ليس من قبيل المصادفة أن تضع جماعة الحوثي شروطا تعجيزية لتمديد الهدنة الإنسانية في اليمن، في ذات الوقت الذي يشدد فيه حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني على أن رفاقه من جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) «لن يقدموا أي تنازلات» لإنهاء الأزمة ووقف الحرب الدائرة منذ ما يزيد عن سبع سنوات.
الطرفان (جماعة الحوثي، وحزب الله) لا يعدو كونهما بيادق على رقعة شطرنج يتحكم فيها الحرس الثوري الإيراني، لا يملك أيا منهما تحريك ساكن دون صدور تعليمات طهران.
اقرأ أيضًا.. هل يتحول “الزواج العرفي” بين السعودية وإسرائيل إلى “وثيقة شرعية”؟
تتعطل عجلة المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب وتوقف المحادثات مع السعودية فتدق طبول الحرب وتتوالى التهديدات بإشعال النيران في المنطقة عبر جيوش ومليشيا آيات الله الممتدة في العواصم العربية، وعندما تدور العجلة وتُستأنف المفاوضات والمحادثات تعود البيادق إلى الخطوط الخلفية انتظار لتكليفات جديدة.
في حواره مع قناة «الميادين» اللبنانية اعترف نصر الله بشكل صريح ودون مواربة أن حزبه طرف في الحرب اليمنية يقف جنبا إلى جنب مع جماعة الحوثي، «في الحرب على اليمن حزب الله ليس مؤهلاً للعب دور الوساطة، لأننا طرف مع السيد عبد الملك الحوثي مع الشعب اليمني، وحركة أنصار الله».
نصر الله أضاف مستنكرا في المقابلة التي أجرها قبل يومين بمناسبة مرور 40 سنة على تأسيس حزبه: «الوسيط، عادة، يطلب تنازلات من قبل الطرفين ولكن، أي تنازل يمكن أن يطلب من قبل أنصار الله؟!».
وخلال حديثه كشف نصر الله الدور الإيراني في إذكاء النيران المشتعلة في اليمن حينما قال: «الإيرانيون أعطوا جواباً واضحاً بخصوص الوساطة في حرب اليمن، وهو أن لا شيء يمكن لليمنيين التنازل عنه»، معتبرا أن «قبول اليمنيين (الحوثيين) بوقف إطلاق نار بدون رفع للحصار هو موت وهذا ما يرفضه السيد عبد الملك الحوثي».
تصريحات نصر الله تزامنت مع تجديد جماعة الحوثي موقفها الرافض لجهود السلام وإعلانها حزمة شروط بعيدة كليًا عن مخرجات مفاوضات الأردن بجولتيها الأولى والثانية، وهي شروط تستهدف نسف مسار التهدئة، بحسب ما يرى مراقبون يمنيون.
المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي ربط قبوله بتمديد الهدنة لفترة ثالثة بتنفيذ عدد من الشروط: «فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة بشكل دائم، وصرف رواتب موظفي الدولة في مناطق سيطرته على نفقة الحكومة الشرعية».
ويرى سياسي يمني أن الشرط الأخير يُعد تهربًا من التزام قديم قبل به الحوثيين في 2018 في اتفاق ستوكهولم لدفع الرواتب من إيرادات ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتهم.
وفيما يضع الحوثيون العراقيل والشروط بالتنسيق مع أصحاب القرار الحقيقيين في طهران، تتوالى الجهود الأممية لتمديد الهدنة التي ستنتهي بعد أيام في مسعى للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة عبر حوار (يمني يمني) تحاول أطراف دولية وإقليمية «لم تتورط في الصراع» تهيئة الأجواء للشروع فيه.
المبعوث الأممي هانس جروندبرج زار العاصمة اليمنية المؤقتة عدن لبحث تمديد الهدنة الإنسانية مع مجلس القيادة الرئاسي، لكنه لم يقابل سوى وزير الخارجية أحمد بن مبارك، «رفض المجلس لقاء المبعوث الأممي احتجاجا على الخروقات وجرائم الحرب التي ارتكبتها ميليشا الحوثي ضد المدنيين والأطفال في مدينة تعز دون إدانة دولية واضحة وصريحة»، يقول مصدر دبلوماسي يمني.
جروندبرج وصل إلى عدن مساء الاثنين الماضي قادما من سلطنة عمان التي عقد بها سلسلة لقاءات مع وفد الحوثيين المفاوض ومسؤولين عمانيين تناولت ملف الهدنة وفتح الطرفات في تعز.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية «سبأ» عرض وزير الخارجية نتائج لقائه مع المبعوث الأممي على مجلس القيادة الرئاسي الذي اجتمع مساء الثلاثاء، مشيرا إلى أنه أكد خلال لقاءه جروندوبرج على «موقف القيادة السياسية والحكومة من جهود السلام والهدنة الإنسانية القائمة، والإجراءات والضمانات، والضغوط الأممية والدولية المطلوبة لإلزام المليشيات الحوثية بتنفيذ بنود الهدنة، لا سيما فتح معابر تعز وباقي المحافظات، قبل الانتقال إلى أي ملفات أخرى بعيدا عن هذه الاستحقاقات».
بالتزامن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إقناع الأطراف المتصارعة بالقبول بهدنة طويلة الأجل تمهيدا للدخول في مفاوضات الحل السياسي، ويزور المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينج السعودية والأردن في محاولة لـ«منح اليمنين فرصة لإيجاد طريقة لإنهاء العنف والمعاناة»، بحسب بيان للسفارة الأمريكية في اليمن.
ووصفت السفارة في تغريدة عبر «تويتر» تمديد الهدنة وإنهاء العنف بأنه «أقل ما يستحقه اليمنيون»، مشيرة إلى أنها «تشارك أهالي تعز الحزن على الأرواح التي ازهقت في عمر الزهور، ونتمنى لجميع المصابين الشفاء العاجل».
التحرك الأمريكي يأتي بعد الهجوم الذي نفذته قوات الحوثي على حي الموشكي بمدينة تعز قبل أيام وأسفر عن سقوط طفل وإصابة آخرين.
«تأتي جولة ليندر كينج بعد زيارة الرئيس بايدن الأخيرة إلى السعودية التي احتل الشأن اليمني خلالها مكانة بارزة في المناقشات»، يقول بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، لافتا إلى أن المبعوث الأمريكي سيركز في لقاءاته مع الشركاء الإقليميين واليمنيين على «توسيع اتفاقية الهدنة الحالية والعمل على تمديدها وتجديدها، بما يؤدي إلى تعزيز الفوائد الملموسة التي بدأ اليمنيون يتلقونها بالفعل، ويدفع باتجاه عملية سلام أكثر شمولية، ووقفاً دائماً لإطلاق النار».
وترجح مصادر دبلوماسية يمنية أن تسفر الضغوط الدولية والأمريكية عن تمديد الهدنة لمرة ثالثة رغم الشروط والتحفظات التي يبديها الطرفان، «سيتم الاتفاق على تمديد هدنة لن تتجاوز الشهرين كما جرى من قبل، ولن يقبل الطرفان بتوسيعها لـ6 شهور كما يسعى الأمريكان».
وتوضح المصادر أن الحوثيين يصعدون ويواصلون خرق الهدنة الجارية بتعليمات إيرانية في محاولة لجر الغرب إلى جولة جديدة من التفاوض على الملف النووي، وفي المقابل يشترط مجلس القيادة الرئاسي رفع الحصار عن طرقات تعز وفي ظل تصلب المواقف لن تتعدى الهدنة الجديدة فترة الشهرين.
وفي الوقت الذي تعمل فيه قوات الحوثي على تحشيد قواتها والدفع بقدراتها إلى مناطق التماس، وتحريك أسلحتها الثقيلة ومنصات الصواريخ والطيران المسيّر، وإعادة تمركزها في الجبهات المتقدمة، يواجه مجلس القيادة الرئاسي اليمني انتقادات لتراخيه في توحيد ودمج التشكيلات العسكرية، بحسب ما خلصت دراسة بحثية حديثة.
وذهبت الدراسة التي أعدها مركز «أبعاد للدراسات والبحوث» إلى أن نجاح مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، يتوقف على جملة من العوامل، على رأسها دمج وتوحيد القوات العسكرية تحت قيادته الحكومة الشرعية، «دمج وتوحيد القوات العسكرية تحت قيدة وزارتي الدفاع والداخلية هو السبيل الوحيد لتجنيب العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات الشرقية والجنوبية دورات عنف جديدة».
وحذرت الدراسة من أن عدم دمج وتوحيد تلك القوات، سيكون سببا في دورة احتراب جديدة، وهو ما من شأنه تعيمق حالة عدم الاستقرار في اليمن، وزيادة معاناة الشعب اليمني المنهك أصلا من 8 سنوات من الصراع.
يبدو أن مسار التسوية السياسية وعودة الهدوء والاستقرار إلى اليمن صار حلما بعيد المنال، فالحرب في تلك البلاد تحولت إلى أداة ضغط بين اللاعبين الإقليمين والدوليين يستخدمها كل لاعب ليرغم منافسه على تقديم تنازلات، والخاسر في النهاية هو الشعب اليمني الذي يدفع فاتورة صراع الكبار.