قبل أيام قليلة، تقدمت النائبة سميرة الجزار، عضوة لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، باقتراح للتخفيف من مشكلة اكتظاظ السجون وإنهاء أزمة عقوبة الحبس الاحتياطي، والمحكوم عليهم بأحكام بسيطة والغارمات، بتركيب سوار إلكتروني في قدم تلك الفئات. مقترح ليس بجديد عالميا وعربيا، لكنه غير متداول في الحالة المصرية، لذا يواجه صعوبات في تطبيقه، وأخرى مماثلة في التعاطي معه من جميع الأطراف.
ومؤخرا، بدأت المحاكم وجهات التحقيق التوسع في استبدال الحبس الاحتياطي بالتدابير الاحترازية، سواء بالمراقبة الشرطية أو منع المتهمين من مغادرة منازلهم، مثلما حدث في حالة الأكاديمي حازم حسني وغيره من المحبوسين احتياطيا.
وتجنح بعض الجهات الحقوقية إلى الدفع باتخاذ تلك الاجراءات، بهدف تقليل أعداد المحتجزين، خاصة في ظل ظروف وباء كورونا، والتكدس الحاصل في السجون المصرية.
بالنسبة للجزار، صاحبة الاقتراح، فإن المراقبة الإلكترونية تعد أداة مفيدة واقتراح بديل عن السجن، للتخفيف من مشكلة اكتظاظ السجون والحيلولة دون تعرض الأشخاص غير الخطرين إلى العزلة الاجتماعية، وتخفيف معاناة المحبوسين من المنظور الإنساني والاجتماعي، وأيضا توفير النفقات التي تتكلفها الدولة بالإقامة والحراسة، خاصة أن تكلفة نظام الحبس الاحتياطي باستخدام السوار الإلكتروني أوفر بكثير من النظام الحالي المتبع، مطالبة بالموافقة وإحالة هذا الاقتراح وتطبيقه طبقا للمادة 54 والمادة 93 والمادة 96 من الدستور، والإتفاقات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر وأصبح لها قوة القانون.
اقرأ أيضا:
التدابير الاحترازية.. حل مؤقت لإنهاء تكدس السجون في زمن كورونا
مقترح لتعديل نصوص القانون
النائبة تقدمت بمقترح لتعديل نصوص القانون المدني والجنائي، منها إضافة نص لاستخدام المراقبة الإلكترونية لنصوص قانون العقوبات مع عقوبة السجن التي لا تتجاوز السنة الواحدة وترك الحرية للقاضي بالحكم بين العقوبتين، واستخدام السوار الإلكتروني للمحبوسين أثناء المرحلة الأخيرة لعقوبة سجن طويلة وتوسيع قاعدة الإفراج الصحي لكبار السن وإستبدالها بخدمة عامة تناسب المحكوم عليه وإمكانياته وخبراته، مع إضافة نص لإستخدام السوار الإلكتروني والمراقبة الإلكترونية للمادة الأولى في قانون تنظيم مراقبة البوليس رقم 181 لسنة 2020 للمحكوم عليهم بأحكام رقابة.
لم تكن تلك المرة الأولى التي دار خلالها الحديث حول السوار الإلكتروني كبديل للحبس الاحتياطي، ففي ديسمبر 2019، كان النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، قد طالب باستبدال الحبس الاحتياطي بالمراقبة الإلكترونية حتى لا يؤثر ذلك بالسلب على المواطنين من الناحية الاجتماعية.
ليس عابد وحده، فالمستشار سامح عبد الحكم، رئيس محكمة الاستئناف، تقدم في وقت سابق بمشروع قانون بدائل العقوبات المقيدة للحرية بالنسبة للقضايا البسيطة، لمجلس النواب، لافتا إلى أن القانون الذي تقدم به لا يتناول حبس الغارمات فقط، ولكن يتناول أيضاً استبدال عقوبة الحبس بالعمل لصالح الدولة، وذلك بالنسبة لأصحاب الجرائم البسيطة، بما فيها قضايا الغارمين والغارمات .
التدابير الاحترازية حل مطروح طوال الوقت في التفاوض بين جهات التحقيق والمراكز الحقوقية، حيث سبق وأن وضعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حلاً للمحبوسين احتياطياً، يتمثل في اتخاذ تدابير احترازية بعدم مغادرة المنزل تماشيًا مع قرارات الحجر الصحي والحظر.
وحددت المبادرة 6 فئات حددتها للحكومة المصرية، من أجل تخفيف التكدس في السجون المصرية، ومنع انتشار وباء “فيروس كورونا كوفيد19″، بين المحبوسين، ورجال إنفاذ القانون”الشرطة، النيابة، القضاء،” ووصوله إلي المرحلة الثالثة”التفشي المجتمعي”، واضطرار الحكومة للإغلاق الكامل، وما يتبعه من خسائر اقتصادية، لا تتحملها مصر في الظروف الراهنة.
كيف يعمل نظام السوار الإلكتروني؟
السوار الإلكتروني، هو نظام لجأت إليه بعض الدول ويلزم المحكوم عليه أو المحبوس احتياطيا بالإقامة في المنزل أو جهة الإقامة خلال ساعات محددة بحيث تتم متابعة الشخص الخاضع للمراقبة إلكترونيا، ولجأت له بعض التشريعات منها التشريع الفرنسي والأمريكي والسويدي والكندي والإنجليزي.
تعددت آليات التنفيذ في تلك التشريعات وتباينت بين المراقبة الإلكترونية عبر الستالايت، أو عن طريق النداء التليفوني، أوعن طريق البث المتواصل، ويوضع السوار الإلكتروني حول معصم أو كاحل المسجون احتياطيا، وهو مزود بشريحة تعمل بنظام الـ”جى بى إس”، لتحديد مكان المتهم على مدار الساعة وتتبع حركته.
كما تصمم تلك الإسورة بطريقة يصعب التخلص منها وعند محاولة المتهم نزعها بأية طريقة، فإنها ترسل إشارة إلى قسم الشرطة وسيارات الدورية القريبة من مكان المتهم فتهرع إليه وتلقى القبض عليه.
دول طبقت السوار الإلكتروني
الجزائر هي أول الدول العربية التي اتبعت نظام العمل بالسوار الإلكتروني، ولكن تم وقف العمل بها قبل ما يقرب من شهرين لاكتشاف عيوب تقنية به، بعد ما كلف خزانة الدولة مبالغ كبيرة.
وفي يناير الماضي، وبعد انتشار فيروس كورونا، قررت النيابة العامة في الكويت، استخدام المساجين المشمولين بقرارات العفو الأميري للمرة الأولى لـ”سوار إلكتروني” مرتبط بتطبيق لتحديد المواقع الجغرافية عن طريق الأقمار الصناعية، على أن يبدأ تطبيقه في مارس المقبل.
وقال المحامي العام الكويتي، المستشار محمد الدعيج، إنه وفقاً لآخر دراسة فإن نسبة انتكاسة السجين، وعودته للإجرام مع نظام السوار الإلكتروني من المتوقع ألا تتجاوز 23%، مقارنة بالنسبة العالية مع نظام عقوبة “الحبس في السجن”. وأكد أن مشروع السوار سيكون جاهزاً للتطبيق في مارس.
قال الرئيس التنفيذي لشركة Solution by stc -كواليتي نت سابقا- محمد نزار النصف إن فكرة السوار ليست وليدة اللحظة، بل موجودة منذ فترة، وتهدف السلطات الكويتية من خلالها إلى إعطاء السجين فرصة قضاء عقوبته خارج أسوار السجن.
وعرج النصف إلى فوائد تطبيق المشروع على السجناء، من الناحية الاقتصادية كتقليل تكلفة المصروفات على الدولة، ممثلة في إطعام السجين وعلاجه وحراسته.
وعن إمكانية نزع السجين للسوار، أوضح النصف أن مراقبة السجناء عن طريق السوار الإلكتروني ستجري عبر الأقمار الاصطناعية وشبكات الاتصالات المحلية، وأن أي حركة غير طبيعية ستظهر لغرفة العمليات التي تراقب تحركات المُخلى سبيلهم.
وفي لبنان، قررت السلطات القضائية اعتماد “السوار الإلكتروني” لتحديد نطاق حركة مرتكبي الجرائم البسيطة، بديلا عن الحبس الاحتياطي والسجن، وذلك للتخفيف من ازدحام السجون التي تعاني بالفعل اكتظاظا كبيرا، خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا في لبنان.
وقال النائب العام اللبناني القاضي غسان عويدات، في حديث للوكالة الوطنية للإعلام، إن وزارة العدل الفرنسية أبلغته الموافقة على تزويد القضاء اللبناني بمستلزمات خدمة “السوار الإلكتروني”، في ضوء طلب بهذا الشأن كان قد سبق وتقدم به إلى السلطات الفرنسية.
تقليل النفقات
أسر عدد من سجناء الحبس الاحتياطي استقبلوا المقترح بأمنيات بتحقيقه، وآخرون لم يرحبوا بالمقترح باعتباره أمر غير إنساني، فكما قالت علياء محمد، زوجة أحد السجناء، إن الأمر غير إنساني بالمرة “مش إنساني ومش طبيعي إن حد في حبس احتياطي يعني مش مدان قدام القانون حتى الآن يبقى متسلسل”.
وترى علياء أن الدولة يمكنها إطلاق سراح السجناء “مش هيعرفوا يسافروا ولا يخروجوا من البلد، لأنهم كده كده بيكونوا في قوائم المنع من السفر لأنهم على ذمة القضية، فمفيش خوف إنهم يهربوا”.
في المقابل يرى سيد حسن، والد أحد السجناء أن الأمر يعد “أحسن الوحش”، بحسب قوله “هو مش أحسن حل بس لو اتطبق طبعا هيكون أرحم من وجود ولادنا جوه السجون، ويبقوا مع ولادهم وأهاليهم في البيت، وده اللي احنا عاوزينه وبنطالب بيه”.
بين قسوة الأمر، وتمنيات تطبيقه، يتفق أهالي السجناء، أنه سيكون تقليل للنفقات التي يصرفها أهالي السجناء على الزيارات في السجون أو في أماكن الاحتجاز، وأيضا تقليلا لنفقات إقامة السجين من طعام يصرف له في السجن، وسيارات ترحيلات تعمل على ترحيله لحضور الجلسات، فالسوار حتى لو شهد تكلفة مادية للاستيراد، أو تدشين منظومة إلكترونية لعمله، سيكون أقل تكلفة، من مصاريف السجين التي تتكبدها أسرته، والدولة أيضا.
وبحسب إحصائيات رسمية، يكلف السجين الواحد الدولة بين 3 آلاف إلى 3500 جنيه شهريا.
تؤيد المحامية الحقوقية، عزيزة الطويل مقترح السوار الإلكتروني، فهو حل مناسب من عدة جوانب للمجتمع والدولة والشخص المراقب، ففي ظل الوباء العالمي، يعد المقترح هو الحل الأنسب لتخفيف تكدس السجون والأقسام لتجحيم الإصابات، بجانب إعمال وتفعيل التدابير بدلاً من التغول في استخدام الحبس الاحتياطي بطرق مفرطة كعقوبة.
وتؤكد الطويل أن المقترح يعمل على تقليل وتوفير نفقات من الدولة، وأيضا أهلية المحبوسين أو المحكوم عليهم، كما أن المراقب سيتمكن من تبدير أموره الشخصية والعائلية بدلاً من حبسه نصف يوم، وفقا للمراقبة الشرطة المطبقة حاليا، بالإضافة لتقليل مساحات احتكاك المراقب بالأمن قدر الإمكان، واندماج المراقب مع المجتمع بدلاً من اندمجه مع المجرمين خلال فترة حبسه نصف يومياً.
كيف يتم تنفيذ الاقتراح؟
النائبة سميرة الجزار، أرفقت مذكرة إيضاحية لشرح تفاصيل الإقتراح، قالت فيها، إنه فى العالم الخارجى خاصة فى أمريكا الشمالية تنتشر المراقبة الإلكترونية وباتت هناك قناعة متزايدة بأن عقوبة السجن ليست هي الحل الأمثل بالنسبة لأصحاب الجرائم الصغيرة، الذين قد يتأثروا بغيرهم من أصحاب الجرائم الخطيرة، ونتيجة عزلهم عن العالم الخارجي، غالبا ما يجدون أنفسهم بعد إطلاق سراحهم ضائعين، وبلا وظيفة ولا مسكن.
وتابعت المذكرة: “المهم أن نتيح لهم العيش في بيوتهم مع أسرهم، والحصول على وظيفة، والمساهمة الإيجابية في المجتمع، وهو ما يؤدي إلى تقليل احتمالات تكرارهم للسلوك الإجرامي، مقارنة مع الذين يتم عزلهم داخل السجون، فباتت العديد من الدول مقتنعة بتلك النتيجة، فبعد أن كانت الولايات المتحدة أول من أدخل المراقبة الالكترونية في الثمانينات من القرن الماضي، اليوم هناك حوالي 40 دولة من بينها سويسرا تتعامل بها، وهناك أكثر من 350 ألف شخص حول العالم يرتدون الأسورة الإلكترونية، في كواحلهم طبعا، ونصفهم تقريباً في أمريكا الشمالية”.
وترى الجزار أنه يمكن تطوير السوار الإلكتروني على مستوى تكنولوجي رفيع، مزوّد بإمكانات عديدة، ومن بينها شريحتي اتصال يمكن بواسطتهما تحديد موقع الشخص من خلال مستقبِل نظام الأقمار الصناعية العالمي للملاحة وموجات الراديو، يمكننا بواسطة تكنولوجيا الأقمار الصناعية تتبع كل حركة للشخص بين المنزل والعمل، ويمكننا معرفة السرعة التي يتحرك بها، وما إذا انحرف عن مساره المعتاد، أو ابتعد عن نقطة بعينها ويمكن تحديد موقع محدد لا يخرج عن نطاقه أي تحديد إقامته.
السوار الإلكتروني، التي تتحدث عنه الجزار مصنوع من البلاستيك وفولاذ التيتانيوم عالي الجودة، لا يمكن التلاعب به ولو حاول نزع السوار أو قلقلته أو قضمه، فإن المستشعرات الداخلية ترسل على الفور إنذارًا إلى العقل الإلكتروني، الذي يقوم بتحويله إلى مركز الشرطة أو مركز المراقبة، وكذلك ينطلق صوت تنبيه عندما تصل شحنة البطارية دون مستوى معين، بحسب وصفها.
وأشارت الجزار إلى أنه في نهاية عام 2018، أقر البرلمان السويسري تعديلات على القانون المدني والجنائي لتعزيز حماية ضحايا العنف العائلي والملاحقين ويتيح القانوني الجديد، مع بداية عام 2022، إمكانية طلب المراقبة الإلكترونية من خلال سوار يثبت حول القدم ويسمح بتتبع المحكوم عليه عبر تحديد حركة تنقلاته والموقع الجغرافي لتواجده.
وقالت الجزار، إن السوار الإلكتروني، يعد الأقل تكلفة من بين طرق تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، واستخدامه يدخل ضمن التدابير الاحترازية كبديل إنساني وحضاري عن الحبس الاحتياطي، كما أنه يمنع عدم مصادرة حرية الإنسان بالحبس لمدد غير معلومة، دونما محاكمة، وعدم إستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة مسبقة قبل الحكم القضائي، كما تساعد على تحقق الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الساعية نحو إصلاح سلوك المتهمين، والأخذ بالنظريات النفسية والاجتماعية، والتي يؤكد غالبها على أن الوجود في السجون قد لا يشكل إصلاحا في جميع الحالات ولا يجب أن تكون العقوبات مبالغا فيها، وأن تتناسب مع مقدار الجريمة.