بينما يحذر المسئولون والإعلام العبري باستمرار من مخاطر أي احتكاك خلال شهر رمضان المقبل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تشير تحليلات إلى أن هذا الافتراض يمثل إشكالية كبيرة في تحليل البيانات المتعلقة بـ “العنف الفلسطيني”، كما يطلقون عليه، خلال شهر رمضان، مقارنة ببقية العام.
في تحليله المنشور في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية/ JISS، يشير البروفيسور هيليل فريش، الخبير في شؤون العالم العربي، إلى أنه أصبح شائعًا للمسئولين والمحللين والمراسلين التحذير من مخاطر شهر رمضان المقبل بالنسبة للصهاينة، والعنف الذي سيترتب على ذلك.
ويلفت فريش إلى أن تلك المخاوف تضاعفت، خاصة بعد ما أسماه حملة حركة حماس في مايو/ أيار 2021 ضد إسرائيل. بل، وأكثر من ذلك، منذ انتخاب أقصى اليمين الإسرائيلي لتشكيل الحكومة، بشكل أخطر من أي وقت مضى.
يحلل فريش عددا من البيانات المتعلقة بالعنف والنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. قائلا إن “قراءة البيانات تشير بقوة إلى أن المخاطر حول تجدد المواجهات فى شهر رمضان، مبالغ فيها بشكل صارخ، إن لم تكن خاطئة تمامًا”.
اقرأ أيضا: حزب الله داخل إسرائيل.. خطوة أخرى نحو تغيير قواعد اللعبة
موجات العنف
يحلل فريش ما وصفه بـ “أكثر أعوام العنف الفلسطيني عنفًا في العقد الماضي”. قاصدا عام 2015، والذي ركز فيه، بشكل رئيسي، على رصد الاشتباكات في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول إلى ديسمبر/ كانون الأول. وهي تشكل أكبر موجة عنف واشتباكات شملت القدس ومدن يهودا والسامرة “التسمية اليهودية للضفة الغربية”، وأماكن أخرى.
يقول: أول ما يجب ملاحظته بشأن موجة العنف تلك، أنها اندلعت بعد ثلاثة أشهر من رمضان، وجاءت بشكل انتقامي أيضا.
سجلت وكالة الأمن الإسرائيلية 620 هجوما من المقاومين الفلسطينيين، خلال أكتوبر/ تشرين الأول وحده، ما أسفر عن مقتل 11 إسرائيليا.
على النقيض من ذلك، خلال شهري يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب -وهي الأشهر التي تداخلت مع شهر رمضان- كان هناك 123 و107 هجمات، على التوالي، وقتل إسرائيليان، مما يعنى أن هذه الفترة، والتي تداخلت مع شهر رمضان “كانت أقل عنفًا مما كانت عليه سابقا”
يضيف: يمكن قول الشيء نفسه، وإن كان أقل لفتًا للانتباه، حول أحداث عام 2016، وهو ما يمثل ذروة موجة العنف والتى استمرت خلال الأشهر الأربعة الأولى، بينما جاء شهر رمضان ما بين 7 يونيو/ حزيران، و5 يوليو/ تموز.
يؤكد فريش أن “التناقضات بين يناير/ كانون الثاني، الذي مثّل ذروة العنف، ويونيو/ حزيران -التي تداخلت أيامه مع معظم شهر رمضان- أقل وضوحًا بكثير مما كانت عليه في عام 2015”.
يوضح: قُتل في يناير/ كانون الثاني، خمسة إسرائيليين في 169 هجومًا عنيفًا، مقارنة بخمسة في يونيو/ حزيران، نتاج 103 هجمات، مشيرا إلى أن أربعة من الإسرائيليين الخمسة قتلوا في حادث عنف واحد في يونيو/ حزيران.
علاقة زائفة
يلفت خبير الشؤون العربية بمعهد القدس إلى أن تحليل بيانات السنوات الثلاث الماضية 2020 و2021 و2022 “يشير إلى وجود علاقة زائفة بين رمضان وتصاعد العنف”.
يقول: في عام 2020، بدأ شهر رمضان في 23 إبريل/ نيسان، وانتهى في 22 مايو/ أيار. وفي إبريل/ نيسان، وقع 71 هجومًا ولم يسفر عن سقوط قتلى.
وفي شهر مايو/ أيار، الذي تزامن مع معظم شهر رمضان، كان هناك 80 هجوماً وحالة وفاة واحدة.
وكان شهران على الأقل من ذلك العام، هما أغسطس/ آب، وديسمبر/ كانون الأول، أكثر عنفًا بشكل ملحوظ. حيث شهدا 120 هجومًا وقتيل واحد في أغسطس/ آب، و98 هجومًا وقتيل واحد في ديسمبر/ كانون الأول.
وفي عام 2021، شنت -بحسب خبير الشؤون العربية بمعهد القدس- حركة حماس في شهر رمضان حملة صاروخية واسعة النطاق على إسرائيل ذلك ضمن مواجهة محاولات إخراج السكان الفلسطينيين من منازلهم في حي “الشيخ جراح”.
بدأت الحركة بهجمات تستهدف القدس، بعد إنذار للدولة العبرية بإخراج جميع أفراد الشرطة والجيش من الحرم القدسي الشريف.
يقول فريش: على الرغم من أن الهجوم فشل في تغيير السياسة الإسرائيلية، إلا أن حماس نجحت في إقناع الجمهور الإسرائيلي بالعلاقة بين رمضان والعنف الفلسطيني.
يضيف: الغريب، في حين عززت السلطات الإسرائيلية ووسائل الإعلام الجديدة مزاعم حماس بوجود صلة بين العنف والشهر المقدس للمسلمين، لم يفعل ذلك السلوك الفلسطيني في القدس واليهودية والسامرة “الضفة الغربية”.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن حملة حماس انطلقت في العاشر من مايو/ أيار، قبل يوم واحد من نهاية شهر رمضان. لكن شهري إبريل/ نيسان، ومايو/ أيار، بالكاد كانا الأكثر عنفًا، مقارنة بشهري نوفمبر/ تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول، اللتين تزامنتا مع عطلات إسلامية ويهودية.
اقرأ أيضا: لم تعد ضعيفة.. إسرائيل والبحث عن “حجة” للمساعدات الأمريكية
عنف كبير
أيضا، شهد عام 2021 موجة عنف كبيرة بين عرب 48 المقيمين في إسرائيل، لا سيما في المدن المختلطة مثل اللد وعكا.
يقول فريش: في حوالي أسبوع في مايو/ أيار 2021، قتل “مثيري شغب عرب” -وفق تعبيره- ثلاثة يهود، وجرحوا أكثر من 600، وألقوا قنابل حارقة على 10 معابد يهودية و112 منزلا يهوديا. لكن كل هذا حدث بعد شهر رمضان.
ويلفت إلى أن “العنف العربي الإسرائيلي، متسق ومتصل بالعنف الفلسطيني في القدس ويهودا والسامرة”، حسب قوله.
فقط في عام 2022، لم يكن هناك أي دليل على وجود صلة بين شهر رمضان وذروة العنف الفلسطيني. حيث بدأ شهر رمضان في 12 إبريل/ نيسان، لكن أكثر الشهور عنفًا -على الأقل من حيث عدد القتلى الإسرائيليين- كان في مارس/ آذار، حيث قُتل 11 إسرائيليًا في خمس هجمات.
كما كانت هناك المزيد من الهجمات في إبريل/ نيسان، 268 مقارنة بـ 190، لكنها كانت أقل فتكًا -ربما بسبب زيادة التعبئة الأمنية الإسرائيلية لمواجهتها- مما أدى إلى مقتل أربعة.
وكان ديسمبر/ كانون الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني -اللذان لم يتصادفا مع أي عطلة- عنيفين للغاية. حيث شهدا 401 هجوم، وثلاثة قتلى، و254 جريحا.