” الطاعون، الكوليرا، الجدري، الملاريا” كلها أمراض وأوبئة ذكرها التاريخ ، وتركت آثارها على مصر وشعبها، ونظرًا لموقع مصر الجغرافي فإن غالبية الأمراض والأوبئة التي ظهرت في العالم استطاعت الدخول إلي مصر واصابة شعبها.
وما أشبه اليوم بالبارحة فقد غزى فيروس كوفيد-19 المستجد العالم، وانتقل إلى مصر ليوضع في قائمة الأوبئة التي غزت مصر بعدما صنفته منظمة الصحة العالمية جائحة ” وباء”.

sss

الطاعون والموت الأسود

هاجم وباء “الطاعون” مصر عام 1347 بعد فترة قليلة من غزوه لدول العالم، ففي الفترة من أكتوبر 1347 ويناير1349، ولقى نحو200 ألف مصرى حتفهم، وقضى الطاعون والمجاعة بعد ذلك على الأخضر واليابس بين 1347م و1349م.

وحصد الطاعون “الموت الأسود” وفقا لما ذكره المؤرخون فى مصر الكثير من الأرواح، لدرجة أن الطرقات امتلأت بجثث المصابين، وكان يخرج من القاهرة يوميا نحو 800 جثة لتدفن خارج العاصمة، حتى أن الأكفان نفدت من الأسواق، وأصبح الدفن دون تغسيل أو صلاة أو تكفين.

يقول المؤرخ المصري الشهير ابن إياس: “كان يخرج من القاهرة كل يوم ما يزيد على 20 ألف جنازة، وبلغ عدد من ماتوا بين شهرى شعبان ورمضان نحو 900 ألف نسمة، وتضررت الأراضي الزراعية وقلت المحاصيل الزراعية جراء موت الفلاحين، وكان الطاعون مرضاً معدياً، إذ كانت أجساد المرضى مغطاة بالدمامل السوداء التي يخرج منها الدم، ولذلك أطلق عليه الموت الأسود”.

وجاء الطاعون وافدا من أوروبا الغربية، يروي المؤرخ الأمريكي شلدون واتس في كتابه “التاريخ والأوبئة” كيف انتشر الوباء من موانئ البحر الأسود في العام 1347 عندما اعتلت الفئران والبراغيث سفنا متجهة إلى جنوة الإيطالية، وسرعان ما وصلت السفن الجنوية إلى سواحل مصر ومدنها، ليعم “الموت الأسود” جنوبي وشمالي المتوسط وأوروبا الغربية.

أقرأ أيضا: علاء عوض: فيروسات كورونا لا تتحمل الأجواء الحارة.. وكوفيد-19 موقفه مجهول

طاعون إسماعيل بك

ظهر مرض الطاعون على مصر من جديد، بشكل أكثر قسوة وشراسة ففي عام 1791 ظهر مرض الطاعون مرة أخري و أطلق عليه حينها ” طاعون إسماعيل”، نظراً لوفاة رئيس حكومة القاهرة حينها مصاباً بالطاعون، وبلغ عدد الوفيات حينها ما يقرب من 1500 إلي 2000 شخص يوميًا، وقضى على نصف المماليك المرتبطين بإسماعيل بك، وفقدت القاهرة وحدها أكثر من ستين ألفا من أبنائها في الفترة الواقعة ما بين السادس والتاسع من إبريل عام 1791م.

ربما يكون الطاعون أحد الأسباب الرئيسية في انهيار حكم المماليك، إذ لم تقتصر عواقبه على حصده المستمر للسكان في موجات لا تتوقف في مصر والشام من العام 1347 وحتى الغزو العثماني في العام 1517، لكن العواقب الأوخم كما يشير الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة القاهرة، تمثلت في المجاعات التي تعقب كل وباء والخراب والانهيار الاقتصادي.

انتشر الطاعون في مصر مجددا عام 1798 مع بداية قدوم الحملة الفرنسية إلي مصر، وقد أتي عن طريق بعض السفن القادمة من تركيا المحملة بالبضائع، ويذكر “الجبرتي” أن الوباء كان ينتشر كالهشيم في الحطب، وقد ساعد على انتشار المرض أن المصريين كانوا يدفنون موتاهم في وسط القري والمدن، وفي بعض الأحيان كانوا يدفنون جثث موتاهم داخل منازلهم.

ويروي الجبرتي أن هذا الوباء كان يقتل في اليوم الواحد ما يقرب من 600 إلي 120 شخص، وقد قضي هذا الوباء على حوالي 150 ألف نسمة في مصر ما بين عامي 1798 وحتي عام 1801 أي مع خروج الحملة الفرنسية من مصر.

الجدري في مصر

تسبب الجدري في وفاة أكثر من 300 مليون شخص في العالم في القرن العشرين، وكانت أعراض الجدري هي التهاب حاد معدي يظهر على هيئة طفح جلدي، وبعد أسبوع يظهر تقيحات على سطح الجدل يصاحبها حمي شديدة، وبمضي ثلاثة أسابيع تجف الالتهابات تاركة خلفها ندوبا عميقة وصغيرة على الأجزاء المصابة بالجسم.

وفي مقال بعنوان “الأمراض والأوبئة في مصر وجهود الحملة الفرنسية لمقاومتها (1798-1801)”، قال الدكتور محمد عبدالحميد الحناوي، إن العلماء الفرنسيين توصلوا لعلاج مرض الجدري عن طريق تناول المريض في الأيام الثلاث الأولي للمرض، الأغذية السكرية مثل العسل والسكر.

وفي اليوم السابع يتناول المريض الأغذية التي تحتوي على الكالسيوم مثل اللبن والسمك، وخلال تلك الفترة يحظر غسل العينين لعدم نقل الميكروب لها فيسبب العمي.

وأظهرت بعض الأبحاث المعاصرة التي أجريت على مومياء فرعون مصر، رمسيس الخامس، احتمال وفاته بسبب هذا المرض، ليصبح بذلك رمسيس الخامس واحدا من أوائل الأشخاص الذين فارقوا الحياة بسبب الجدري.

في 14 من شهر مايو سنة 1796 ، قرر الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر القيام بتجربة جريئة على طفل يبلغ من العمر ثمانية سنوات، حيث أقدم الطبيب على أخذ عينات بسيطة من يد امرأة مصابة بجدري البقر، وتطعيم الطفل جيمس فيبس ذي الثماني سنوات بهذه العينات في كلتا ذراعيه.

وحتى يوليو من نفس العام لم تظهر على هذا الطفل أية أعراض لمرض الجدري، وتيقن الطبيب أن جسم الطفل اكتسب مناعة ضد المرض عقب تطعيمه بجدري البقر.

وبفضل هذه التجربة الجريئة، ساهم إدوارد جينر في ظهور التطعيم المضاد للجدري، وأنقذ ملايين الأرواح البشرية خاصة بعد أن سجلت نتائج أبحاثه انتشارها في كامل أرجاء القارة الأوروبية.

أقرأ أيضا: بعد إهماله لسنوات.. علاء غنام: الطب الوقائى فرس الرهان أمام التحدي العالمي
الكوليرا في مصر

ظهر وباء الكوليرا في البداية في جنوب آسيا، خاصة في مدينة كالكوتا في الهند، ومنها انتشر إلى باقي القارة الآسيوية والشرق الأوسط، وانتقلت العدوى عن طريق تناول طعام أو شراب مياه ملوثة ببكتيريا تسمي “جرثوم ضمة الكوليرا” المسببة للمرض.

عرفت الكوليرا في الطب الحديث بالأمراض المستوطنة، فقد ضربت مصر عشر مرات في تاريخها الحديث، في عام 1831 في عهد كلوت بك، مؤسس مدرسة الطب، كان الوباء يقضي على 3 آلاف مواطن يوميًا وانحسر فجأة في العام التالي 1832، وفي نفس العام ولأول مرة تم إنشاء مكاتب الصحة، بعدما تسبب الوباء في قتل الآلاف.

وفي عام 1883 انتشر الوباء مجددا، وأدي لوفاة 15 ألفا، وقد قدر عدد الذين ماتوا في الوجه البحري بنحو 36 ألف مواطن، يذكر أنه في عام 1883م اكتشف الطبيب الألماني “روبرت كوخ” علاجاً لميكروب الكوليرا، حيث سافر كوخ إلي مصر ومكث بالمستشفى اليوناني بالإسكندرية وشرع في عمل أبحاث، ثم اتجه إلي الهند بعدها ليظهر علم الميكروبيولوجي للوجود.

وظل الكوليرا ينتشر وينحسر، وفي اﻷيام اﻷخيرة من صيف 1947، انتشر وباء الكوليرا من جديد واستفحل وبلغ تعداد ضحاياه 10 آلاف و277 قتيلًا، و20 ألف و804 مصابًا من إجمالي تعداد مصر البالغ 19 مليونًا و90 ألف و447 مواطنًا، وفقًا لما وثّقته منظمة الصحة العالمية آنذاك.

في رواية سيرته الذاتية “الأيام”، يعرض عميد الأدب العربي طه حسين لانتشار وباء الكوليرا في قريته مطلع القرن العشرين، ويصف لوعة أهل بيته بموت أخيه الأوسط طالب الطب الشاب بالوباء، وكما نقرأ في كتاب “الأيام” كان قد هبط الوباء إلى مصر ففتك بأهلها فتكاً ذريعاً ودمر مدناً وقرى ومحا أسرا كاملة. ويعتبر عام 1947 هو آخر جولات الكوليرا مع مصر.

الملاريا في مصر

في مارس 1942، دخلت بعوضة “جامبي” مصر قادمة من السودان حاملة وباء الملاريا الذي بدأ اجتياحه للبلاد بداية من قرى النوبة ومنها وصل أسوان واﻷقصر .

واستطاع الوباء على مدار 3 سنوات إصابة 750 ألف مصري، ووفاة ما بين 100 إلى 200 ألف شخص فيما قدر عدد سكان مصر 17 مليون نسمة.

والملاريا هي واحدة من الأسباب الرئيسية في العالم  للموت، وتؤدي لإصابة نصف مليار بالمرض، وموت حوالي 2 مليون في جميع أنحاء العالم سنويًا، وهو عبارة عن عدوى ناجمة عن طفيلي أُحادي الخلية، يتغلغل لمجرى الدم عن طريق لسعة البعوض من نوع الأنوفيلية.