بالتزامن مع تفشى فيروس “كورونا المستجد”، في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا وأمريكا، يتفشى على المستوى الدولي فيروس آخر ربما لا يقل خطورة عن الوباء، وهو فيروس العنصرية والتطرف، الذي يتغذى على الرعب الناتج عن الجائحة!

sss

تستغل الجماعات اليمينية والشخصيات المتطرفة من الهند إلى أوروبا حتى الولايات المتحدة، تفشي وباء كورونا كذريعة لإطلاق دعوات عنصرية، وكسلاح لمهاجمة المهاجرين بشكل عام، وخاصة المسلمون منهم.

منظمة الأمن والتعاون الأوروبي: التصدي لممارسات الكراهية والتنمر ضرورة للتغلب على الأزمة الصحية التي تواجهها كل دول العالم

وحذرت “منظمة الأمن والتعاون الأوروبي”، ومقرها العاصمة النمساوية فيينا، من تزايد حالات التنمر والكراهية والعنصرية في التعامل مع مصابي جائحة فيروس كورونا المستجد، إضافة إلى اتهام بعض الجماعات والقوميات بالتسبب في الجائحة.

وقالت المنظمة، في بيان لها، أمس الجمعة، “إن التصدي لممارسات الكراهية والتنمر ضرورة للتغلب على الأزمة الصحية التي تواجهها كل دول العالم، مشيرا إلى أن التضامن بين الشعوب ضرورة لعبور الأزمة وللتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على الجائحة”.

“كورونا الجهاد”

يسلّط الإعلامي البريطاني مهدي حسن الضوء على استغلال انتشار فيروس كورونا من قبل جماعات يمينية معادية للإسلام، في كل من الهند وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لمهاجمة المسلمين وبث مشاعر الكراهية ضد الإسلام وأتباعه.

ويؤكد حسن، أن أنصار حكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” اليميني المتطرف في الهند يطلقون على فيروس كورونا المستجد اسم “كورونا الجهاد”، ويزعمون أن الوباء ليس سوى مؤامرة من قبل المسلمين لإصابة وتسميم الهندوس.

وفي تغريدة لها على موقع تويتر، دعت مديرة في استوديوهات “بوليوود” الهندية للإنتاج السينمائي، تدعى “تشانديل” إلى صف المسلمين والصحافيين طابورا، وإطلاق النار عليهم، بدعوى أنهم الذين نشروا فيروس كورونا في الهند!

 

وكان لدى “تشانديل” حوالي 100.000 متابع على المنصة قبل حذف حسابها، وهي شخصية معروفة وشهيرة بين اليمين الهندي المتطرف لمواقفها المثيرة للجدل والتي تستهدف الأقليات.

وفي هذا الصدد، ألقى مسؤولون بالحكومة الهندية باللوم في تفشي الوباء في الهند على تجمع عقدته مؤخرا جماعة “التبليغ والدعوة” في العاصمة نيودلهي، ووصف أحد أعضاء حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في البلاد هذا التجمع بأنه “جريمة طالبانية”.

اقرأ زج: الإرهاب الفيروسي.. مخطط الجماعات المتطرفة لنشر كورونا في صفوف الشرطة بتونس

وتعاني محلات المسلمين الآن مقاطعة من قبل الهندوس في جميع أنحاء الهند، كما أطلق المتطرفون على المتطوعين المسلمين الذين يوزعون معونات غذائية على الفقراء اسم “إرهابيي فيروس كورونا”، فيما اتهم مسلمون آخرون بالبصق في الطعام وتلويث إمدادات المياه بالفيروس القاتل!

ولم تقتصر تلك المزاعم التي تحمل المسلمين مسؤولية تفشي الفيروس على السياسيين القوميين الهندوس والغوغاء، إنما شاركت فيها وسائل إعلام مشهورة في البلاد، حيث نشرت صحيفة “ذي هيندو” ذات الميول اليسارية رسما كاريكاتوريا يظهر العالم رهينة لفيروس كورونا الذي يصوره وهو يرتدي ملابس مرتبطة بالمسلمين.

من جهة ثانية، تنامت في الآونة الأخيرة حالة من التمييز العنصري ضد الأفارقة في الصين، بعد تسجيل عدد من الإصابات بفيروس كورونا لدى الجالية النيجيرية في مدينة “كانتون” جنوب البلاد. وتم على خلفية ذلك طرد العديد من الأفارقة من منازلهم المسـتأجرة، كما مُنعوا من دخول المتاجر.

وازدادت وتيرة التمييز العنصري ضد الأفارقة في الصين، على خلفية هروب خمسة نيجيريين مصابين بالفيروس من الحجر الصحي للتوجّه إلى مطاعم وأماكن عامة، مما اضطر السلطات إلى فحص ألفي شخص احتكّوا بهم، وعمدت إلى وضع آخرين في الحجر. وأكد أفارقة مقيمون في مدينة كانتون في جنوب الصين أنّهم منعوا من دخول المتاجر، وطردوا من مساكنهم، وفرض عليهم حجر تعسّفي.

تمكّن المخرج الكندي مصطفى كشواري، في ظرف وجيز، من تصوير فيلم سينمائي حول فيروس “كوفيد 19”.

واختار المُخرج الكندي تسليط عدسات الكاميرا، في فيلمه الموسوم باسم الفيروس نفسه “كورونا”، على حالات العنصرية والخوف المتفشية جراء انتشار الوباء، حسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

دعوات عنصرية

من جهة أخرى، ذكرت تقارير إعلامية نشرتها صحيفة “الجارديان” البريطانية أن شرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة، تحقق حاليا في قضية جماعات يمينية متطرفة متهمة بمحاولة استخدام أزمة فيروس كورونا لإذكاء مشاعر العداء ضد المسلمين.

اقرأ أيضًا: الهند.. هل حوّل فيروس العنصرية بلاد «غاندي» إلى دولة متطرفة؟

كما رصدت منظمة “تيل ماما” المعنية برصد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، مؤخرا، العديد من الدعوات العنصرية وحالات التحرش والمضايقة التي تعرض لها مسلمو البلاد خلال الأسابيع الأخيرة.

منظمة “تيل ماما”: استغلال تفشي وباء كورونا لإشعال مشاعر الكراهية ضد المسلمين لم يقتصر على الشخصيات اليمينية المتطرفة في الغرب، وإنما شاركت فيه وسائل إعلام معروفة تماما كما حدث في الهند

وأوضحت المنظمة في تقرير لها أن استغلال تفشي وباء كورونا لإشعال مشاعر الكراهية ضد المسلمين لم يقتصر على الشخصيات اليمينية المتطرفة في الغرب، وإنما شاركت فيه وسائل إعلام معروفة تماما كما حدث في الهند.

ومع أزمة تفشي “كورونا”، عادت قضية التمييز بين البيض والسود في فرنسا إلى الواجهة، وذلك بعد مطالبة عالمين فرنسيين، باعتبار أفريقيا حقل تجارب لاختبار لقاح ضد الفيروس.

وكان رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى كوشين في باريس “جان بول ميرا”، قال خلال برنامج تلفزيوني على قناة “ل سي اي” الفرنسية: “إذا كنت أستطيع أن أكون استفزازيا، ألا ينبغي لنا أن نقوم بهذه الدراسة في أفريقيا، حيث لا توجد أقنعة، ولا علاجات، ولا إنعاش؟ كما هو الحال في بعض الدراسات على الإيدز. في المومسات، نجرب الأشياء لأننا نعرف أنهن مكشوفات للغاية ولا يحمين أنفسهن”. ووافق رئيس الأبحاث في مجموعة إنسيرم للأبحاث الصحية، “كميل لوشت”، على الفكرة، مضيفا أنه يجرى بالفعل دراسة في أفريقيا “باستخدام نفس النهج”.

في المقابل، وصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم جيبريسوس، تعليقات العالمين الفرنسيين بأنها “عنصرية”، وقال إن اقتراحهما أظهر “مخلفات من عقلية استعمارية”.

وتسبب “كورونا” في تصاعد وتيرة العنصرية في مدارس بريطانيا، ضد معلمي اللغة الصينية بشكل خاص، والمعلمين من أصول آسيوية بشكل عام. وقالت نقابة المعلمين في بريطانيا، في بيان، إنها تلقت العديد من البلاغات تفيد بتعرض أعضاء لها إلى سوء المعاملة والتحامل والكراهية، التي زادت بشكل كبير منذ تفشي الفيروس في البلاد.

على الجانب الآخر من المحيط، ما زال وباء كورونا يواصل انتشاره في الولايات المتحدة، ولكن الفضائح العُنصريّة بدأت تتكشف، وتظهر وجهها القبيح، حيث تؤكد الإحصاءات المعلنة أن الأمريكيين من أصل أفريقي هم الأكثر مُعاناةً، وأن نسبة الوفيّات بينهم هي الأعلى قاطِبَةً، وسط أنباء عن أنّ المُستشفيات ترفض استقبال المرضى السود وتأمُرهم بالعودةِ إلى بُيوتهم للموت هُناك، فلا أسرّة لهم.

وغرّد مذيع الراديو الأمريكي الشهير نيل بورتز على تويتر، قائلا لمتابعيه: “هل تعتقد أن فيروس كورونا سيئ؟ انتظر حتى يكون المسلمون أكثرية في أمريكا، سنترحم على هذه الأوقات حينها”!

بالمثل، أثارت الممثلة السعودية “مرام عبدالعزيز”، موجة واسعة من الجدل، بعد مطالبتها بتجربة علاج “كورونا” على المساجين بدلا من الفئران.

وقالت “عبدالعزيز” عبر “تويتر”: “لو كان الأمر بيدي كان كل اللي (الذين) يتم القبض عليهم خاصة في قضايا تمس الأمن ما أسجنهم بس وأخسر عليهم أكل وشرب وتأهيل. كنت خليتهم حقل تجارب للأدوية الجديدة حتى لو ما كانت النتائج مضمونة منها عقاب لهم ومنها تستفيد منهم البلد. هم أولى بالتجارب من الفئران والقرود اللي (التي) ما أذتنا بشيء”.

 

وفي السياق ذاته، شنت الفنانة الكويتية “حياة الفهد” هجومًا عنصريًا ضد العمالة الوافدة؛ حيث طالبت الحكومة بترحيل الوافدين والمصابين بفيروس “كورونا” من غير الكويتيين إلى بلادهم.

وقالت “الفهد”، خلال مداخلة هاتفية عبر تليفزيون الكويت: “احنا ملينا خلاص، وما عندنا مستشفيات.. البلاد خربانة من تجار الإقامات، كل الملفات اللي بالشؤون لابد تقف ويجب تسفير العمالة الزائدة إلى دولهم، فالكويت لا تتحمل هذا العدد”.

 

وفي مصر، ظهر وجه جديد للكراهية والعنصرية بحق مصابي وضحايا “كورونا” تمثل في قيام أهالي قريتين بمحافظة الدقهلية بمنع دفن طبيبة توفيت بالفيروس؛ خوفا من العدوى.

واضطرت الشرطة لإطلاق الغاز المسيل للدموع على عشرات من أهالي قرية “شبرا البهو”، حتى تتمكن وزارة الصحة من دفن الطبيبة “سونيا عبدالعظيم” (65 عاما)، التي توفيت إثر إصابتها بالفيروس.

 

ولم يغب الاحتلال الإسرائيلي عن المشهد العنصري تجاه مصابي “كورونا”؛ حيث جرى إهمال المواطنين العرب من ناحية الوقاية والعلاج، رغم وجود الطواقم الطبية العربية في الصف الأمامي في مكافحة العدوى داخل المستشفيات الإسرائيلية، فضلا عن ربط تل أبيب لإدخال المساعدات الطبية إلى قطع غزة بمسألة “تبادل الأسرى” مع حركة حماس الفلسطينية.

نشر طالب آسيوي يبلغ من العمر 23 عامًا منشورا على صفحته في فيسبوك يندد فيها بالعنف الجسدي “العنصري” بشأن فيروس كورونا الذي تعرض له من قبل مجموعة من الأشخاص في العاصمة البريطانية لندن حيث صرخ أحدهم في وجهه قائلًا: “لا أريد فيروسك التاجي كورونا في بلدي”.

وأرفق جوناثان موك في منشوره على “فيسبوك” صور وجهه المتورم نتيجة الكدمات الذي تعرض لها خلال الإعتداء الذي تعرض له، وبعد أن ندد بالهجوم حث الآخرين على توخي الحذر من العنصرية والكراهية حتى في مدينة عالمية مثل لندن، حيث فتحت إدارة الشرطة تحقيقا حول الحادث الذي وصفته على أنه “اعتداء شديد العنصرية”.