تبذل عدة دول على رأسها مصر وروسيا وألمانيا وقطر، بدعم أممي، في الوقت الراهن، جهودًا حثيثة على أعلى المستويات تقودها القاهرة للتوسط بين الحكومة الإسرائيلية وحركة “حماس” الفلسطينية، من أجل إتمام صفقة “تبادل الأسرى” بين الحركة وإسرائيل، التي يؤكد المراقبون أن لجائحة كورونا دورًا كبيرًا فيها.
sss
كانت “حماس” أعلنت مطلع الشهر الجاري، عن مبادرة “تبادل الأسرى” على لسان يحيى السنوار، قائد الحركة في قطاع غزة، في لقاءٍ متلفز، أبدى خلاله استعداد حماس لتقديم “مقابل جزئي” لحكومة تل أبيب، لتفرج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الإسرائيلية.
ويتوقع المراقبون السياسيون حدوث عملية تفاوضية شاقة، قد تستغرق وقتًا طويلًا لإنجاز هذه الصفقة، مؤكدين أن هناك مخاوف جدية من أن تلعب قوات الاحتلال الإسرائيلي بورقة تفشي “كورونا” للضغط على “حماس” لتخفيف شروطها، ومقايضة المعدات الطبية لمكافحة الفيروس بمعلومات عن حالة الأسرى.
فرصة نادرة.. وقرار صعب
قال مشير المصري القيادي في حركة “حماس”، إن المقاومة الفلسطينية تمتلك “أوراق قوة” يمكن لها أن تُخضع المسؤولين الإسرائيليين لشروطها في قضية تبادل الأسرى، موجها رسالة إلى قادة إسرائيل جاء فيها: “نقول اليوم لـ غانتس ونتنياهو لن تروا جنودكم حتى نرى أسرانا وأسيراتنا بين أهليهم وذويهم”.
مشير المصري: المقاومة الفلسطينية تمتلك “أوراق قوة” يمكن لها أن تُخضع المسؤولين الإسرائيليين لشروطها في قضية تبادل الأسرى
وأكد القيادي مشير المصري، في مؤتمر صحافي أمس الأول، الخميس، لإحياء ذكرى يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف 17 أبريل من كل عام، أن “المقاومة مستعدة لصفقة تبادل أسرى مشرّفة”، على قاعدة شروطها. وحذر المصري من أن كل محاولات الاحتلال للتباطؤ والمماطلة والالتفاف حول القضية لا تخدم جنوده في قبضة المقاومة.
في المقابل، قال مسؤولون إسرائيليون إن ثمة “فرصة نادرة” من أجل عقد صفقة تبادل الآن. ورجحت مصادر إسرائيلية مطلعة على ملف صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس التوصل، إلى اتفاق خلال الأسابيع القريبة شريطة اتخاذ الطرفين قرارات صعبة.
وأكدت هذه المصادر لصحيفة «إسرائيل بيتنا» العبرية، أن هناك “فرصة نادرة” أصبحت مواتية لتطبيق الصفقة، محذرة مع ذلك من أن تلكؤ الطرفين في حسم الأمور قد يؤدي إلى تفويت الفرصة، وبالتالي إلى إرجاء الصفقة إلى أجل غير مسمى.
ووفق أرقام مؤسسات الأسرى التي صدرت أمس الأول، في ذكرى يوم الأسير، فإنه يوجد في السجون الإسرائيلية حاليًا 5 آلاف أسير، من بينهم 41 أسيرة يقبعن في سجن «الدامون»، و180 طفلًا وقاصرًا موزعين على سجون (عوفر، ومجدو، والدامون).
مؤسسات الأسرى: يوجد في السجون الإسرائيلية حاليًا 5 آلاف أسير، من بينهم 41 أسيرة يقبعن في سجن «الدامون»، و180 طفلًا وقاصرًا موزعين على سجون (عوفر، ومجدو، والدامون)
فيما يضم ملف الأسرى الإسرائيليين لدى حماس رفات 4 جنود، هم: هدار جولدن وأورون شاؤول، وهما جنديان تمكنت “كتائب القسام” التابعة للحركة من أسرهما خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يوليو 2014. أما الأسير الثالث فهو أفيرا منيستو، وهو جندي إسرائيلي من أصول إثيوبية، ويقول الاحتلال إنه دخل قطاع غزة بطريق الخطأ، بينما تصر “حماس” على أنه تم أسره خلال عملية مخطط لها. وأخيرا الأسير الرابع هو هشام السيد، وهو عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية.
ولا تقتصر الصفقة على تبادل الأسرى فحسب، وإن كان هذا هو عنوانها الرئيس، بل تتضمن أيضا تقديم التسهيلات اللازمة للمساهمة في تحسين الظروف المعيشية السيئة في القطاع، وإدخال معدات طبية تحتاجها مشافي غزة للإسراع في فحوصات المشتبه في إصابتهم بالمرض؛ خشية تفشيه في القطاع على نطاق واسع.
الكرة في ملعب إسرائيل
حول آخر تطورات الصفقة، قال عبد اللطيف القانوع، الناطق باسم الحركة، في بيان أمس، إن “الاحتلال لم يتقدم بخطوات فعلية وجادة، ولم يلتقط المبادرة حتى الآن. ونحن نرى نجاح أو فشل مبادرة السنوار مرهون بمدى جدية الاحتلال، والكرة ما زالت في ملعبه”.
وأكد القانوع أن “مبادرة السنوار ما زالت قائمة وجادة، وهي تمثل البعد الإنساني للإفراج عن الأسرى”. ولفت إلى أن” قضية الأسرى على رأس أولويات قيادة حركة حماس في هذه المرحلة الحساسة”.
وأوضح أن الصفقة قد تتعلق – أولًا- بإطلاق سراح الأسرى من كبار السن والمرضى والأطفال والنساء، ممن تخشى الحركة انتقال الوباء إليهم، بعد الإعلان عن إصابة عدد من السجانين الإسرائيليين. أما الإفراج عن الأسرى الكبار من ذوي المحكوميات “العقوبات” العالية فيمكن الحديث عنه في مرحلة لاحقة من المفاوضات، في حال سارت الأمور بشكل طبيعي.
من جهة أخرى، تحدَّث حيزي سيمنتوف، مراسل القناة 13 الإسرائيلية، عن وجود احتمال بأن تقدم “حماس” معلومات واضحة عن حالة الجنديين غولدن وشاؤول، وهذه رغبة إسرائيلية قبل الدخول في المفاوضات، لذلك يُتوقع أن تكون المفاوضات صعبة، وقد تستغرق وقتًا طويلًا. كما تدرك إسرائيل أن الحركة امتلكت خبرة كافية في إدارة ملف المفاوضات، ولن تقدم معلومات مجانية، مما قد يصعّب الأمر بشدة.
مراسل القناة 13 الإسرائيلية: احتمال أن تقدم “حماس” معلومات واضحة عن حالة الجنديين غولدن وشاؤول، وهذه رغبة إسرائيلية قبل الدخول في المفاوضات
وذكرت صحيفة “هآرتس” في مقال تحليلي نشرته الأربعاء الماضي أن “أزمة كورونا خلقت فرصة لإعادة الأسرى والمفقودين من غزة بثمن معقول”، وهو ما يعكس ما استنتجه الإعلام الإسرائيلي بمختلف مرجعياته، بغض النظر عن صحة التقدم الحاصل في مفاوضات تبادل الأسرى.
وهنالك صحف إسرائيلية أخرى، منها “معاريف”، أبدت تحمسًا كبيرًا في الحديث عن تقدم في المفاوضات، وأشارت إلى وجود وفد من “حماس” في العاصمة المصرية القاهرة من أجل هذه الغاية. لكن بيانات حركة “حماس” سُرعان ما خفضت سقف التنبؤات والتسريبات الإعلامية هذه، إذ أكدت أن إسرائيل لم تتقدم حتى اللحظة بخطوة إلى الأمام.
ورغم أن المواقف المعلنة لا تعطي أي مؤشرات لحدوث تقدم فعلي في المفاوضات، إلا أن تطورًا مبدئيًا قد حدث بالفعل في هذا الملف، لمجرد أن “حماس” قدمت تنازلاً معيناً تحت عنوان حل جزئي يراعي الجوانب الإنسانية للطرفين من منطلق حالة فرضتها جائحة كورونا.
اقرأ أيضًا: أسرار صفقة “تبادل الأسرى” بين إسرائيل وحركة حماس
وإلى ذلك، كشف مصدر فلسطيني أن هناكً تقارباً بين “حماس” وإسرائيل من ناحية أن تكون أي صفقة للتبادل “إنسانية شاملة”، بمعنى أن يتم تسليم جنود إسرائيليين موتى أو أحياء، مقابل تحرير أسرى فلسطينيين أطفال ونساء ومسنين، فضلًا عن توسيع دائرة “الخدمات والمساعدات الطبية والإنسانية” التي تدخل إلى قطاع غزة.
وأشار مسؤول دولي يعمل في الأراضي الفلسطينية إلى وجود عاملين مهمين في ملف التبادل؛ الأول يتمثل في إيجابية حركة حماس و”نزولها عن الشجرة” بطريقة ما، بحيث أصبحت فيها مطالب الحركة أقرب إلى قدرة إسرائيل على تحمل دفع الثمن. أما العامل الثاني، فهو جاهزية بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة المؤقت، للمضي قدماً بها، لكنه يطلب من “حماس” التريث حتى يجري حل أزمة تشكيل الحكومة المتعثرة.
ويؤكد المسؤول الدولي أن “نتنياهو” جاهز للصفقة، ولكن المشكلة في توقيت التوقيع على الصفقة، فهو يطلب الانتظار لأنه ليس في وضع يمكن أن يعلن فيه خلال ساعات أو أيام عن تقدم في ملف التبادل، وهو ما تعززه جهود الوساطة في هذا الملف بقيادة مصرية.
تعود قضية الأسرى الإسرائيليين لدى حماس لعام 2014، حين أعلنت أسر الجنديين شاؤول آرون وهدار غولدن إبان الحرب على غزة، ثم تحدثت عن فقدان إسرائيليين أحدهما يهودي إثيوبي أبارا منغستو والآخر من أصل عربي هشام السيد، دخلا غزة بصورة غير قانونية في 2014-2015، لكنها لم تولِهما اهتماماً كبيراً بذات القدر الذي منحته لغولدن وشاؤول ذوَي الأصول الغربية.