أنهى الدولار تعاملات البنوك الرسمية، اليوم الأربعاء، على صعود قياسي مسجلًا مستوى 29.75 جنيه في أعلى مستوى بتاريخه، وبعد يوم واحد من المؤتمر الذي عقدته بعثة صندوق النقد إلى مصر، وكشفت فيه بشكل كامل عن جميع جوانب قرض الـ 3 مليارات دولار.
مع بداية تعاملات البنوك، واصل الدولار قفزات متتالية، لتبلغ مكاسبه في يوم واحد أكثر من جنيهين، رغم تراجعه عالميًا لأدنى مستوى في 7 أشهر مقابل اليورو مع صدور بيانات اقتصادية أمريكية تشير إلى أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، سيعمل بشكل أكبر على إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة.
مطلب الصندوق الأول
تحرك الدولار في البنوك يأتي مع الكشف عن ملامح برنامج صندوق النقد التمويلي أمس في مؤتمر صحفي عبر الفيديو تابعه “مصر 360″، أكدت خلاله إيفانا فلاديكوفا هولار، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر ورئيسة قطاع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أن البرنامج التمويلي الجديد لمصر يهدف إلى تحقيق إدارة جيدة لسعر الصرف من خلال تحركه صعودًا وهبوطًا تبعًا للمؤشرات الاقتصادية والظروف المحيطة. بما ينعكس إيجابيًا على تحسن ثقة المستثمرين واستقرار الاقتصاد.
يقول الصندوق، إن البرنامج الجديد المتفق عليه مع مصر يرتكز على ثلاثة أسس محورية هي “سعر الصرف المرن والثاني استمرار الانضباط المالي والثالث الاصلاحات الهيكلية”. مشددًا على لسان إيفانا فلاديكوفا هولار، أن المراجعة الأولى للبرنامج الجديد ستتم خلال مارس/ آذار 2023، والثانية في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته، كما ستتم عملية قياس للأهداف المتفق عليها.
اقرأ أيضًا: “بعد لعبة الدولار وخفض الجنيه”.. التعويم يوسع دائرة الفقر ويفاقم الأزمة الاقتصادية
خطاب وزير المالية ورئيس البنك المركزي المشترك الموجه لصندوق النقد، الذي كشف الصندوق عن تفاصيله أمس، يؤكد على تلك النقطة بالإعلان عن تحول دائم نحو سعر صرف مرن، مدعومًا بإعدادات وأطر عمل مناسبة للسياسة النقدية والمالية العامة بالتوازي مع تعميق أجندة الإصلاح الهيكلي. ما يساعد الاقتصاد المصري على تحمل الصدمات الخارجية المستقبلية ودعم القدرة التنافسية للشركات المصرية، بحسب نص الخطاب (يقصد منح الصادرات المصرية تنافسية أعلى بسبب سعرها الأقل مقارنة بالصادرات المنافسة).
فجوة تمويلية ضخمة
تقارير صندوق النقد تشير إلى فجوة تمويلية بمصر تقدر بحوالي 17 مليار دولار ستتم تغطيتها من مصادر متعددة، منها دعم إضافي منه (الصندوق) بقيمة مليار دولار ودعم من بعض الدول الخليجية. ذلك إلى جانب بيع شركات مملوكة للدولة من خلال طرحها بالبورصة، أو من خلال الصندوق السيادي بحلول يونيو 2023. وتقدر عائداتها بـ 2.5 مليار دولار. فضلًا عن تمويلات من عدد من مؤسسات التمويل الاقليمية والدولية.
أعادت “هولار” التأكيد على سعر الصرف المرن أكثر من 5 مرات في كلمتها، وجعلته كدستور الأدوية الذي يعالج جميع الأمراض. فبحسبها، سيحقق تعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات الخارجية، وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية، وتحسين عجز الحساب الجاري ليبلغ 2% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط.
إلى أين يتجه الجنيه؟
قبل ثلاثة أيام، توقع بنك HSBC البريطاني، أن يسجل على المدى القريب مستوى ما بين 30 و35 جنيهًا في المتوسط مقارنة بـ 26 جنيهًا في توقعات سابقة له، مع زيادة احتياجات التمويل العالية للغاية وتدفقات رأس المال الضعيفة في الفترة ذاتها.
بحسب HSBC، فإن الجولة الحالية لتخفيض قيمة العملة تعتبر جزءًا من حملة متوقعة منذ فترة طويلة لإعادة موازنة الحسابات الخارجية لمصر بعد الصدمات الخارجية في العام الماضي (حرب أوكرانيا وخروج 22 مليار دولار من الأموال الساخنة)، بجانب تحول البنك المركزي إلى سعر صرف مرن وتمويل الاعتمادات المستندية للإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ.
لدى مصر مدفوعات يجب سدادها لمنظمات متعددة الأطراف بقيادة صندوق النقد الدولي. ويبلغ مجموعها 2.5 مليار دولار هذا العام و15 مليار دولار بحلول نهاية عام 2026. ما يعني أن مصر ستضطر إلى دفع 10 مليارات دولار على الأقل لصندوق النقد الدولي، بحسب HSBC.
تعويم أم مرونة
يشهد الجنيه منذ 2016 حركة من التعويم بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بخفضه حينها من مستوى 8.80 جنيه إلى مستوى 13 جنيهًا دفعة واحدة، ليسجل بنهاية العام 19 جنيهًا قبل أن يهبط في 2017. ودخل في تعويم ثان بعد اجتماع استثنائي في مارس/ آذار 2022 بخفضه من مستوى 15.74 جنيه إلى نحو 19.60 جنيه.
اقرأ أيضًا: الرابحون والخاسرون من تحرير سعر الصرف
وتعرض الجنيه لتعويم ثالث بخفض قيمة العملة المصرية من مستوى 19.60 جنيه إلى مستوى 24.62 جنيه، قبل تعويم اليوم الأربعاء الذي كسر به حاجز الـ 32 جنيهًا. مع ملاحظة أن آخر خفضين للجنيه لا يطلق عليهما المركزي تعويمًا ولكن “سعر صرف مرن”.
لا يزال السعر العادل للجنيه مثار جدل بين الخبراء. ففي حين يرى هشام عز العرب، مستشار محافظ البنك المركزي السابق، أن قيمته تبقى عند 22.70 جنيه، يقدره الخبير الاقتصادي هاني جنينة، رئيس قسم البحوث في شركة برايم للأوراق المالي، عند مستوى يتراوح بين 26 و28 جنيهًا. لكن الجنيه تجاوز تلك المستويات بعدما وصل إلى 32 جنيهًا، قبل أن يختتم التعاملات البنكية عند مستوى 29.75 جنيه.
مصدر مصرفي مسئول، يقول لـ”مصر 360″، إن تخفيض الجنيه أمر لابد منه من أجل الوصول لحرية كاملة لسعر الصرف. وهو أمر يطلبه المستثمرون الأجانب، الذين يرون أن الجنيه كان مقومًا بأعلى كثيرًا من قيمته الحقيقية، قبل أن يكون أحد مطالب صندوق النقد الدولي، دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل.
يفتح انخفاض العملة الباب على مصرعيه أمام دخول الاستثمارات الأجنبية الخليجية لمصر، فالشركات المصرية ستصبح رخيصة الثمن، وهو أمر ظل جليا في أداء البورصة التي ارتفعت منذ بداية العام الحالي بنسبة 6.37%، وشهدت اليوم الأربعاء، مشتريات لمستثمرين عرب بقيمة 7.5 مليارات جنيه غالبيتها من قبل مؤسسات وليس أفرادًا.