تزدحم الطرق التي تعرف قاعات الأفراح أبوابًا مطلة عليها. نمر خلال زفة عروس فيهيأ لنا أن الجميع يتزوجون. يتندر البعض بأسعار الذهب. والبعض الآخر بقصص الغارمات اللواتي وقعن خلف الأسوار نتيجة ديون بعضها ذهب في تجهيز فتاة. وعلى الجانب الآخر يعاني العالم من أزمات اقتصادية. ونعاني نحن من ارتفاع الأسعار والعديد من المشكلات. لكننا كلما مررنا بفرح تذكرنا كل مشكلاتنا وسخرنا ممن يتزوجون.
بين أعمال المنزل والرضاعة
خلال هذا الأسبوع كان حظ المرأة المتزوجة كبيرا في التريند. فالدكتورة هبة قطب خرجت بتصريحات أن من حق الزوجة ألا تطهو لزوجها. بينما قالت الأستاذة نهاد أبو القمصان أن من حق الزوجة ألا تقوم برضاعة أبنائها. ومع كل التقدير للفاضلتين فما يحدث الآن هو أشبه بإفساد زواج لعدم الاتفاق من سيدفع أجرة الكوافير أو تأجير فستان الزفاف. دون معالجة حقيقية لأزمة المرأة المتزوجة وقضايا تمس مشروع الزواج.
ماذا إن سافرت الدكتورة هبة قطب في رحلة مع صديقاتها وسكنّ جميعا شقة واحدة. وكانت هي تطهو بشكل جيد ألن تطهو سيادتها لصديقاتها؟ ويتم توزيع المهام بشكل عادل أو شبه عادل؟
أما أستاذة نهاد فهي تناقش أمرا له علاقة بغريزة الأمومة. ولا أفهم كيف تلد أم طفلًا وتكون بصحة وليس لديها موانع طبية فأقول لها لا تُرضعي طفلك.. ومن حقك أجر؟
وعلى الجانب الآخر أعلن الجهاز المركزي عن انخفاض أعداد عقود الزواج المسجلة. وثارت معركة على موقعي التواصل تويتر وفيسبوك لأن سيدة رفضت تأجير الشاليه الخاص بها لفتاة مع صديقها. وأعلنت ذلك عبر منشور تم تداوله على نطاق واسع بين مؤيد ومعارض. والبعض يرى أن الأمر حرية شخصية.
تدور هذه الأخبار المتنوعة خلال أسبوع واحد لم ننته منه في تناغم. كل منها يلتهم الاهتمام ويتصدر الأخبار يوما أو يوميين على الأكثر. لكن تظل رواسب منه في عقول البعض. منهم المتزوج ومنهم المقبل على الزواج. فهل مثل هذه الأمور التي نحتاج إلى مناقشاتها في قضايا الزواج؟
تفاصيل غير هامة تسبب فوضى
لن أناقش ما طرحته السيدات الفُضليات لكنني بصدد سؤال لا يمكن تجاهله: ماذا إن شاركت إحدى السيدات آخرين في إيجار شقة كيف سيتم توزيع المهام؟
إنها تفاصيل المشاركة التي نمارسها جميعًا ببساطة. هناك من تطهو وأخرى تتولى أعمال النظافة. أو وضع برنامج آخر يناسب ظروفهن. يتم ذلك بسلاسة لتستمر الحياة. لكن إثارة الفوضى والتهام الأخبار وتصدرها يجعلنا نناقش أمورا ظاهرية ونشعل معارك بينما نترك الأمور الهامة والأولى بالمناقشة.
وككثير من عُشاق المظاهر قد يفسد اتفاق زواج نتيجة التفاصيل التي لا تؤصل لحياة زوجية حقيقية. لكنها تعني شكل العائلة ومظهرها. القاعة والفرح والنقطة وتوزيعها والكوافير والتصوير وكلها أمور لن تكون ذات تأثير في مسار الحياة الزوجية.
فهل ناقش الأهل أثناء اتفاقات الزواج حقوق المرأة؟ ضرورة عدم تعرضها للضرب؟ الذمة المالية للزوجة؟
ولأننا معنيين بالشكل مهتمين بالنهايات يتم مناقشة المؤخر وشكل الفرح دون الوقوف على الأمور الهامة التي سرعان ما تنفجر في وجوه الزوجين. وتحدث حالة طلاق كل دقيقتين وإحدى عشرة ثانية حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أسباب فشل الزواج: لأننا نتحدث عنه وليس بشأنه
العلاقة الزوجية مثل كل علاقة تنمو وتتغير صورتها من وقت لآخر لنفس الزوجين. فالبدايات مختلفة عن شكل العلاقة بعد عام أو عامين وبالتأكيد مختلفة عنها بعد عِدة أعوام.
خصوصية العلاقة أن كل تجربة قائمة بذاتها. حتى نفس الفرد إذا تزوج مرتين تكون تجربته الأولى مختلفة عن الثانية. فكل حالة مستقلة بداخلها بذور فشلها مثل عوامل نجاحها. لكن دوافع الفشل أكثر. ذلك لأننا لا ننشغل بأمور هامة في الزواج منها:
- المشاركة: أي علاقة تجمع طرفين هي علاقة تشاركية. يتحمل الطرفان مسئوليات يوزعانها حسب ظروفهما. والتدخل من الخارج في توزيع تلك المهام والمسئوليات يسهم بصورة كبيرة في الدفع بالعلاقة نحو الفشل. كأن تنصح إحداهن أو أحدهم الزوج/ة بعدم مشاركة شيء مع شريكه فتكون النتيجة بداية الصدع.
- الاحترام والتقدير المتبادل: بعض الأزواج يعمدون للتقليل من زوجاتهم والعكس أيضًا يحدث. والبعض ربما يسب أو يشتم وكل تلك الأمور تسبب شروخا في العلاقة. وفي حالة وجود أطفال فإن مثل هذه السلوكيات تسبب تشوهًا لدى الأولاد والأفضل ونحن نناقش الزواج نطرح فكرة عند حدوث خلاف كيف نتعامل معه؟ ضرورة أن يكون الخلاف بين الزوجين وعدم دخول أطراف أخرى إلا في حالات بعينها. أن يكون الخلاف بعيدًا عن الأطفال. الاحترام المتبادل بين الطرفين أهم بكثير ممن سيقوم بالطهي ومن سينشر الغسيل.
- المسئوليات الاجتماعية: يحدث أن يكون أحد الطرفين له أنشطة اجتماعية والآخر يميل إلى البعد عن الاجتماعيات. ومن ثم فالأمر بحاجة إلى معادلة وتعامل عقلاني. فلا يتم التقليل من طرف أو تقديمه للغير بوصفه المقصر. فالمفترض أن علاقة الزواج علاقة تكاملية يكمل كل طرف ما ينقص عند الآخر.
- المسئوليات المادية: رغم أنني من مؤيدي وجود ذمة مالية مستقلة للزوجة لكن تشاركية الحياة تستدعي أن يدعم الطرفان شكل الحياة والسعي نحو تحسينها والرفع من مستواها. شريطة أن يتشارك الطرفان مشاركة حقيقية وأن تحافظ المرأة على جزء من مدخراتها كتأمين للمستقبل.
- الخلاف: تتضمن كل العقود بندًا مرتبط بالخلاف واللجوء للمحاكم. وهذا أمر هام في كل العلاقات. ومن المهم مناقشة تلك القضية. فالمقدمون على الزواج يتجاهلون مناقشة هذا البند كشكل من أشكال التفاؤل. ومع كل الأمل بنجاح الزواج فإن مناقشة إدارة الخلاف في حال حدوثه أمر غاية في الأهمية. لأنه لا علاقة بلا خلافات صغرت أم كبرت. ولذلك فالمفترض عند التخطيط للزواج مناقشة مثل تلك الأمور فهي أهم بكثير من ماركة الثلاجة أو عدد السجاد أو حتى قاعة الأفراح.
للأسف تفشل أغلب علاقاتنا لأننا منشغلون بالقشور. الشكل والظاهر دون اهتمام حقيقي بالمحتوى والمسار الصحيح. وفى ظل الاحتفاء بالقشور ستكون هناك عشرات التصريحات وآلاف الأخبار وإلى جوارها تمر في خفوت إحصائيات مثل انخفاض معدلات الزواج. أو عدد قضايا الطلاق والنفقة في محكمة الأسرة. فتلك أمور لن تُشعل الخلاف وتتصدر التريند. تمامًا مثل فستان الفرح والميكاب آرتست وقاعة الأفراح. كلها أمور سيتناولها المحيطون. أما الزوجان فالله معهما يكتشفان الزواج بطريقتهما. مشبعين بآراء أساتذة ومختصين بالزواج والمرأة لنصنع خلافات من نوع جديد. ثم نتفاجأ بأن هناك طلاقا مرتفعا وبعض الشباب عازف عن الزواج.