماعات الفلسطينية يمكن أن تورطه في صراع شامل مع إسرائيل”.
وفق الإسرائيليين، تم تقديم الدليل على الروابط الوثيقة والتنسيق الروتيني بين أعضاء “محور المقاومة” من خلال زيارتين أخيرتين.
الأولى كانت زيارة قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإسلامي إلى بيروت، قبيل إطلاق الصواريخ، في لقاء حضره زعيم حماس إسماعيل هنية، ورئيس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في لبنان زياد النخالة، إضافة إلى عدد من المسؤولين اللبنانيين، بمن فيهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي سارع بإدانة إطلاق الصواريخ.
من جهتها، تعاملت إسرائيل مع الحادث على أنه حدث فلسطيني، واقتصر ردها المباشر على غارات جوية في 7 أبريل/ نيسان في منطقة الرشيدية التي أطلقت الصواريخ منها.
الحدث الثاني، في 9 إبريل/ نيسان، وكان لقاءً علنياً في لبنان بين نصر الله ووفد من حماس برئاسة هنية. وقال حزب الله، في بيان صدر عقب الاجتماع، إن الجانبين بحثا تطورات المنطقة، وأحداث الحرم القدسي، وجاهزية محور المقاومة، والتعاون بين أعضاء المحور.
لكن، على عكس المناوشات السابقة، امتنع حزب الله -حتى الآن- عن الرد على الضربة الجوية الإسرائيلية، وعملية سرية أخرى قامت بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضد حزب الله، تم الإعلان عنها من مصادر أجنبية ولكن لم تؤكدها إسرائيل رسميًا، والتي نفذتها ردًا على إطلاق الصواريخ.
اقرأ ايضا: حزب الله 40 عاما على البداية| خبراء بواشنطن: تحول من “محرر” إلى “محتل”
تباهي نصر الله
في خطابه في 14 أبريل/ نيسان، والتي وافقت الجمعة الأخيرة من شهر رمضان و”يوم القدس” الإيراني، رفض نصر الله بسخرية الهجمات الإسرائيلية، مجادلًا بشدة أنه على الرغم من تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 10 أبريل/ نيسان، فإن أهداف هذه الهجمات لم تكن من رجال حزب الله في لبنان.
بذل نصر الله جهودا مضنية لإعادة تأكيد وحدة الصف داخل محور المقاومة، وقال إن العنف ضد المصلين في الحرم القدسي والفلسطينيين هو خط أحمر بالنسبة لحزب الله. كما سلط الضوء على ما وصفه بالمشاكل الداخلية لإسرائيل، إلى جانب تراجع الدعم الأمريكي للدولة الصهيونية.
وحذر من أن العدوان الإسرائيلي من شأنه أن يثير ردة فعل قد تؤجج المنطقة بأسرها. كما ألمح إلى أن حزب الله لن يرد بعد على الهجمات في سوريا، وأكد -مرة أخرى- أن أي هجوم على الأراضي اللبنانية سيقابل “برد مناسب”.
يقول التحليل: من مصلحة حزب الله أن يحافظ على سيطرته على الفصائل الفلسطينية التي تستخدم الأراضي اللبنانية لشن هجمات ضد إسرائيل. أو، على الأقل، لتنسيق مثل هذه الهجمات لتجنب الانجرار إلى التصعيد. طالما أن ذلك يخدم مصالح محور المقاومة الأوسع، الذي يشمل، خارج المحور الشيعي، حماس والجهاد الإسلامي، ويمارس ضغطًا منسقًا على إسرائيل.
وأضاف: على أي حال، فإن صمت حزب الله – وعلى هذا النحو “الغموض”- فيما يتعلق بتورطه في العمليات الفلسطينية ضد إسرائيل ملائم للتنظيم. تضافرت هذه العمليات ضد إسرائيل -إلى جانب سلسلة من الحوادث السابقة- لتقويض قدرات الردع الإسرائيلية تجاه حزب الله، الذي يعمل بلا كلل لتحسين قواعد اللعبة، في إطار معادلة الردع التي تطورت في في أعقاب حرب لبنان الثانية.
تفادي الحرب
يرى المحللان أنه يمكن لحزب الله التباهي بالعديد من الإنجازات خلال العامين الماضيين، بما في ذلك ادعائه بأن أنشطته أجبرت إسرائيل على تقليص عملياتها في المجال الجوي اللبناني. الوجود الموسع لنشطاء حزب الله على طول الحدود مع إسرائيل في نقاط المراقبة التي شُيّدت تحت ستار “أخضر بلا حدود”، وهي منظمة غير حكومية بيئية لبنانيةـ وكذلك، اشتباكات مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود. والثقة بالنفس التي أظهرها نصر الله منذ توقيع اتفاق الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، والذي يزعم أنه انتصار لحزب الله بفضل تهديداته ضد إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، يرى حزب الله -مثل الأعضاء الآخرين في المحور- الخلاف الإسرائيلي الداخلي حول الأزمة الدستورية، والاحتجاجات الواسعة النطاق ضد الحكومة الإسرائيلية، كتعبير عن ضعف إسرائيل المتأصل.
في الوقت نفسه، فإن عدم وجود تحرك عسكري محدود رداً على حزب الله -إلى جانب إحجام التنظيم عن تأكيد تورطه رسمياً في هجمات ضد إسرائيل- يثبت أنه على الرغم من ثقته المفرطة، فإنه -حزب الله- لا يزال مقيَّدًا ويريد تجنب المواجهة مع اسرائيل.
وأكد المحللان أنه “على الرغم من ادعاء نصر الله أنه مستعد، إذا لزم الأمر، لصراع واسع، فإن حزب الله لا يريد صراعًا واسع النطاق مع إسرائيل، والذي لن يتسبب فقط في إلحاق ضرر كبير بالتنظيم نفسه، بل بلبنان أيضا، خاصةً في ظل الانتقاد المتزايد في بلد حزب الله.