لم تظن “ياسمين”، ابنة الـ 30 عاًمًا، أن حياتها ستنتهي سريعًا، فهي مثل كل فتاة كانت تحلم بالكثير وترسم مستقبلها رغم المجهول، ولكن كل شئ بدء في لحظة وانتهي في بضعة أيام، فأصغر ضحايا كورونا بمصر، ورغم تماسكها بالأمل وإيمانها بالقدر إلا أنها شعرت بقرب نهايتها وودعت محبيها بطريقتها.

sss

“الخيرة دائمًا فيما اختاره الله”، هكذا كانت آخر كلمات نشرتها ياسمين عباس، عبر صفحتها على الـ فيسبوك، والتي لم يتجاوز عمرها الثلاثون عامًا، قبل أن تقع ضحية لـ “فيروس كورونا” الذي يلتهم ضحاياه بسرعة البرق .

في مارس الماضي، سُجلت “ياسمين” العائدة من السعودية، وفق رواية عمها الدكتور محمد عباس، أصغر حالة وفاة بين ضحايا فيروس كورونا بمصر، وبالنظر لحساب “ياسمين” على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يتجه نظرك نحو صورة “البروفايل” الخاصة بها، فتجد فتاة مصرية في كل ملامحها، ابتسامتها تزين جبهتها، وخلف تلك الابتسامة سواد داكن، وتحت عبارة “في قلوبنا” نعي من محبيها لأسرتها في مصابهم الجلل .

ودعت “ياسمين” الجميع حينما قالت: “ما يستودع عند الله لا يضيع فاستودعك اللهم أهلي وسعادتي وقلبي وصحتي وأمور حياتي، فإن ودائعك لا تضيع”، وذلك قبل أيام من كتابتها “اللهم عام دون فقد ودون خيبة”.

وروي الدكتور محمد عباس، عم الراحلة، ملبسات وفاتها، موضحًا إنها توفيت نتيجة إصابتها بفيروس كورونا المستجد، حيث أن ابنة شقيقه كانت قد عادت من السعودية منذ 15 يوم وظهرت عليها أعراض المرض من 8 أيام، فعرضت نفسها على مستشفى جامعة عين شمس التخصصي وأجرت التحاليل اللازمة، إلا أن المستشفى أكد لها أنها غير مصابة بالفيروس ولم يقوموا بعزلها، لتعود إلى المنزل وتسوء حالتها الصحية.

وتابع عم الراحلة، أنها في الأول أجرت تحاليل وظهرت نتائجها سلبية قبل أن تجري تحاليل أخرى لتثبت إيجابية التحليل لفيروس كورونا، بعد أن تفاقم عليها التعب، حتى وافتها المنية، مناشدًا كافة الجهات بالتدخل للتحقيق فيما حدث، خاصة وأن المتوفية تبلغ من العمر 30 عامًا فقط.

 اقرأ ايضًا: بعد إهماله لسنوات.. علاء غنام: الطب الوقائى فرس الرهان أمام التحدي العالمي

شهيد الواجب

ولعل من أقسى فصول تلك المعركة مع وباء كورونا، رحيل المرضى وحيدين دون عائلاتهم، في غرف باردة موحشة، إذ بات الوضع في المستشفيات أصعب، فقد أصبح الكثير من ضحايا كورونا يفارقون الحياة وحيدين دون أن يسمح لأقاربهم بإلقاء النظرة الأخيرة عليهم، فيموت كثيرون فرادى بعيداً عن العائلة وعن أحبائهم، بسبب تشديد الإجراءات التي فرضت لمنع انتشار العدوى .

ويقف الأطباء في الخط الأول في معركة “كورونا”، حيث أعلنت نقابة الأطباء في مصر، في مارس المنصرم، وفاة أول طبيب مصري من بورسعيد، إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد، وكتبت النقابة على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك: “أول شهيد للواجب من الأطباء في مصر، أحمد اللوّاح من بورسعيد .. في ذمة الله بمستشفى العزل بالإسماعيلية بعد إصابته بفيروس كورونا”.

وكان “اللواح” أستاذاً ورئيس قسم التحاليل الطبية بجامعة الأزهر، وتوفي عن عمر ناهز 57 عاما، وقبيل وفاته بأيام حرص “اللواح” عبر صفحته على الـ”فيسبوك” متابعيه على البقاء في منازلهم للحد من تفشي الفيروس.

وكتب “اللواح”، نصائح ذهبية لمتابعيه لتفادي الإصابة، تمثلت في “ليه خليك في البيت ..وايه اللي هيحصل لما نقعد في البيت أسبوعين .. الناس تتساءل: يعني بعد الأسبوعين دول هيحصل إيه .. ما احنا هنرجع تاني لحياتنا والفيروس هينتشر تاني .. خد بالك معايا : الناس الآن 4 أنواع”.

وتابع “اللواح” في آخر ما كتب على فيس بوك، “أهم شيء هام جدا جدا .. الفيروسات اللي انتشرت على الأسطح والأرض وحتى لو في الهواء هتموت بعد أسبوعين لو مالقتش جسم إنسان تتكاثر فيه .. المهم المهم المهم خلال الأسبوعين دول لو التزمنا ممكن الفيروس يموت في الخارج لو مالقاش جسد يدخله.

 اقرأ ايضًا: يعانون من تكاليف الوقاية.. عمال النظافة أبطال منسيون في معركة كورونا

ذهب للكنسية لمساعدته

بينما ذهب سيد مصطفي، البالغ من العمر 60 عاًما، بنفسه إلى مستشفي العزل، بعد ظهور أعراض فيروس كورونا عليه، حيث كشف أبنائه، الذي يعمل أحدهم طبيب والآخر صيدلي، أصابته، ما جعلهم يلحون على الأطباء لعمل التحليل الخاص بالفيروس له؛ فالأمر ليس مجرد التهاب رئوي كما شخصوه في البداية، ولم يعلموا أنها آخر مرة سيرون فيها والدهم .

وبعد تأكيد إصابته بفيروس كورونا، التزم أبنائه ووالدتهم بالحجر الصحي لمدة 14 يوم، ولكن في اليوم الرابع جائهم خبر وفاته، فاستعان الأبناء بأحد أقرباهم، الذي ذهب على الفور لأقرب كنيسة له، ليشتري صندوق لوضع الجثمان ثم نظفه جيدًا وأزال الصليب من فوقه ثم توجه إلى المستشفى، وذلك تنفيذًا للإجراءات المنصوص عليها من وزارة الصحة بأن تكون الجثة داخل صندوق مغلق قابل للتنظيف والتطهير.

اقرأ ايضًا: “موتى كورونا”.. كثافات الجثث ترهق العالم وترعب الأحياء

الآثار النفسية لـ كورونا

دقت وفاة وزير في ولاية ألمانية ناقوس الخطر حول تأثير كورونا على حياة الناس نفسيًا، فالوزير “توماس شيفر” انتحر بسبب ضغوط نفسية قد تكون لكورونا الجزء الأكبر فيها، كما انتحرت ممرضة إيطالية، كانت في أيامها الأخيرة تحت توتر شديد بسب ظنها أنها نقلت عدوى الفيروس لمرضى بالمستشفى.

وبحسب تقرير حديث لـ”الأذاعة الالمانية”، فأن الكثير أصبحوا لا يتابعون سوى أرقام المصابين والمتوفين أو حتى المتعافين من كورونا، لكن هناك أرقام أخرى من الصعب للغاية حصرها، لكنها تبقى خطيرة هي الأخرى، هم من يعانون نفسيا بسبب هذه الجائحة.

وسلطت صحيفة “ذ إيكونومسيت” البريطانية، الضوء على الآثار النفسية لكورونا، أولها الخوف من الإصابة والعدوى، كما أن الحجر الصحي المنزلي الذي يعيشه جزء واسع من العالم، تسبب باحساس الناس بالوحدة والتوتر والقلق، خاصة أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وغير مؤهل طبيعياً للتعايش مع إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضها الفيروس.

وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر المتأثرين نفسيا بالفيروس، الناس الذين فقدوا وظائفهم بسبب الجائحة، إذ يتوقع اختصاصي نفسي تحدث للصحيفة فقدان هؤلاء حتى هوياتهم، وروتينهم اليومي، والكثير من روابطهم الاجتماعية.

وعن الآثار النفسية الـسلبية للأوبئة على المواطنين، لاحظ الباحثون أن “وصم الأشخاص المصابين”، وهو ما ظهر بوضوح في الحوادث المتكرر لمنع دفن ضحايا كورونا في عدة دول ومدن، إضافة إلى “انعدام الثقة الطبية”، وهو يعني عدم الثقة في العلاج الطبي والتقدم، بسبب انخفاض موارد الرعاية الصحية، ويتوقع العلماء أن تظهر آثار الأمراض المعدية في شكل القلق والذعر، مثل القلق بشان إصابة العدوى، وانتقالها إلى الأقارب والأصدقاء.

اقرأ ايضًا: خوفاً من الملل والاكتئاب.. كيف تحافظ علي ثباتك الإنفعالي في الحجر المنزلي؟

ورغم أن الوباء فرض علينا التباعد الاجتماعي، إلا أن مجلة “إيموشن” الألمانية، تنصح بالاستمرار بالتواصل هاتفياً مع الأصدقاء والأقرباء، واستخدام الكاميرا إن أمكن، ومحاولة الترفيه عن النفس بالرياضة المنزلية أو بشيء آخر محبوب كالقراءة ومشاهدة الأفلام والاستماع للموسيقى.

وتشدد منظمة الصحة العالمية على ضرورة مساعدة الآخرين في هذه الظروف، كالتواصل مع الجيران لسؤالهم إذا ما احتاجوا شيئاً، ومحاولة خلق تكتل تضامني لمواجهة الفيروس، والحديث عن قصص إيجابية لأشخاص تجاوزوا محنة هذا المرض، كما تنصح بالإشادة بكل من يبذل جهداً لتطويق الفيروس، ومنهم العاملون في الخدمات الصحية.