قرار هيئة الثروة السمكية، وقف عمليات الصيد بخليج العقبة، وخليج السويس بجنوب سيناء وجزر الغردقة وما حولها بالبحر الأحمر، أثار تساؤلات عدة حول أهمية القرار من ناحية الحفاظ على المخزون السمكي، ومن تأثيره على دخول الصيادين هناك، باعتبار أن الصيد مصدر دخلهم الوحيد، إضافة إلى ما قد يسببه هذا القرار من ارتفاع في الأسعار.
تضمن القرار وقف الصيد بشكل تدريجي، يبدأ بحرفة الجر من 15 مايو/أيار الجاري حتى 15 سبتمبر/أيلول المقبل، وحرفة الشانشولا من ٢ مايو إلى ٤ أكتوبر المقبل، وحرفة السنار والسنار الآلية بماتور ثابت من 1 يونيو/حزيران حتى 15 سبتمبر، والعاملة بالفلايك اوت بورد الثابت العاملة بالسنار والمناصب من 15 مايو حتى الأول من أغسطس.
غضب وعقوبات
القرار الذي بدأ سريانه منذ الشهر الجاري، تطرق إلى العقوبات المزمع فرضها على المخالفين لقرار وقف الصيد. وتضمن إيقاف رخصة الصيد، ومصادرة معدات الصيد للمخالفين على مدار فترة المنع.
وحذرت هيئة الثروة السمكية الصيادين المخالفين بإيقاف ترخيص أي مركب صيد يتم ضبطه لمدة شهرين، ومصادرة معدات الصيد، على أن تزداد العقوبة في حالة تكرار المخالفة لإيقاف 6 أشهر والإحالة للنيابة. ويتم التنسيق مع مديري هيئة الثروة السمكية؛ لتنفيذ القرارات وتوفير المعدات الخاصة بمراقبة تنفيذ مواعيد وقف الصيد.
وقد بررت هيئة الثروة السمكية قرارها بأنها تسعى إلى الحفاظ على المخزون السمكي في منطقة البحر الأحمر.
تعويض شهري مؤقت
التأثير الناجم عن قرار وقف الصيد من المؤكد أنه سيؤثر على دخول الصيادين خلال فترة التوقف، لذا عبر عدد كبير منهم عن رفضهم للقرار الذي بات قيد التنفيذ. كما أن تلك العقوبات المقررة على مخالفي القرار زادت من حالة الغضب لدى الصيادين الذين اشتكوا توقف عملهم بمصدر رزقهم الرئيسي.
يقول خبير الاستزراع السمكي الدكتور يوسف العبد، إن أي قرار ينجم عنه توقف لأعمال الصيد، فلابد أن يتبعه تعويض للصيادين بنسبة تقارب حجم الخسائر التي سيتعرضون إليها، خاصة وأن الغالبية العظمى من صيادي البحر الأحمر لا يعملون في مهن أخرى “الصيد هو مهنتهم الأولى والأخيرة”.
وقال اللواء خالد فود محافظ جنوب سيناء، إن المحافظة تحرص على تعويض الصيادين خلال فترة المنع بصرف مساعدات مالية، بالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي، إضافة إلى التنسيق مع الهيئة العامة للثروة السمكية، لخفض رسوم التأمينات الخاصة بهم، وتأمين حياة كريمة لهم بعد بلوغه سن المعاش.
وأوضح المحافظ، أن المحافظة بها نحو 670 صيادًا، وأنه يحرص على عقد لقاءات دورية معهم للاستماع لمطالبهم وحصر احتياجاتهم، وإيجاد حلول لها بشكل لا يؤثر على حالاتهم الاقتصادية، لافتًا إلى أن قرار منع الصيد يأتي بناءً على دراسات؛ للحفاظ على الراحة البيولوجية للأسماك وتكاثر الذريعة.
تأثير محتمل على السوق
ووفق خبراء، فإن هدف هيئة الثروة السمكية من وقف الصيد يتعارض مع احتياجات السوق من الأسماك، باعتبار أن الدولة ليس لديها اكتفاء ذاتي بنسبة 100% ويتم تعويض جزء من الخارج.
بينما تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن مصر لديها 90% من الاكتفاء الذاتي من الأسماك، وتعد السادسة عالميًا في الاستزراع السمكي. ومع ذلك، يظل نصيب المواطن من الأسماك، أقل من المستوى العالمي، حيث يبلغ سنويًا 18 كيلو جرام، بينما النسبة العالمية 20 كيلو جرام.
ومتحدثًا عن الآثار المتوقعة، يقول خبير الاستزراع السمكي أحمد الشراكي، إن السوق المحلية تعاني في أوقات من العام بسبب الأزمات والتحديات العالمية، ذلك فضلًا عن صعوبة الصيد وأزمات الاستزراع في بعض الأحيان. ومن ثم يكون هناك تأثير على معدل تلبية احتياجات السوق من الأسماك.
ويوضح أن قرابة الـ 90% من الاستهلاك المحلي يتم إنتاجه داخل السوق بينما يتم تدبير باقي الاحتياجات. لذا فمن المؤكد أن وقف الصيد سيؤثر على المنظومة بأكملها سواء من حيث الكميات المُتداولة، أو أسعار البيع وكذلك العاملين بهذه المهنة. وهو أمر يستدعي ضرورة تعويض الكميات التي سيتم وقف صيدها من خلال مصادر أخرى، سواء منافذ الصيد المتاحة داخليًا أو الاستزراع السمكي. بحيث يتم تقليص حجم التأثر بالسوق.
وتشهد الأشهر الحالية من كل عام موسم هجرة لبعض أنواع الأسماك، لذا فإن القرار يصيب صغار الصيادين في آمالهم خلال الموسم الذين ينتظرونه. بينما لن يضار كثيرًا كبار تجار الأسماك الذين يستوردون من الخارج.
كيف ستتأثر الأسعار؟
على مستوى تسعيرة البيع تقول القاعدة إنه كلما تراجع حجم الإنتاج والمعروض بالسوق كلما ارتفعت الأسعار، وهي علاقة طردية. لذا تسعى الدولة إلى إحكام الرقابة على السوق عبر الجهات المسئولة؛ لمنع فرض أي تحركات سعرية على أنواع الأسماك المختلفة بعد وقف الصيد بالبحر الأحمر.
هنا، يوضح الشراكي أن هناك ارتفاع في مدخلات الإنتاج التي رفعت من سعر التكلفة بنسب أعلى من سعر البيع الحالي بالسوق. فـ”الاستزراع السمكي قائم على استيراد جزء كبير من الأعلاف من الخارج، والتي ارتفعت أسعارها بشكل مضاعف الفترة الماضية”، ما قد يزيد من فرص تحرك الأسعار إذا لم يتم تعويض السوق باحتياجاته وإحكام الرقابة عليه.
وارتباطًا بالأوضاع الاقتصادية ومستويات التضخم، يشير الشراكي إلى أن السوق شهد الفترة الماضية تراجعًا على مستوى الطلب بسبب موجة ارتفاع الأسعار ما أضعف القوة الشرائية. لذا لم نستشعر الأزمة بشكل كبير على مستوى توافر الأسماك خلال الفترة الأخيرة.
هل يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي؟
[iframe src=”https://flo.uri.sh/visualisation/13693281/embed?auto=1%27″ width=”100%” height=”600″]
رفع حجم الإنتاج السنوي من الأسماك، وتحقيق الاكتفاء الذاتي يحتاج إلى توافر عدد من العوامل التي يأتي على رأسها توفير الأعلاف بأسعار ملائمة، أو التوسع في إنتاجها محليًا؛ لضمان عدم التأثر بتقلبات مدخلات الإنتاج المستوردة من الخارج.
وتكلفة الاستزراع السمكي تتوقف بشكل أساسي على سعر الأعلاف، والتي تمثل حاليًا ما يقارب الـ 65% من إجمالي التكلفة، وبالتالي استمرار الاعتماد على استيراد تلك الأعلاف، سيزيد من أزمات القطاع لاحقًا بسبب تقلبات سعر الصرف محليًا. بينما الاتجاه لبدء زراعة مكونات تلك الأعلاف سيعزز من فرص تخفيف الضغط على العملية الدولارية، ومن ثم تقليص سعر الإنتاج.
كذلك، فإن تحسين كفاءة سفن الصيد التي يتم الاعتماد عليها في الصيد بمختلف المناطق المائية أحد أهم هذه العوامل، إضافة إلى أهمية مضاعفة أعدادها بما يتلاءم مع الرغبة في زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويبلغ إنتاج مصر الحالي من الأسماك ما يزيد قليلًا عن 2 مليون طن، وزيادة هذا المعدل إلى مستوى يسمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحقيق فائض للتصدير يتطلب تطوير هذه الصناعة، وتوفير مدخلاتها من أعلاف وغيره بأسعار جيدة، أو البدء في إنتاجها محليًا؛ لتفادي التقلبات العالمية.
يقول يوسف العبد خبير الاستزراع السمكي إن مصر تتمتع بحدود مائية غنية بالأسماك، لكن الأمر يحتاج إلى استغلال جيد على مستوى المعدات، وسفن الصيد ومستوى العمق الذي يتم الصيد منه، فالأدوات والمعدات الحالية لا تسمح بالصيد في أعماق بعيدة.