يزاول أجاي بانجا المليونير الأمريكي ذو الأصول الهندية منصبه الجديد كرئيس للبنك الدولي لمدة خمس سنوات، بدءا من 2 يونيو/ حزيران المقبل، لتستمر الهيمنة الأمريكية على ذلك المقعد الذي لا يعني رئاسة البنك فقط، ولكن رئاسة مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومؤسستي “الدولية للتنمية” و”التمويل الدولية”، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، وكذلك المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
منذ تأسيس البنك الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، يتم اختيار المرشح الذي تقدمه الولايات المتحدة كأمر تقليدي، لكن بانجا، لم يحصل على الجنسية الأمريكية إلا في 2007، إذ نشأ بالهند لأب كان ملازمًا بالجيش الهندي، وبدأ بانجا مسيرته المهنية عام 1981 مع شركة نستله لمدة 13 عامًا، ثم بيبسكو، قبل أن ينضم إلى بنك “سيتي جروب”، كما كان أحد الضالعين في إطلاق كنتاكي وبيتزا هت أشهر المطاعم الأمريكية بالهند.
في 2010، تولى بانجا منصب الرئيس والمدير التنفيذي لماستر كارد العالمية، ثم نائب رئيس مجلس إدارة شركة جنرال أتلانتيك للأسهم الخاصة، ثم أصبح رئيسًا فخريا لغرفة التجارة الدولية من 2020 حتى 2022، وبلغ صافي ثروته 206 ملايين دولار أمريكي “17 مليار روبية” بينها 113.1 مليون دولار أسهم ماستر كارد، وهو رقم منخفض بالمقارنة بالراتب الذي كان يحصل عليه من “ماستر كارد” سنويا، والذي كان يبلغ 23.3 مليون دولار، لكنه يعادل حال حسابه بعملة وطنه الأم 5.2 مليون روبية يوميًا.
آمال معقودة على بانجا
تعقد آمال كبيرة على بانجا في تعزيز قضايا المناخ؛ لخبرته الكبيرة في العمل كمستشار لصندوق جنرال أتلانتيك “بويند نت زيرو” الذي يُركِّز على المناخ منذ تدشينه عام 2021. وكذلك شغله منصب الرئيس المشارِك للشراكة من أجل أمريكا الوسطى، وهو تحالف يضم منظمات خاصة تعمل على تعزيز الفرص الاقتصادية للفئات السكانية المحرومة في السلفادور وجواتيمالا وهندوراس، كما سبق أن كان عضوا في مجالس إدارة الصليب الأحمر الأمريكي.
وتراهن وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين على هذا، مؤكدة أن بانجا سيلعب “دورا حاسما” في جهود البنك الدولي لمواجهة التحديات العالمية، مثل تغير المناخ، خاصة في امتلاكه سجل وظيفي بين القطاعين العام والخاص، ما يجعله يتفهم التحديات التي يواجهها العالم من الأوبئة والهشاشة والحاجة للقضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك.
اختيار بانجا محل الرئيس الحالي ديفيد مالباس قد يكون مقصودا، خاصة أن الأخير تعرض لانتقادات عالمية بعد أن رفض في سبتمبر/ أيلول الماضي خلال حديث مع “نيويورك تايمز” الرد على سؤال ما إذا كان يعتقد أن حرق الوقود الأحفوري يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب. قال بدلا من ذلك: “أنا لست عالما”، وهو تعليق أثار ادعاءات بأنه منكر لتغير المناخ.
في خطاب التهنئة الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن للرئيس الجديد للبنك الدولي، توقع أن يكون قائدا تحويليا من شأنه أن يجلب الخبرة والتجربة والابتكار ومواجهة التحديات العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على مهمة البنك في الحد من الفقر – بما في ذلك تغير المناخ.. والقيادة التحويلية هي شخصية لديها رؤية واضحة عن المستقبل وأهداف محددة وواضحة طويلة الأمد.
لبانجا علاقات كبيرة مع الديمقراطيين على عكس مالباس الذي كان مقربا من ترامب، بينما بانجا هو أحد مؤسسي معهد الجاهزية الإلكترونية، ونائب رئيس النادي الاقتصادي في نيويورك، وعمل عضوا في لجنة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لتعزيز الأمن السيبراني الوطني. وهو عضو سابق في اللجنة الاستشارية لسياسة التجارة والمفاوضات التابعة لرئيس الولايات المتحدة.
الرفض الروسي ونفوذ الصين
البنك الدولي يضع معايير لاختيار لرئيسه تتضمن: التمتع بسجل أداء راسخ في القيادة والإنجاز، خاصة في مجال التنمية، والخبرة في إدارة مؤسسات كبيرة ذات حضور عالمي، مع الإلمام بالقضايا المتعلقة بالقطاع العام، والقدرة على صياغة رؤية واضحة للرسالة الإنمائية لمجموعة البنك الدولي، وتقدير للتعاون متعدد الأطراف والالتزام الراسخ به، ومهارات تواصل فاعلة ودبلوماسية، والحياد والموضوعية في الاضطلاع بمسئوليات منصبه.
التقى بانجا مسئولي 96 حكومة منذ ترشيحه للمنصب، وزار 8 دول خلال جولة حول العالم استمرت ثلاثة أسابيع للقاء مسئولين حكوميين وكبار رجال الأعمال ومجموعات المجتمع المدني، ورغم ذلك لم تكن موافقة مجلس إدارة البنك المؤلف من 25 مديرا تنفيذيا بالإجماع كالمعتاد، فقد امتنعت روسيا عن التصويت، وأشارت إلى أنها كانت تحاول العثور على مرشح بديل، خاصة أنه يحمل الجنسية الأمريكية، ولكن في النهاية كان بانجا هو المرشح الوحيد الذي تم طرحه.
سيواجه بانجا توقعات عالية وأسئلة ملحة حول ما إذا كان البنك سيغير نموذج الإقراض الخاص به، وما إذا كان سيطلب المزيد من الأموال من المساهمين؟ وكيف يجب أن يعالج قضايا الفقر والاحتباس الحراري والحرب في أوكرانيا؟
كما سيواجه بيئة دبلوماسية صعبة، في محاولة لإرضاء الطموحات المناخية للولايات المتحدة مع الحفاظ على تركيز البنك على التنمية. وسيتعين عليه الخوض في علاقة حساسة مع الصين، المساهم الرئيسي والدائن الذي يواجه ضغوطًا دولية للسماح للدول الفقيرة بإعادة هيكلة ديونها.
يأتي تغيير قيادة البنك الدولي في وقت عصيب للاقتصاد العالمي، الذي عانى من جائحة وتضخم وحرب في السنوات الثلاث الماضية، وأدت تلك الأزمات المتصاعدة إلى سقوط الملايين من الناس في الفقر وعكست عقودًا من التقدم الإنمائي.
هل يخدم الدول النامية؟
يحافظ بانجا على الزي التقليدي الهندي في غطاء الرأس حتى الآن، وإلى الآن يعتبرونه في بلاده مواطنا، ففي عام 2016 تم تكريمه بجائزة Padma Shri من قبل رئيس الهند، كما تم تصنيفه في جوائز إيكونوميك تايمز للتميز المؤسسي كأفضل هندي عالمي، ما يجعل بعض الاقتصاديين يعتقدون أنه عاش في دولة ناشئة معظم حياته ويشعر بآلام قاطني الدول النامية.
بحسب كاتيما لوفبوس، الرئيسة المؤقتة لمكتب منظمة أوكسفام الدولية بواشنطن، فإن البنك بحاجة إلى إصلاح جاد لمعالجة الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء، لكن ذلك سيتطلب استثمارات عامة ضخمة جديدة في ظل تضخم الديون في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
عبد السلام بيلو، عضو المجلس التنفيذي للبنك الذي يمثل 23 دولة إفريقية يقول تعليقا على اختيار بانجا: “نريد التأكد من أن أجندة التنمية لن يتم تخفيفها في أجندة المناخ”.
بالنسبة للدول الإفريقية، يجب أن يشمل “التحول العادل للطاقة” منحها المرونة لتنفيذ تدابير تغير المناخ مع معالجة فقر الطاقة في الوقت نفسه لأكثر من 600 مليون شخص لا يزالوا محرومين من الكهرباء.
وحال ترك الاحتباس الحراري دون معالجة، سيستمر في تقويض جميع الجهود المبذولة للقضاء على الفقر المدقع.
ومع اقتراب الخطر بات نداء المجتمعات الضعيفة للحصول على المساعدة أكثر إلحاحًا، فتغير المناخ ترك بصماته بالفعل من الفيضانات إلى الجفاف إلى تدمير المحاصيل.
ومع تولي بانجا دفة القيادة، يمكن للبنك الدولي أن يعمل كشريك لجميع البلدان التي تسعى إلى الحصول على تمويل طويل الأجل ميسور التكلفة، مع الالتزام بتحقيق الهدف العالمي المتمثل في الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية دون التضحية بالتنمية، والتطلعات الاقتصادية، بحسب مجلة “فوربس”.
يطلب وزراء مالية بعض هذه البلدان -ببساطة- قروضًا بنفس سعر السوق الذي تتمتع به الدول الغنية، بدلا من معدلات أعلى 3-4 مرات يضطرون إلى دفعها في كثير من الأحيان، ويمكن تحقيق ذلك جزئيًا من خلال الاستفادة من تصنيف البنك الدولي AAA بطريقة أكثر فاعلية، وزيادة مقدار الإقراض الذي يمكن للبنك القيام به بشكل كبير.
بالإضافة إلى توسيع الميزانية العمومية للبنك، فإن بانجا لديه فرصة لتشجيع المزيد من استثمارات القطاع الخاص في احتياجات البنية التحتية للبلدان المتوسطة الدخل. فرغم أن هذه البلدان لديها اقتصادات كبيرة لكنها موطن لحوالي 70% من الفقراء.
رغم أن إصلاح البنك الدولي لا يمكن أن يكون علاجا شاملا لتحديات العالم، فإن نجاح بانجا في تنفيذ أجندة إصلاح طموحة تطلق تمويلا إضافيا يمكن أن تكون نموذجا للمؤسسات الأخرى. من خلال القيام بذلك، يمكن أن تكون دراسة حالة لقيادة التغيير التحويلي (تغيير المؤسسة للأفضل)، وتجاوز الانقسامات، ومعالجة كل من أزمة المناخ والحواجز التي تجعل الناس يعيشون في فقر مدقع.